تعز ..محاكمة الجغرافيا

المشادات الكلامية الاخيرة حول تعز أخذت شكل محاكمة الجغرافيا ما بين الادانة والتمجيد للمدينة دون أخذ سياق ما جرى فيها ضمن ظروفه السياسية والاجتماعية المختلفة، فالمدينة التي انحازت لمقاومة الحوثي كان لهذا الانحياز اسبابه ، فالمدينة تمتاز بالتسيس العالي لابنائها ضمن سياق مختلف عن غيره باليمن بسبب موقعها الذي جعلها منفتحة للتأثر والتأثير في صنعاء وعدن، وكذلك تاريخيا كانت تعز تحضر كعاصمة لليمن مثلما حصل في عهد الرسوليين او كعاصمة بديلة وان كان بشكل غير معلن لصنعاء مثلما حصل في مرحلة ما من حكم العثمانيين وكذلك عهد الامام احمد، مما خلق فيها حالة من التنافسية السياسية الندية لصنعاء


المحبط في النقاش الذي دار ليس فقط مناطقيته الصريحة او المبطنة بل ايضا انحياز بعض ما يفترض إنهم مثقفين مثل دكاترة جامعة وكتاب وناشطين لخيار الاستبداد بل وتمجيده ، فتعز الان في نظرهم تدفع ثمن مقاومتها بالحصار والاقتتال الداخلي والدمار بعكس النماذج "العظيمة" التي استسلمت للاستبداد مثل إب والحديدة وصنعاء ،إب حيث تفجير المنازل والمساجد وسحل الخصوم او الحديدة حيث المجاعة والبؤس رغم كل الإيرادات الضخمة او ربما صنعاء الغارقة في الكوليرا والفقر ، ياللعظمة
اذن خيار السلم حسب رأي مثقفينا يعني تسليم السلطة لأبشع انواع الاستبداد بأدوات لا تكتفي فقط بالترهيب بل تستخدم التجويع والتجهيل كأدوات أساسية اخرى


بالطبع يدرك تماما هؤلاء حتى لو ادعوا بغير ذلك انه لا مجال للمقاومة السلمية في وسط هذا القمع الرهيب والعزلة الكاملة عن العالم، ويدركون كذلك ان اليمنيين صاروا مجبرين على المفاضلة بين الاستبداد البشع والفوضى، وهم بهجومهم على فكرة المقاومة بتعز انحازوا لخيار الاستبداد وليس تجريم من وضع اليمنيين ضمن هذين الخيارين

.
خيار المقاومة هو حق للناس في منع جريمة الاستبداد بكل ما يعنيه من امتهان لكرامتهم وتدمير لحياتهم، وان ينتج عن المقاومة فوضى فهذا نتاج الاستبداد وغياب الوعي والفاعلية لدى المثقفين والسياسة، وليس نتاج فعل المقاومة الذي يعد خيارا لا غبار عليه اخلاقيا وسياسيا، لأنه ينحاز لفعل الناس وضميرهم اكثر من خيار الاستسلام دون مقاومة. وبالتأكيد من قاوم الاستبداد اقدر ممن استسلموا لمقاومة خيار الفوضى.
لا ينقص المثقف اليمني سوى الدعوة للمستبد بطول العمر والصحة ويتمنى له توريثا سعيدا حتى لا يصدم بحقائق الارض ولا يرى فوضى الاقتتال أمامه، أما حديث العدمية السياسية بالقول ان كلهم ميلشيات ومسلحين في ظل غياب الدولة فهو مثالية زائفة او ادعاء ساذج في احسن الحالات


انحاز لخيار المقاومة في تعز رغم اني من إب مع وعي كامل لسياق ماجري في المدينتين، تظل المسالة في نظري خيار سياسي وأخلاقي واعي كما ان انتمائي لهذه المدينة أو تلك البلد هي مسالة هامشية جدا ضمن انتماءاتي المتعددة التي يظل أهمها انتمائي للإنسانية، وخيار المقاومة هو انحياز كامل لإنسانيتي وفِي حالة اليمن بالذات هي طريق وحيد للحفاظ على إنسانيتي من تشوه الوعي وتمجيد الظلم ، المقاومة بكل اشكالها سواء كانت سلمية او مسلحة وضد كل أشكال الاستبداد والوصاية الداخلية والخارجية.

إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص