الناصريون في اليمن

 للحركة الناصرية ذات التوجه القومي في اليمن تاريخ، ولها بصمات قوية في الوجدان الشعبي اليمني، فبعد قيام ثورة 26 سبتمبر/ أيلول عام 1962، ودعم مصر عبد الناصر هذه الثورة، تشكلت تنظيمات سياسية عديدة ذات بعد القومي واليساري، وكانت هي الغالبة على المشهد، سياسياً وعسكرياً في عهد الجمهورية اﻷ‌ولى، عهد الرئيس عبدالله السﻼ‌ل.

بعد اﻻ‌نقلاب على السﻼ‌ل، تمّ تصفية بعض من القيادات العسكرية المحسوبة على التيار القومي، ومنهم الشهيد، قائد لواء الصاعقة، عبد الرقيب عبدالوهاب، الذي كان بطل فك الحصار عن صنعاء عندما حاصرها الملكيون فترة وجيزة.

عهد إبراهيم الحمدي، كان ذروة التألق للحركة الناصرية في اليمن، فقد عهد الرئيس إلى رجاﻻ‌ت الحركة غالبية المناصب الوزارية ذات اﻻ‌حتكاك المباشر بالشعب، وقد شكل معهم فريقا واحدا، همّه تحسين الوضع المعيشي للشعب وإقامة مشاريع البنية التحتية لليمن، كما أنّ السعي الحثيث لتوحيد اليمن كان من أولوياته الكبرى.

في هذه الفترة، كان جنوب اليمن يحظى أيضاً برئيس يساري ذي شعبية كبيرة هناك، والتقارب بين الرئيسين كان يسرّع من إمكانية تحقيق الوحدة اليمنية في تلك الفترة، لكن دسائس ومؤامرات كبرى كانت تحاك ضد الرئيس الحمدي، وضد رموز الحركة الناصرية، فكانت حادثة اﻻ‌غتيال اﻷ‌بشع في العالم، والتي تم التخطيط لها من سفارة دولة مجاورة لليمن، وبإشراف ملحقها العسكري في صنعاء، وبتنفيذ علي عبدالله صالح الذي استولى على السلطة بعد ذلك بفترة، ومن ثم استمرت عملية تصفية كوادر الحركة الناصرية في الجيش بمؤامرات أقل ما يمكن أن توصف بها أنها مؤامرات قذرة من القادة العسكريين الذين تم تصفيتهم، علي قناف زهرة وعبدالله عبدالعالم وغيرهم.

بعد اغتيال الرئيس الحمدي، تمت تصفية الرئيس أحمد حسين الغشمي الذي كان شريكاً مباشراً لعلي صالح في عملية اغتيال الحمدي وشقيقه الذي كان يتولى منصباً رفيعاً في الجيش، ومن ثم توفرت الظروف لكي يستولي على السلطة علي صالح الذي أكمل مسيرة القضاء على كوادر هذه الحركة، ومنها تصفية الشهيد عيسى محمد سيف، زعيم الحركة الناصرية في اليمن، والشهيد عبدالسلام غالب وحوالي 14 قيادياً آخرين، تمّ إعدامهم بمبرّر أنه كان لديهم مخططا للانقلاب على سلطة علي صالح اﻻ‌ستبدادية الفاسدة.

قام صالح بعد ذلك بتقسيم الحركة الناصرية، عبر شراء محسوبين عليها، وأغدق عليهم اﻷ‌موال، ليقوموا بعد ذلك بتشكيل تكوينات تحمل اسم الناصرية، وهي تقوم بخدمة النظام، منها الحزب العربي الديمقراطي الناصري الذي كان يقوده عبده الجندي الذي عينه اﻻ‌نقلابيون اﻵ‌ن محافظا لتعز.

وكذلك تنظيم التصحيح الشعبي الناصري الذي يقوده الشيخ مجاهد القهالي، والذي يقف اﻵ‌ن مع اﻻ‌نقﻼ‌ب. إﻻ‌ أنّ الناصريين ظل لهم كيان لم يستطع النظام تفتيته، وهو التنظيم الوحدوي الشعبي الناصري، والذي يتولى منصب اﻷ‌مين العام فيه المحامي الكبير عبدالله نعمان.

منذ اانقلاب الحوثي وصالح على الشرعية في اليمن، ظهر التنظيم الناصري بقوة في وجه اﻻ‌نقلاب، حتى أنه تجاوز اﻷ‌حزاب الكبيرة ذات الثقل الشعبي، مثل حزب اﻹ‌صﻼ‌ح ذي التوجه اﻹ‌سﻼ‌مي والحزب اﻻ‌شتراكي ذي التوجه اليساري، وعبر ممثليه في مؤتمر الحوار كان الوجود الفاعل، وكذلك في نقاشات ما قبل اﻻ‌نقﻼ‌ب، كان التنظيم الناصري وأمينه العام يقفان بقوة ضد مشاريع الجماعة الحوثية ومن ضمنها اتفاق السلم والشراكة الذي سعى الحوثيون من خلاله للسيطرة على السلطة وبمشاركة شكلية من القوى السياسية اﻷ‌خرى.

في حكومة الكفاءات كان نصيب الناصريين ثلاث حقائب وزارية، وهي الخارجية واﻹ‌دارة المحلية والشباب والرياضة، وكان هناك نجاح ملحوظ جعل من هذه القيادات تستمر في مناصبها بعد اﻻ‌نقلاب، وخصوصاً وزارة الخارجية ووزارة اﻹ‌دارة المحلية.

أخيرا، بدأت أطراف تهاجم وتنتقص من الدور الذي يلعبه الناصريون في اليمن، وبعضها وصل به اﻷ‌مر إلى حد تكفيرهم، وهو ما قام به أحد خطباء الجمعة في أحد مساجد تعز الشهيرة، وذلك كله على خلفية القوة المتزايدة للناصريين على اﻷ‌رض، و كذلك للعلاقة الطيبة والمتميزة التي تجمع الناصريين بكتائب أبو العباس، ذات التوجه السلفي، والمدعومة إماراتياً كما يقول خصوم الناصريين.

وللأمانة، فإنّ الكوادر الناصرية في وزارة اﻹ‌دارة المحلية مثلا لم تسخر عمل الوزارة في خدمة التنظيم وترويجه، لجنة اﻻ‌غاثة في تعز هي لجنة إشرافية وتقوم بتسليم كميات اﻹ‌غاثة لمنظمات مجتمع مدني معظمها تقودها كوادر تنتمي لحزب اﻹ‌صلاح، وذلك يُحسب للناصريين وكوادرهم التي نعتقد أنها حققت شيء من النجاح في زمن يقلُ فيه الناجحون في مناصب الدولة.

حملات محمومة هنا وهناك، ليس لها من هدف سوى التقليل من هذا النجاح، بل وتشويه التنظيم الناصري تحت يافطة السياسة اﻹ‌ماراتية في اليمن، وأنّ التنظيم الناصري هو أحد أذرعها، وهذا ما يتنافى مع سياسة التنظيم الوحدوي الناصري. ولعل أخطر وأبشع مايتعرض له التنظيم حالياً هو حملات التكفير ضده وضد كوادره، وهي السياسة نفسها التي من خﻼ‌لها تم إقصاء وإعلان الحرب على الحزب اﻻ‌شتراكي اليمني في تسعينيات القرن الماضي.

إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص