"الجنوبية" تضعنا في مأزق ..

الجنوبية كمفردة في قاموس تداولنا المحلي تحمل ثلاث مستويات مفاهيمية. المستوى الطبيعي الأول للمفردة هو مدلولها (كهوية) تحدد الانتماء للكيان الجنوبي. المستوى الثاني يظهر عند تبني أدبيات الحراك الجنوبي فهذا الموقف (السياسي) يُتداول بالجنوبية. ثم يأتي المستوى البراق الثالث حيث الجنوبية نقيض اليمنية (ثقافياً) من جهة اختزالها لقيم الدولة، المدنية، النظام و القانون.

الإشكالية هي في ضغط المستويات الثلاث و تقديمها كمسلمات يحقق بعضها بعضاً. فالجنوبي بالهوية هو ممثل عام للقضية و المتحمس للقضية هو نزيه إدارياً و كُفء و هذه العلاقات الغير منطقية تعيد ترتيب نفسها بمرونة و كفاءة غير اعتيادية في عقلية الشارع اليوم. و الناس تتيه على الواقع في تحديد موقفها من ممارسات جنوبييّ السلطة لكل هذا الاشتباك.

لنستوعب أن الجنوبية هي انتماء لكيان تاريخي يُعرف بشعب الجنوب و هو أمر لا يختاره المرء. بالتالي أن تختار تبنيّ قضية هذا الشعب أو لا تفعل لا يجعلك أكثر أو أقل جنوبية، كما لا يعطيك تاريخ مواقفك و معاركك الحق في تمثيل بقية الجنوب أو قضيته دون اعتبار لكامل من يشاركونك هذا الانتماء. و أخيراً و هو الأهم، فالثقافة الجنوبية ليست ماضٍ يُحفظ في ثلاجة التاريخ يسهل استرداده. هي كل ما شكلنا، يشكلنا الآن و سيشكلنا من عوامل سواءً اخترناها أم لم نفعل. عوامل إن لم ندرك مسؤوليتنا تجاهها فنحن نختار ملء الإرادة العيش في دور الضحية، و نُزيف الواقع عند القول بأن الجنوبي فاضل شوهته بالإكراه اليمننة.

الآن، نحتاج بصورة عاجلة لجراحة اصطلاحية تفصل كل هذه الأحكام المسبقة بالفضيلة و الحقوق الحصرية عن "الجنوبي". لنفسح للموضوعية المجال عند تقييم ممارسات كل من يستمد شرعية سلطته علينا أو تمثيله لقضيتنا من "جنوبيته". و لننقذ شعباً لازال يعتقد أنها الجنوبية بمفعول كالسحر في الوقاية من موبقات الزمان و تحقيق المعجزات.

إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص