خرافة خطر اﻹخوان المسلمين لمصلحة لمن؟!


بداية أود تذكير من كان له قلبا أو يلقي سمعه للإصغاء، فيشهد على ما أرجوه في هذه العجالة بهذا المقال المقتضب من أنه صحيح.
وقبل الولوج لجوهر عنوان المقال الذي تقرأه أود التذكير بعنوان شبيه في مضمونه مختلف في اسمه شاع في ثمانينيات القرن المنصرم في قليل من البلدان العربية.
العنوان كان لكتاب مترجم من اللغة الروسية للعربية اقتنيته عند قيام دولة الوحدة من معرض الكتاب عام 1990 ، وبقي الكتاب بحوزتي بضع سنوات، وفقدته، ويحتمل أن يكون الكتاب لا يزال موجودا لدى بعض من يؤرشف ويحتفظ بكتبه.
الكتاب عنوانه "خرافة الخطر السوفيتي لمصلحة من؟".
لم أعد أتذكر أسم مؤلفه ولا دار ترجمته وتاريخ طباعته ونشره عربيا لكنني متأكدا من صحة عنوانه.
طبعا الكتاب كان ممنوعا تسويقه في أي بلد عربي عدا اليمن الجنوبي ولبنان، وان وجد لدى مثقف عربي فعن طريق تهريبه إليه أو من طالب عاد من دراسته بالاتحاد السوفيتي.
ذلك الكتاب وأنا اتذكره اﻷن لا أجد أيا مبرر يستدعي حظره عن النشر والتسويق في بلادنا العربية إلا ﻷن دوائر الاستخبارات العالمية التابعة للمنظومة الرأسمالية الغربية خافت من افتضاحها أمام شعوبها، وعالميا من أنها تكذب في أن هنالك خطرا قادما من الاتحاد السوفيتي يهددها بشبح حربا كونية ثالثة.
كان الكتاب يفند مقولات الخطر القادم من الشرق السوفيتي ويصفها بالوعي الخرافي عبر الاجابة على سؤال:"خرافة الخطر السوفيتي لمصلحة من؟
يعني من المستفيد من تصوير السوفييت كخطر؟
وأثبت الكتاب بالحقائق أن ما تشنه دوائر الاستخبارات من تضليل لوعي الشعوب وتخويف ليس سوى خرافة.
اثبات بطلان هذه الخرافة هي ما جعلت الكتاب يمنع نشره في البلدان ليس الغربية فحسب وإنما في البلدان العربية المسبحة بقدسيتها وفي مقدمتها حينها دول الخليج العربي، المغرب وتونس ومصر والأردن.
وكان المضحك أن حظر الكتاب بالدول العربية من أن يصل لمتناول الناس ليس إلا ﻷنه صادر عن السوفييت، وكان أي كتاب يصدر منه فهو كاتب ينطوي على كفر وإلحاد.
اتذكر شخصا قرأ عنوانه عندما كان معي أنه قال لي"" ما حاجتك لكتب هؤلاء الملحدين""، ومكث ينصحني عن أنهم يشيعون الالحاد والكفر ويحاربون الله ورسوله.... الخ.
قلت له الكتاب سياسي وفيه حقائق ورسائل سياسية في منتهى اﻷهمية.
ومع ذلك لم يقتنع وطلب مني إحراق أي كتاب يأتي من موسكو.
بعد انهيار الاتحاد السوفيتي، وبدأ تخبط المنظومة الرأسمالية الكولونيالية (الاستعمارية) لضرورة إيجاد عدو كبير بديل عن النجمة الحمراء أدركت أن ذاك الكتاب كان أشبه برسالة للعالم وفي المقدمة منها دول وشعوب الشرق اﻷوسط يحذرها من أن دعمها للولايات المتحدة الأمريكية وحلفاءها في اسقاط منظومة الاتحاد السوفيتي سيكون مكلفا لها حيث سيفقد العالم توازنه فاستقراره الكامل.
انفرطت بضع ثلاثة عقود بعد الحرب العالمية الثانية لم تستطع الرأسمالية الانتصار على السوفييت، وكان لابد من الاستعانة بقوة ايديولوجية تساعدها في عملية الاجهاز على المعسكر الشرقي. للأسف الشديد لم ينتبه اﻹخوان المسلمين حينها للاستدراج الغربي لهم في هكذا مهمة، وتم الاعتماد عليهم عسكريا وفكريا.
