بعد عامين من الحرب الأهلية... هل انتهى مشروع إيران في اليمن؟

أخطأت إيران حينما سعت على تأسيس كيان عسكري لا سياسي في اليمن يوازي كيانها العسكري في لبنان باعتمادها على معطيات رأت أنها متشابهة أو متقاربة إلى حد كبير بين اليمن ولبنان يمكن إيجاز تلك المعطيات في عاملين هما:
العامل الأول: إن حربا أهلية في اليمن في طريقها للاندلاع تتشابه مع تلك الحرب التي عاشتها لبنان منذ منتصف سبعينيات مع ثمانينيات القرن الماضي،.
في ضوء هذا الاستقراء بذلت إيران جهودا كبيرة لدعم الحوثي وجماعته للإسراع بتأسيس كيان عسكري ليكون نسخة طبق الأصل من نسخة (حزب الله) هو (أنصار الله).
العامل الثاني: إن السعودية ليس بعيدا أن تتدخل في اليمن مثلما تدخلت إسرائيل في لبنان في مطلع الثمانينيات، وإذا ما حدث ذلك فإنه في تقدير إيران يجب أيجاد ذراع لها تستطيع عبرها تهديد أمن السعودية، وتقوية نفوذها في المنطقة على حساب شل فاعلية أي تحرك سعودي ضدها، ولتضمن قوة ذلك الذراع لم يتوقف دعمها اللوجستي عند مستوى دعم (جماعة أنصار الله) فحسب، بل وضعت إيران استراتيجية لتقوية هذه الجماعة تقوم على توسعة قاعدتها الجماهيرية بمناصرين وولاءات من أوساط الشوافع (سأتي على تفصيل ذلك لاحقاً).
انطلاقا من العامل الأول سنجد أنه قد غاب عن إيران انتفاء وجهي الشبه بين تأسيس وظهور الكيانين العسكرييين التابعين لها... لماذا؟.
لأن حزب الله الذي تقدم له دعما لوجستيا ولد رسميا في غمار الحرب الأهلية اللبنانية وأثناء العدوان الإسرائيلي على بيروت بهدف مقاومة العدوان وتحرير الجنوب اللبناني بينما أنصار الله ظهروا كإطار عسكري معلن ليس في غمار حرب أهلية كلبنان وإنما بعد أن خاضوا ستة حروب بعدوان من النظام السياسي الحاكم لا كعدوان احتلال.
كما أن هذه الجماعة لكي تتشابه صورت كيانها العسكري بـ (حزب الله)، وتأكيدا منها على واحدية النهج والغاية والمسار انتجت شعار الصرخة وهو شعار يبرهن أن ليس ثمة مشروع سيا سياسي ولا اقتصادي يتقدمون به للوطن والناس، بل أن مضمونه لا يمت بأدنى صلة لأي استحقاق وطني بقدر ما يؤكد على مدى الإخلاص لعلاقتهم بصنوهم في لبنان، والاستتباع الكامل لزعيمهم المرشد في قم.
بل إن ما يدلل على غباء واضعبه ومردديه أن المرشد العام للثورة في أيران لا يتجرأ هو نفسه على ترديده في أي خطاب له، كما لم نسمع أي مسئول إيراني يردده في حوار ما أو يصرح به لوسيلة إعلامية ما.
وانطلاقا من العامل الثاني الذي وعدت بتفصيله أنفاً أكرر أن إيران وضعت استراتيجية لتقوية هذه الجماعة تقوم على توسعة قاعدتها الجماهيرية باليمن عبر مناصرين وولاءات خاصة بين أوساط الشوافع.
ذلك صحيح فقد استهدفت أغلب الأسر الهاشمية، وأبناء السادة في معظم مناطق اليمن، وركزت كثيرا على أولئك الذين تضرروا ـــــ من أبناء الشوافع ـــــ على مدى سنوات طويلة من استحواذ حلفاء السعودية كـ (المشايخ، ورجال الدين، والقادة العسكريين) ومعظمهم من القبائل على الحكم في اليمن، وسيطرتهم وهيمنتهم على المصالح والامتيازات المتعددة وإقصاءهم لغيرهم.
وحدثت عملية استقطاب واسعة من قبل إيران لكثيرين ممن كانوا يرون في السعودية واحدا من الأسباب القوية غير المباشرة في حرمانهم من حقوقهم الوطنية والسياسية عبر دعمها للقوى المسيطرة على نظام الحكم باليمن.
شرعت إيران بعملية الاستقطاب في مدة قياسية لعدد كبير من تلك الشخصيات التي عانت غبن الاجحاف والاقصاء والظلم.
شخصيات اجتماعية طموحة لحياة مرموقة خاصة أكثر مما هو طموح وطني صرف... شخصيات تتسم بالحقد الأيديولوجي اللامنظم على الاختلاف الأيديولوجي المنظم فتجدها غير مستعدة للوثوق بحزب الإصلاح مثلاً بحق وبغير حق حتى اعمت الكراهية عقول أولئك الأشخاص ودمر الحقد بصيرتهم.
شخصيات غير مستوعبة طبيعة التطورات والمتغيرات في مضامين العلاقات والمصالح الدولية المختلفة أفضت في مضامينها إلى أن النظام السعودي اليوم يجب أن يكون على غير الذي كانت سياساته ما قبل الربيع العربي.
إن هؤلاء التواقين للتغيير لم يكونوا في ذواتهم يتوقون للتغيير من أجل التغيير، وإنما من أجل أنفسهم وغرائزهم النفعية.
هؤلاء اللامستعدين لفهم أن سعودية الأمس لن تكون بالضرورة هي ذاتها سعودية اليوم تبعا لمنطق التغيير!!!.
هؤلاء كانوا هم الصيد الذي اصطادته إيران من أبناء السنة ليكونوا أعوانا ومناصرين لكيان أنصار الله.
وقد استدعتهم لحضور كثير من المؤتمرات وورش العمل والندوات والمناقشات المختلفة في طهران، ومدن أخرى، ولتزيد من التأثير عليهم كانت تقدم على تعريفهم بمصانعها وجامعاتها ومظاهر نهضتها القادمة واستعداداتها لمجابهة أي تهديد ضدهِا وكأنها تبين لهم أن دول الخليج ليست مثلها، وأنها لا تعيش سوى على ثرواتها النفطية القابلة للنفاد.
وغالبا ما كنا نجد الذين تسنح الظروف بالجلوس إليهم ممن عادوا من إيران يعقدون المقارنات ويمجدون ما وصلت إليه إيران ويتمنون بكل الصفاقة المخزية أن لو تنقل تجربتها لليمن، متجاهلين أن اليمن لا يمكن له بأي حال من الأحوال استنساخ أيا من نماذج الحكم الخليجية والإيرانية.
هؤلاء المبهورين بوهم حضارة ولاية الفقيه، وبمبالغه المغرية، وأحقادهم الأيديولوجية، وبلادتهم الاستقرائية، وغير ذلك كثير لاريب أنهم قد ذهبوا يساعدوا على فتح محاضن اجتماعية أو شعبية جديدة لكيان أنصار الله خارج دائرته الاجتماعية المعروفة تاريخيا بشمال شمال اليمن .
وهو ما تحقق على الأرض فعندما احتشد أنصار الله لدخول صنعاء كان أولئك المستقطبين من الأنصار والمواليين من مختلف محافظات الجمهورية يسابقون أنصار الله في تقدم الصفوف.
وحينما كانت ميلشيات أنصار الله مع قوات صالح تتحالف متوحدة، وتحشد جحافلها لإحراق الحياة بقايا في عدن وتعز وسائر أرض اليمن تحت يافطة محاربة الدواعش، وقبل أن تتدخل دول التحالف العربي كان أولئك المستقطبين من الأنصار والمواليين يطلبون من تعز. الحيادية والصمت وأن تبقى معبرا وممرا ومحطة لتزويد ودعم وتغذية الجرائم التي سترتكب في عدن والضالع .... وغيرهما.
وحينما التفتت ميلشيات أنصار الله مع قوات صالح لتأديب ليس المقاومة التي تكونت سريعا في تعز لإعاقة نزولها للجنوب، وإنما لتدمير المدينة، وقتل أهلها بكل ما في أشكال الإجرام من فراطة البشاعة كان أولئك المستقطبين من الأنصار والمواليين يتداولون المهام إما حاملين للسلاح في صفوف كتائب الموت والخراب القادمة من صنعاء وصعدة ضد أهاليهم في تعز وعدن .... وغيرهما من المناطق التي جرت فيها المعارك، وإما يبررون لتلك الجرائم تارة بأنها نتاج لخطأ ظهور مقاومة في تعز، وتارة من أن تلك المقاومة يقودها الإصلاح وتناسوا أن المقاومة فيها كافة مكونات الشعب في تعز من الإصلاحي والاشتراكي والناصري، بل أن أكثر عناصرها من المواطنين غير المنتمين للإحزاب من الشباب والعمال والفلاحين والموظفين ........وتارة يتناسون كل جرائم العدوان اليمني ضد اليمني بإثارة مواضيع ومصطلحات كالعدوان السعودي الذي لم يك عدوانا البتة لكونه كان نتيجة لسبب وليس سببا للنتيجة.
السبب يكمن فيمن بدأ وليس فيمن جاء بعد .... جيش صالح وميلشيات الحوثي بدأت بالحرب، والتحالف العربي جاء نتاج لهذه البداية.
انقضت سنتان على بداية الحرب ومازال الذين وقفوا إلى جانب الشرعية يدعمونها وقليلا الذين تغيرت قناعاتهم ودعمهم المليشيات الانقلابية فانضموا للشرعية.
سنتان من عمر الحرب ... يا ترى كم تحررت من المحافظات؟.
من يقول أن 85 % تحررت غير دقيق.
لأن العبرة ليست بالمساحة وإنما بقدرة الحكومة الشرعية على ادارة شئوونها فوق أي مساحة.
حتى هذه اللحظة الحكومة عاجزة عن إدارة أي جزء تحرر إدارة كاملة.
الأمر الذي ازاءه هنا ادعو الشرعية ممثلة برئيس الجمهورية ورئيس الحكومة على ضرورة الإسراع ببث حضور الدولة فوق كل شبر تحرر قضائيا وأمنيا واداريا نفقاة وايرادا.
أي تباطئ بعودة الدولة يضعنا ويضعها في مواقف خطيرة جدا إذ يصعب على الدولة عودتها بل قد يعيد تغيير كثيير من قناعات الناس بشأن دعمها للشرعية.
على دول التحالف أن تدرك ذلك ومن أن الخطر الإيراني ما زال قائما مادام أنصارها في اليمن يعملون دونما يمسهم أي لغوب أو تعب.
أستطيع القول: إنه بعد عامين من الحرب الأهلية صار جدوى حسمها أفضل كثيرا من الابطاء فيها.

 

إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص