الحرائق تلتهم أكثر من 5000 هكتار من غابة بني صالح المحمية من اليونيسكو

 
 

تسعة أيام كاملة من اشتعال النيران وامتداد لهيبها على طول خط النار بين ولايتي الطارف وقالمة، وتحديدا بغابة جبل بني صالح، أقصى الجهة الشرقية لإقليم ولاية قالمة، كانت كافية لتحويل المنطقة الغابية الخضراء إلى حطام أسود تنبعث منه رائحة الدخان، في مشهد بائس يؤكد حجم الكارثة التي حلّت بولاية قالمة، على مدار الأيام الماضية، والتي ستستمر تداعياتها لعدّة عقود من الزمن، حتى تنبت الأشجار من جديد.

اندلاع سلسلة من الحرائق والحماية المدنية ترفع حالة الاستنفار لكل وحداتها

تزامنا مع الارتفاع القياسي للحرارة الذي شهدته ولاية قالمة، منتصف الأسبوع الماضي، والذي استقر فيه مقياس درجات عند عتبة الـ55 درجة مئوية، ما دفع بمصالح الحماية المدنية إلى تشكيل خلية لمتابعة الوضع تحسبا لأي طارئ، أو حدث قد يتسبب فيه ارتفاع درجات الحرارة إلى أعلى مستوياتها، لكن خلية المتابعة سرعان ما تحولت إلى خلية أزمة بعد اندلاع سلسلة من الحرائق في مناطق متفرقة من إقليم الولاية تزامنا مع بعضها البعض، حيث وجد رجال الإطفاء عبر كل وحدات التدخل للحماية المدنية أنفسهم في مجابهة تلك الحرائق، التي تم التحكم فيها بشق الأنفس، بعد ساعات من التدخل، في ظروف طبيعية صعبة للغاية، وعلى الرغم من أن كل الحرائق التي اندلعت وقتها تم إخمادها والتحكم فيها، إلاّ أن الحرائق المشتعلة بغابات جبل بني صالح، كانت الأكثر تدميرا للغطاء الغابي والنباتي، وانتقلت بسرعة فائقة بين أرجاء الغابة، على عدّة جبهات بسبب الرياح الجنوبية التي زادت من لهيبها، وانتشارها وكذا بسبب صعوبة تضاريس المنطقة الجبلية، التي حالت دون وصول أعوان فرق الإطفاء إلى مواقد النار، التي سرعان ما يزداد لهيبها، وعلى الرغم من أن وحدات الحماية المدنية المدعومة بأعوان محافظة الغابات وبعض وسائل الدعم اللوجيستيكي، التي وفرتها بعض البلديات المعنية بتلك الحرائق إلى جانب بعض المؤسسات العمومية والخاصة وحتى مواطنين، إلاّ أن السيطرة على تلك الحرائق التي أتت على مساحات شاسعة من الغابة، كان ضربا من الخيال في ظلّ الظروف المناخية الصعبة، مما دفع بمصالح الحماية المدنية إلى طلب الدعم والاستنجاد بالرتل المتنقل المتمركز بولاية عنابة، للتدخل ومساعدة فرق الإطفاء في عملية الإخماد. 

 

نهاية أسبوع ملتهبة والنيران تصل المحمية الطبيعية

وصول الرتل المتنقل للحماية المدنية لولاية عنابة للتدخل وأفراد من الجيش الوطني الشعبي إلى المنطقة، لتأمين المنطقة وحماية الخيّم التي وضعتها الجهات المعنية لأفراد فرق الإطفاء، حتى يكونوا بالقرب من مكان اشتعال النيران، لتسهيل عملية التدخل عليهم، كل ذلك لم يجد نفعا امام سرعة انتقال ألسنة اللهب بين أشجار الغابة الكثيفة، مما دفع إلى التخطيط بنشر أعوان الحماية المدنية ومحافظة الغابات وسط حظيرة التسلية التي تجري الأشغال لإنجازها وكذا بين أرجاء المحمية الطبيعية التي تزخر بوجود سلالات وفصائل نادرة من الطيور والحيوانات البرية على غرار الأيل البربري، لمنع وصول ألسنة النيران اليها، لكن سرعة الرياح، أدت إلى انتشار النيران بسرعة وانتقالها من موقد لآخر، ووصلت المحمية الطبيعية، وأتت على مساحات شاسعة من أشجارها النادرة، وفي مشهد مقزز ومبك، حيث تم تسجيل نفوق العشرات من الطيور، بسبب النيران وارتفاع درجات الحرارة، فيما كان الأيل البربري المحاصر بين النيران يحاول الفرار خارج السياج المحيط بالمحمية، قبل أن يقوم أعوان محافظة الغابات بفتح منافذ والسماح له بالفرار باتجاه الغابات المجاورة، بولايتي الطارف وسوق أهراس المتاخمتين على الحدود مع ولاية قالمة، وذكر بعض المختصين في المجال البيئي، أن الأيل البربري قد ينتقل في فضاءات الغابة ويعود إلى مكانه إذا ما توفرت الظروف الطبيعية والمناخية الملائمة، وقد يعبر حتى الحدود إلى غابات تونس المجاورة. فيما انصبت اهتمامات مصالح الحماية المدنية في اليوم الثالث من اشتعال النيران، وقوة لهيبها حول حماية أرواح المواطنين القاطنين بالمنطقة، حيث تم إجلاء العشرات منهم وإخراجهم من مساكنهم، خوفا من وصول النيران إليها، مع مواصلة فرق التدخل في عملية الإطفاء الصعبة في ظلّ الظروف السائدة والتي وقفت عليها الشروق اليومي ميدانيا خلال مرافقتها لمصالح الحماية المدنية خلال عمليات التدخل بغابة جبل بني صالح.

 

كارثة تحلّ بالمحمية الطبيعية وفرق الدعم تصل من الغرب الجزائري

أمام حجم الخسائر المسجلّة وهول الكارثة التي حلّت بكنوز غابة جبل بني صالح وثروتها الطبيعية، واتساع رقعة الحرائق وصعوبة التحكم فيها، اضطرت مصالح الحماية المدنية بقالمة، إلى رفع نداء لطلب الدعم من المديرية العامة، في اليوم الرابع من اشتعال النيران، أين وصلت المنطقة فرق من الحماية المدنية لولايتي باتنة وأم البواقي التي دخل أعوانها مباشرة في عملية الإطفاء، لكن مع مرور الوقت وتزايد شدّة الرياح الجنوبية اضطرت مديرية الحماية المدنية إلى إبلاغ السلطات المركزية بأن النيران لم يخمد لهيبها، ليقرر وزير الداخلية والجماعات المحلية نور الدين بدوي إرسال دعم فرق الأرتال المتواجدة في بعض ولايات الغرب الجزائري، بإمكانياتها للمشاركة في عملية إطفاء النيران المشتعلة على مدار خمسة أيام متتالية بولاية قالمة، ليصل بعدها الرتل المتنقل لولاية غليزان وكذا الرتل المتنقل لولاية تيارت إلى ولاية قالمة، مدعومين بوسائل التدخل والإطفاء، ونقل الأعوان مباشرة إلى موقع اندلاع النيران المهولة، والتي أتت على الأخضر واليابس بغابة جبل بني صالح، والالتحاق بفرق الإطفاء المرابطة في المكان على مدار عدّة أيام، تهاوت أمام أعينها جذور الأشجار التي أكلتها النيران وحولتها إلى هياكل حطام، فيما فرت من الغابة كل الحيوانات حتى تلك المحمية منها والمهددة بالانقراض إلى فضاءات أخرى لم تصلها ألسنة اللهب المتصاعدة في أرجاء الغابة التي كانت رئة حقيقية لولاية قالمة والولايات المجاورة، بل أكثر من ذلك فإن الغابة الخضراء الممتدة على طول الشريط الحدودي بين ولايتي قالمة والطارف، وحتى سوق أهراس، تغير لونها الأخضر وغطاها السواد على مدى امتداد البصر.   

 

مجهولون يقفون وراء اشتعال الحرائق والدرك يحقق

ظلّت تهمة إشعال النيران في الحقول اليابسة والغابات، على مدار عدّة سنوات ملتصقة، بأعقاب السجائر وبقايا قطع الزجاج، الناتجة عن مخلفات قارورات الخمر المرمية على حواف الطرقات والمناطق الغابية، لكن سلسلة الحرائق المدمرّة التي شهدتها ولاية قالمة على مدار أزيد من أسبوع كامل، تزامنا مع الارتفاع القياسي لدرجات الحرارة، أكدت بما لا يدع مجالا للشك، أن تلك الحرائق لم تكن بتاتا بمحض الصدفة، بل هي بفعل فاعل، وتداولت العديد من الأوساط العديد من الروايات بناء على المعطيات المتوفرة، ووجهت أصابع الاتهام إلى عصابات تجارة الخشب والفحم، بل حتى إلى بعض الموالين الذين يريدون الاستيلاء على الأراضي الغابية لرعي أغنامهم أو حتى بعض الفلاحين أو مافيا العقار، الذين يريدون الحصول على بعض الأراضي بعد تجريدها من غطائها الغابي في إطار برنامج الاستصلاح الفلاحي، ومهما كان الجناة أو المتهمون في حدوث هذه الكارثة، فإن مصالح الدرك الوطني أوقفت بحسب خلية الإعلام والاتصال للمجموعة الإقليمية بقالمة، عددا من الأشخاص المشتبه فيهم بالتورط في إشعال النيران قبل إخلاء سبيلهم، فيما لا يزال المواطنون يتساءلون عمن يقف وراء إشعال النيران المتزامنة مع بعضها، بغابة جبل بني صالح، لأن خلية الإعلام للدرك أكدت أنه لا يوجد أي موقوف لدى وحداتها عبر بلديات إقليم ولاية قالمة، في وقت التهمت النيران ما لا يقل عن 5000 هكتار بغابة جبل بني صالح في واحدة من أكبر الكوارث التي لم تشهد ولاية قالمة لها مثيلا. 

 

غابة بني صالح تحولت إلى حطام أسود

بعد أن تمكنت فرق الإطفاء من إخماد النيران التي استمرت على مدار تسعة أيام كاملة، سخرت لها الجهات المعنية كل الوسائل المادية والبشرية، تغيرت أجزاء مهمة ومساحات شاسعة من غابة جبل بني صالح من لونها الأخضر الطبيعي، واكتست لونا أسود تشمئز له أعين الناظرين، بعدما التهمت النيران كل ما وجدت في طريقها من أشجار الزان والصنوبر والكاليتوس وغيرها حتى من الأصناف النادرة، وتحولت أرضية الغابة الرطبة التي كانت تكسوها حشائش خضراء على مدار أيام وفصول السنة، إلى بساط أسود يعلوه حطام ما تبقى من جذوع الأشجار، التي كانت تزخر بها المنطقة، في صورة بائسة، تؤكد أن كارثة حقيقية حلّت بالولاية. ووقف سكان المنطقة يبكون على أطلالها، وملأت قلوبهم الحسرة والأسى جرّاء ما عاشوه طيلة الأيام الماضية، وأكد بعضهم من الشيوخ أنهم اعتادوا على اندلاع النيران في المنطقة خلال السنوات الماضية، لكنهم لم يشهدوا في حياتهم دمارا كالذي شهدته هذه السنة.. بل إن منهم من أكد على ضرورة تدخل أجهزة الدولة لكشف ملابسات وظروف اندلاع النيران بهذا الشكل المتزايد، مطالبين بكشف هوية مرتكبي هذه المجزرة، التي تعتبر انتهاكا صارخا للطبيعة وحقوق الإنسان وحتى الحيوانات النادرة التي كانت تعيش بين أشجارها وفي أرجائها العذراء. 

 

أكثر من 5000 هكتار التهمتها الحرائق في أسبوع... فمن المسؤول؟

مهما اختلفت الحكايات والروايات بشأن الحرائق التي دمرّت غابة جبل بني صالح، فإن الأكيد أن ما حدث يعتبر جريمة شنيعة في حق الطبيعة العذراء، وأن ما يحدث لا يمكن وصفه إلاّ بالكارثة التي وجب التوقف عندها للتأمل في أطوارها وتفاصيلها والبحث بكل جدية عمن يقف وراء تجريد الغابة من ثرواتها وكنوزها الطبيعية، بهدف الاستفادة الشخصية منها. وإذا كانت مصالح الحماية المدنية قد أعلنت في حصيلة سابقة عن إتلاف أكثر من ثلاثة آلاف هكتار من المساحة الغابية، بمنطقة جبل بني صالح من بينها مساحة شاسعة من المحمية الطبيعية، فإن مصالح محافظة الغابات وإلى غاية أمس، وعلى الرغم من إتمام عملية إخماد النيران، إلاّ أنها مازالت تتحفظ بشأن الخسائر الحقيقية لموجة الحرائق التي شهدتها المنطقة على مدار تسعة أيام كاملة، بصفتها الهيئة الوحيدة المخولة لتقييم الخسائر وسط الغابة التي تقع تحت مسؤوليتها، في وقت تحدثت أطراف أخرى بأن الحصيلة ومنذ اندلاع شرارة النيران نهاية شهر جويلية المنقضي، قد فاقت 5000 هكتار وسط الغابة التي تحولت ثروتها إلى رماد. ومهما اختلفت الأرقام وتضاربت الأقاويل بشأنها فإنه أصبح من الضروري الآن الالتزام بتعليمات وزير الداخلية والجماعات المحلية، للعمل بجدية على كشف المتورطين في المجازر المرتكبة ضد الطبيعة، وتقديمهم إلى العدالة، حتى يكونوا عبرة لغيرهم من الذين تسوّل لهم أنفسهم الاعتداء على الملكية المشتركة للمواطنين، كما أن جمعيات المجتمع المدني وجمعيات حماية البيئة بالولاية التي لم يسمع لها صوت في هذه الكارثة مطالبة بالكفّ عن عقد الملتقيات وتنظيم الندوات داخل القاعات، لأن مجزرة كالتي حدثت لم تحركها وتحرك مشاعر مسؤوليها الذين لم يصدروا حتى بيانا للتنديد بما وقع من مأساة حقيقية، في حق البيئة، لأن غابة بني صالح تعتبر رئة حقيقية لسكان ولاية قالمة والولايات المجاورة. 

 

الأيل البربري يفر من نيران غابة بني صالح إلى تونس

تسببت الحرائق المشتعلة على مدار أيام أسبوع كامل في غابة جبل بني صالح، التي وصلت ألسنتها إلى غاية المحمية الطبيعية، التي تزخر بعدد من مختلف أصناف النباتات والحيوانات البرية على غرار الأيل البربري المهدد بالانقراض اضطرت الجهات المعنية إلى فتح منافذ في السياج المحيط بالمحمية الطبيعية، والسماح لهذه الحيوانات بالخروج باتجاه الغابات المجاورة، لحمايتها من التفحم، وفي الوقت الذي رجحت فيه الأطراف أن حيوان الآيل البربري قد غادر غابة بني صالح باتجاه بعض الغابات في ولايتي سوق أهراس والطارف المتاخمتين للحدود مع جبال بني صالح بإقليم ولاية قالمة، فإن أطرافا أخرى لم تستبعد أن يواصل هذا الحيوان النادر في الطبيعة، سيره باتجاه غابات بعض الجبال في تونس، على الحدود مع ولايتي سوق أهراس والطارف، خاصة أن هاتين الولايتين شهدتا على مدار الأيام الماضية اندلاع سلسلة من الحرائق المتتالية، تزامنا مع حرائق غابة جبل بني صالح. وذكرت مصادرنا أن استرجاع هذه الثروة الحيوانية الطبيعية في الوقت الراهن يعتبر ضربا من الخيال، لأنه لا يمكن بأي حال من الأحوال الإمساك به، خاصة بعد فراره إلى خارج الحدود الجزائرية وسط الغابات والتضاريس الجبلية، بين الجزائر وتونس. 

 

الحرائق في قالمة وطائرات الإطفاء في الطارف

وجه سكان منطقة جبل بني صالح، عبارات اللوم والعتاب إلى السلطات المركزية التي قررت إرسال طائرات لإخماد النيران إلى ولايات الطارف، في وقت كانوا يشاهدون تصاعد ألسنة اللهب وهي تلتهم الأخضر واليابس في جبل بني صالح، مؤكدين أنه لو تم تسخير تلك الطائرات التي كانوا يشاهدون تحليقها بالقرب لإخماد نيران غابة بني صالح لما حدثت الكارثة، خاصة أنه بالإمكان ـ حسبهم ـ التحكم في النيران المشتعلة في ولاية الطارف، بالإمكانيات المسخرة محليا أو بفرق الدعم البرية لمصالح الحماية المدنية. وأردف محدثونا أنهم كانوا يتألمون وهم يشاهدون طائرات الإطفاء تحلّق بالقرب من مواقد النيران بإقليم ولاية قالمة، لتقوم بإخماد النيران في الجهة المقابلة بإقليم ولاية الطارف، مطالبين السلطات المحلية بضرورة السعي لتفعيل دور مدرج مطار بلخير في أقرب وقت لحماية وإنقاذ ما أمكن إنقاذه من الثروة الغابية التي لم يبق منها الكثير بولاية قالمة، بسبب الحرائق التي تشهدها مع صائفة كل سنة. 

إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص