يشهد اليمن وخصوصًا مناطق سيطرة الحوثيين ارتفاعاً حادّاً في أسعار السلع الأساسية والمواد الغذائية على الرغم من انخفاض أسعار العقود للقمح وبقية السلع نهاية يوليو وأغسطس بنسبة 25% عمّا كانت عليه في مايو ويونيو الماضيين.
ويؤكد خبراء اقتصاديون انخفاض أسعار القمح والزيوت النباتية والشعير وفول الصويا وكسب فول الصويا والذرة والنفط منذ نهاية يونيو، في ظل توقّعات باستمرار الانخفاض لصالح المستهلك.
وتسبّبت الضرائب والرسوم الباهظة وغير القانونية التي يفرضها الحوثيون في ميناء الحديدة والمنافذ الجمركية بين المحافظات ونقاط التفتيش في ارتفاع الأسعار، إذ يقوم المستوردون والتجّار بتعويض هذه الضرائب والرسوم الإضافية بتحميلها للمواطنين من خلال الأسعار النهائية.
ويعاني اليمنيون منذ بداية الحرب التي أشعلتها الميليشيات الانقلابية من ارتفاع أسعار السلع وتدهور الوضع المعيشي وتردّي الخدمات وتضاؤل الفرص الاقتصادية، فضلاً عن العوامل الخارجية لارتفاع الأسعار العالمية مثل قلّة المخزون وارتفاع أجور النقل عبر سلاسل الإمدادات المختلفة والحرب الروسية الأوكرانية والتي انعكس تأثيرها على أسعار المستهلك النهائي التي تجاوز ارتفاع الكثير منها 100% ما زاد من حدّة معاناة اليمنيين وصعوبة حصولهم على السلع الضرورية.
وحذّرت منظّمات دولية من أن اليمن يواجه ارتفاعاً غير مسبوق في أسعار المواد الغذائية ما يعرّض ملايين اليمنيين لخطر الجوع الكارثي.
وأكدت "منظّمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة" (الفاو) أن تقلّبات الطقس نتيجة تغيّر المناخ في اليمن تدفع انعدام الأمن الغذائي والجوع إلى مستويات مقلقة، في الوقت الذي تعجز أغلب الأسر عن شراء الغذاء من الأسواق مع ارتفاع أسعار الأغذية عالمياً.
وأدّى هطول أمطار غزيرة على معظم أرجاء اليمن إلى حدوث سيول تسبّبت بآثار مدمّرة في الأرواح وسبل المعيشة. وجاءت السيول بعد 6 أشهر من الجفاف الذي تسبّب في فقدان الغذاء والدخل حيث خسرت معظم الأسر الموسم الزراعي الأوّل.
وأنهكت اليمن بفعل أكثر من سبع سنوات من الصراع، وتضرّر اليمنيون بشدّة من أثار تفاقم أزمة الغذاء العالمية. وارتفعت أسعار القمح والدقيق وزيت الطبخ والبيض والسكّر بأكثر من الثلث منذ مارس. حيث لم تشهد البلاد مثل هذه الزيادة الكبيرة في الأسعار منذ فرض القيود على الواردات ولفترة أطول كهذه.
ويستورد اليمن نحو 90% من المواد الغذائية، بما في ذلك 42% من القمح من أوكرانيا. وحذّر مستوردو القمح من أن المخزون المتوفّر حالياً قد ينفد في الأشهر القليلة المقبلة وأن الزيادة العالمية في قيمة القمح وتكاليف استيراده قد تحدّ من قدرة المستوردين على تأمين كميات كافية من واردات القمح إلى اليمن.
وبالرغم من الإعلان بأن أوكرانيا ستكون قادرة على تصدير الحبوب، إلا أن آثار الحرب الأوكرانية على الإمدادات الغذائية ستظل ملموسة في الفترة المقبلة. كما أن أي انخفاض في الأسعار العالمية سيكون قصير الأجل وقد لا يؤدّي إلى انخفاض التكلفة بالنسبة للمواطنين العاديين. وفي بلد يعتمد فيه الكثير من الناس على الخبز كمصدر غذاء أساسي في وجباتهم اليومية للبقاء على قيد الحياة، فإن هذا قد يعرّض الملايين لخطر الجوع.
وقال مدير منظّمة "أوكسفام" في اليمن فيران بويج في بيان صحفي "إن الارتفاع غير المسبوق في أسعار المواد الغذائية يهدّد حياة ملايين اليمنيين ويضعهم في خطر حقيقي في مواجهة الجوع. إن العائلات اليمنية التي دفعتها سبع سنوات من الصراع إلى المعاناة أصبحت تقترب من الكارثة مع ارتفاع أسعار المواد الغذائية الأساسية وتزايد الصعوبات في الوصول إليها".
وحثّ بويج قادة العالم على "التحرّك على الفور للحد من خطر الجوع والأزمة الإنسانية المتفاقمة".
وعلى رغم التمديد المؤقّت للهدنة على مستوى اليمن إلا أن الوضع لا يزال هشّاً، وخصوصاً مع تفاقم الأزمة الاقتصادية العالمية.
ويؤدّي ارتفاع أسعار المواد الغذائية وتدهور القطاع الزراعي والذي يؤول الجزء الأكبر منه إلى آثار التغيّرات المناخية إلى زيادة الصعوبات بالنسبة للشعب اليمني حيث يحتاج نحو 80% منهم إلى المساعدة الإنسانية بينما لا تزال الاستجابة الإنسانية الأقل تمويلاً بنسبة 27% فقط. وأدّى كل ذلك إلى تضاعف المعاناة وصعوبة الوصول إلى المعونات الإنسانية.
وخلال الفترة ما بين مارس ويونيو من هذا العام، ارتفعت أسعار الأغذية الأساسية بنسبة تصل إلى 45%. وارتفعت أسعار الدقيق بنسبة 38%، وزيت الطهي (45%) والسكّر (36%) والأرز (30%) والفاصولياء المعلّبة (38%) والحليب المجفّف (36%) والبيض (35%).
ووفقاً لمنظّمة "أوكسفام" شهد متوسّط سعر السلة الغذائية ارتفاعاً متسارعاً بنسبة 48% منذ ديسمبر2021 وبنسبة 25% منذ بداية العام 2022. ومع تزايد تكاليف الواردات الغذائية بسبب تقلّبات أسعار الصرف فقدت العملة اليمنية قيمتها بنسبة 28% منذ بداية العام الحالي.
وشهدت أسعار المشتقّات النفطية ارتفاعاً بنسبة 43% في الربع الأوّل من هذا العام. كما تسبّبت زيادة تكلفة الوقود والجفاف غير المعتاد الناجم عن ارتفاع درجات الحرارة على مستوى العالم في خلق المزيد من المعاناة لليمنيين، وخاصةً المزارعين منهم. حيث يعتمد العديد من اليمنيين على الزراعة والثروة الحيوانية كمصدر رئيسي للدخل, لكن محاصيلهم تضرّرت أو تأخّرت ونفقت بعض مواشيهم وذلك خلال موسم الجفاف الذي شهدته البلاد منذ بداية العام الحالي.
ومع تزايد الاحتياج، فإن شحّة موارد الاستجابة الإنسانية ينذر بعواقب وخيمة حيث اضطّر برنامج الأغذية العالمي إلى تقليص حجم المساعدات التي يقدّمها، حيث يتحصّل نحو خمسة ملايين مستفيد من مساعدات الغذاء التي يقدّمها البرنامج على أقل من نصف احتياجهم اليومي بينما يتحصّل ثمانية ملايين مستفيد على 25% فقط ما يعني ربع ما يتلقّونه سابقاً من احتياجهم من المساعدات الغذائية.
وصرّحت بعض الأسر لمنظّمة "أوكسفام" أنه ومن أجل البقاء على قيد الحياة، فإنهم لا مناص لهم سوى أن يقترضوا الطعام من جيرانهم من ميسوري الحال بالإضافة إلى أنهم يستدينون بشكل دائم من بائعي المواد الغذائية. كما يقلّص بعض الآباء والأمهات من وجباتهم اليومية حتى يكون هناك ما يكفي لسد جوع أطفالهم.
كما لا يملك نحو 56% من إجمالي النازحين داخلياً والبالغ عددهم أربعة ملايين شخصاً أي مصدر للدخل. ويعتبر النساء والأطفال الذين يشكّلون حوالي 77% من إجمالي النازحين داخلياً, الأكثر عرضة لخطر الجوع.