عسكريا في الالتحاق بمعسكرات التجنيد والسفر لأفغانستان للجهاد، وفكريا بحشد المؤلفات الكبيرة والصغيرة ووسائل الاعلام للتوعية بالخطر السوفيتي الى حد لم يكتب أي شيء حينها بشأن الغرب الرأسمالي وبشاعته أو ينتبه لخطورته.
انهارت المنظومة السوفياتية وحلفاءها في اوروبا الشرقية وبسقوط جدار برلين الذي يؤرخ لسقوط اﻷنظمة الاشتراكية بدأ تاريخ نظرية نهاية العالم بحسب ميشيل فوكوياما التي قصد بها تاريخ القطب الواحد الذي يسيطر ويهيمن ويؤثر على كل العالم ويتحكم بمصيره.
على مدى 27 عاما من انهيار جدار برلين، وتراكمات التطورات على مختلف اﻷطر واﻷصعدة والمستويات في عالمنا العربي، وعالميا بات جليا المشهد من أن المنظومة الرأسمالية وفي مقدمتها الولايات المتحدة الأمريكية وبعض دول أوروبا الغربية لم تألوا جهدا من ايجاد العدو البديل المقنع لشعوبها من أنه أخطر من النجمة الحمراء إنه الراية السوداء أو الخضراء.
لقد أثبتت معطيات أكثر من ربع قرن أن اﻹخوان المسلمين هم العدو البديل المقنع لشعوب الرأسمالية المتوحشة.
ولكن ﻷن الأخوان المسلمين كانوا الى حد ما يتقوا أن يكونوا هم العدو البديل في المستقبل فأخذوا يقتربوا أكثر من العمل السياسي المنظم والانخراط في العمليات السياسية على نحو يقر بالديمقراطية والمشاركة السياسية.
نعم استطاع الأخوان المسلمين تأجيل أن يكونوا العدو البديل ولكنهم لم يستطيعوا تجنب أن يكونوا هم العدو اﻷول البديل للرأسمالية الغربية.
لا أستطيع الجزم أنهم كانوا يستطيعون تجنب أن يكونوا كما هم اليوم في الوعي الغربي بل وحتى الوعي العربي رغم التطور الكبير في بنية الوعي السياسي لدى جماعات الأخوان المسلمين في العالم العربي تطورا فكريا وسياسيا ومدنيا.
في تقديري أنه مثلما نجح الاعلام الغربي في تصوير الأتحاد السوفيتي في ثمانينات القرن المنصرم من أنه خطر خرافي يهدد الكون، نجح الى حد غير كبير في تصوير اﻹخوان المسلمين على أنهم خطر خرافي يهدد العالم.
ويبقى السؤال الذي يجب الإجابة عليه اجابة شافية كافية هو من المستفيد من تصوير الاخوان المسلمين كخطر خرافي يقلق الامن في المنطقة والعالم؟
لا نريد من الأخوان الاجابة على السؤال اجابات تقنع الأخوان أنفسهم ومواليهم في كافة البدان التي تتواجد أحزابهم فيها وإن بمسميات أخرى من أن ذلك الاستهداف أو هذه الحملة المنظمة عالميا وعربيا ضدهم انما هي حرب أصلا تستهدف الاسلام.
يستطيع الأخوان تجنب الخطة الممنهجة ضدهم بتحديد مواقف واضحة ومعلنة من كافة الحركات الارهابية في العالم العربي من داعش والقاعدة وغيرها.
ومن خلال اعلانها موقفها المطمئن لمفردات الدولة المدنية القائمى على المعايير في نصوص الوثائق والمعاهدات والبيانات الدولية المعلنة بأدبيات الأمم المتحدة.
مواقف من هذه القضايا ستكسب الاخوان تعاضدا وتآزرا من الاطراف السياسية في بلدانها ﻷنها أي تلك الأطراف سترفض أن 
تتحول مجتمعاتها الى خرائب بسبب خرافة الخطر الاخواني القادم.
دون هكذا مواقف سريعة يجب أن تسارع الأحزاب الإسلامية في عالمنا العربي فإنها ستقع ضحية المخطط الذي سبق وأن وقعت فيه الأتحاد السوفيتي مع فارق أن اﻷخير كان دولة تقف على سدس مساحة العالم ناهيك عن حلفائه، بينا الأخوان المسلمين ليسوا سوى جماعات وأحزاب قد تكون كبيرة في بلدانها لكن كبرها لن يغنيها في شيء.

إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص