إلى أي وجهة ينعطف السلام في اليمن

من الواضح أن الأزمة والحرب في اليمن على مفترق طرق، وأن الأحداث ستنعطف في هذا البلد وفق خطة كيري كما سُرِّبت أو وفقها إن حدث عليها تعديل، لكن إلى أين تقود هذه الخطة؟!

قبل ذلك، علينا أن نسأل كيف وصلنا إلى ما نحن فيه اليوم، وإلى أين سنصل إذا ما نظرنا بتفحص إلى تجاربنا السابقة في اليمن وفق طبيعة الصراع القديم الجديد وآليات معالجته في كل المراحل السابقة، تلك المعالجات التي كانت تُربِّت على الجرح و لا توقف نزفه، تصف المسكنات الموضعية وتفشل في تشخيص الداء وعلاجه.

الأفدح فيما جاء به جون كيري، ليس فقط خطة سلام هش ومؤقت سينهار لا شك بعد فترة، بل أن الخطة حددت سلفاً الفترة التي يفترض عندها انهيار الاتفاق الذي يسعى إلى فرضه وزير خارجية الولايات المتحدة الذي يحاول تسجيل انجاز شخصي وحيد لفترة عمله المنتهية.

في نسخة سربها الحوثيون للخطة التي استلموها من ولد الشيخ أحمد المبعوث الأممي إلى اليمن، يدور حديث عن اجراء انتخابات عامة خلال سنة من بدء سريان الاتفاق، وتبدو هذه النقطة أمراً مثالياً يحقق السلام في اليمن وينهي المرحلة الانتقالية التوافقية عبر البدء بتداول السلطة وفق ظروف طبيعية تعطي مؤشراً إلى أن مرحلة الصراع على الحكم بالقوة قد انتهت، لكن المعضلة في هذه الخطة المُسرَبة لم تقل كيف ستجرى الانتخابات التي حددت موعدها بعد عام على التوقيع.

من المهم أن نُذّكِر أن آخر انتخابات برلمانية جرت في اليمن كانت قبل 14 عاماً، وأن آخر تعديل على سجلات الناخبين كان قبل الانتخابات الرئاسية 2006م، أي تقريباً قبل 11 عاماً، بمعنى آخر فإن المواطن اليمني الذي يبلغ من العمر 30 عاماً بحلول موعد الانتخابات المفترضة في الاتفاق لن يحق له المشاركة في الانتخابات نظراً لأنه غير مقيَّد في سجلات الناخبين، وهؤلاء يتجاوزون نصف عدد المواطنين الذين يحق لهم المشاركة، كما أن نسبة كبيرة من الناخبين وفق السجل الحالي قد توفاهم الأجل خلال الـ 12 عام منذ قيدهم في السجلات وحتى الانتخابات التي اقترحها كيري، ناهيك عن اشكاليات التزوير التي حدثت في السجل في عهد المخلوع صالح والتي أدت إلى خلافات حادة مع أحزاب المعارضة حالت دون إجراء انتخابات برلمانية حتى الآن كان مقرراً لها في 2007م.

إذاً فانقلاب الحوثيون القادم سيكون بعد عام من بدء سريان اتفاق كيري (حسب الاتفاق ذاته) إذ كيف سيتعامل الفرقاء الذين تملأ أرضية الشراكة بينهم في الحكومة الكثير من الدماء مع حلول موعد الانتخابات المفترضة التي يصعب انجازها؟

دعونا نعود للخلف قليلاً، لماذا انقلب المخلوع والحوثيون على سلطة الرئيس هادي؟ الإجابة التي ستنط في ذهن أي يمني هي: كي لا يقر مشروع الدستور المنجز وتبدأ اجراءات قيد الناخبين استعداداً للاستفتاء عليه واجراء انتخابات برلمانية ورئاسية جديدة.

ولماذا لا يريد الحوثيون والمخلوع اجراء استفتاء على الدستور أو عقد انتخابات؟؟ لأن عودة حكم مستبد مجرب خلا 3 عقود أو صعود سلاسة عنصرية للسلطة أمر مستبعد حدوثه عبر عملية ديمقراطية.

عملياً أسقط الحوثيون حكومة محمد سالم باسندوة بعد اجتياح صنعاء مباشرة، وأسقطوا بعدها بأقل من 4 أشهر حكومة خالد بحاح التي كانت نتاج الاتفاق الموقع معهم جراء اجتياح صنعاء وبعض المحافظات، نعم حكومتين في غضون أقل من 4 أشهر.

نحن نتحدث الآن عن عامل واحد فقط يهدد خطة كيري من داخل الخطة ذاتها، بعيداً عن العوامل الأخرى التي تنسف مشروعه الهش، وأهم هذه العوامل الشرخ الاجتماعي الكبير الذي أحدثته حروب الانقلابيين في كل محافظات اليمن، وحجم المآسي التي لن تزول بمجرد خطة نرجسية متأخرة وضعها كيري ليدفع عن نفسه الاتهام بالفشل في إدارة وزارة خارجية بلده.

من المُسَلَّم به أن اليمنيين لن يتجاوزا الجرائم التي ارتكبها الحوثيون والمخلوع بحقهم، إلا عبر أدوات عدالة انتقالية حقيقية تجْبُر ضرر الضحايا ولا تكافئ المجرم، فما حدث في اليمن بالانقلاب يشبه السطو على مبنى واحتجاز رهائن، فيما خطة كيري تشبه تسليم الشرطة بالأمر الواقع والتفاوض مع الخاطفين بتمليكهم المبنى مع الرهائن الموجودين فيه.

كل ما علينا الآن الاستعداد للحرب الثانية بين الشرعية والانقلاب، سواء أكان لواء الشرعية بيد الرئيس هادي أو أي شخص آخر سيعينه هو إذا ما اضطر للقبول بالخطة الكارثة التي تأتي متزامنة مع الانكسار العسكري للانقلاب.

  • كاتب صحفي يمني
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص