2016/08/11
قراءة في " أفكار معكوسة " للقاص عبد العظيم الصلوي / كتب إبراهيم موسى النحّاس :

       في مجموعته القصصية الأولى " أفكار معكوسة " يتجه القاص عبد العظيم جازم الصلوي إلى مزج الهمِّ الذاتيِّ بالهمِّ القوميّ من خلال تضفير الخاص بالعام باعتبار الذات مفردة من مفردات الواقع , وتتبادل التأثير والتأثُّر معه , ويغلب على القصص التي تهتم بما هو ذاتيَ – بالمعنى الشخصانيّ للكلمة – توظيف " النوستالجيا " بالحنين إلى الماضي والقيام بعملية " فلاش باك " للحديث عن ذكريات قديمة مثلما نجد في تلك القصة الشيّقة التي حملت عنوان " غلطة " وما بها من مفارقة الذهاب إلى المدرسة في يوم الإجازة الرسميّة , أو قصة " الحبيب الأسود " أو قصة الحب التي يرصد أدقّ تفاصيلها داخل مقهى الإنترنت في قصة " قرار " والنظرة إلى المجهول في نهاية القصة حين يقول ص 44 : (( التقابل استمر حتى النقطة التي وقفا بها ساعتين جوار الرصيف والمركبات تمر من جانبهما منها ما تقف أمامهما ومنها ما تزعجهما بأصواتها الحادّة وبعضها تهدئ السرعة , الهواتف ترنُّ والمكالمات التي لم يردُّ عليها تجاوزت الخمسين , الأعين تحدِّق في اتجاهات لا حصْرَ لها )) .

      وعلى الجانب الآخر تتبدِّى هموم ومعاناة الوطن داخل المجموعة القصصية فتغلب عليها منذ قصة " تبعيّة " ص 11 وحتى " ملك النهاية " في آخر المجموعة ,فيعالج أزمة الفكر العربيّ وخروج البعض على القوانين في " أفكار معكوسة " , وأزمة وحدة اليمن التي تعادل رمزاً لوحدة الأمة العربية في قصة " الصعقة الدائمة " , ومشاهد الحرب وتداعياتها النفسية على مستوى الأسرة في قصة " حلم " ص72 التي وظّف فيها القاص لغة الحوار ويقول فيها : ((  امتلأ المكان ضجيجاً , صوت الرصاص , صفارة الإنذار , أصوات الطائرات الحربية والمدنية أيضاً , أبحر في أعماق الأصوات كقائدٍ عسكريّ تارة وكشيخ قبيلة تارة أخرى , وكرجل دينٍ أحياناً وكمتحزِّبٍ أيضاً , أتمركز في المنطقة لحمايتها , أشاهد المقاتلين وجثث القتلى تملأ المدينة . والكلاب تنهش منها على الأرصفة )) .كما نجد الحديث عن انتشار الأمراض مثل الملاريا في قصة " لن يلدغها البعوض " تلك الأمراض التي تؤثِّر على البشر بنفس تأثيرها على الحيوانات _ الإبِل – في قصة " سأشتري لابنتي " تلك الأمراض العضوية التي ترمز للكثير من الأمراض السياسية والاجتماعية في مجتمعاتنا العربية . لتخرج لنا المجموعة القصصية بمثابة تعرية من القاص للذات والواقع المؤلم معاً , في قصة اعتمد فيها القاص على توظيف النوستالجيا وآلية " الفلاش باك " وبعض الرموز مثل رمز شيخ القبيلة أو القرية , كما في قصة " ن " ص 9 التي تُعَدُّ مفتتحاً للمجموعة وقد اعتبرها القاص نافذة حُبلى وطريق إلى العالم .

      إضافة إلى توظيفه لقصة الومضة أو القصة القصيرة جدا التي يصل طول بعضها إلى سطر واحد في عمل يقوم على التكثيف اللغويّ والدلاليّ منتهياً بالمفارقة في نهاية القصة وموظفاً نفس آليات فن الإبجراما في القصيدة الحديثة مميزاً عنها بالسرد القصصي وطابع الحكاية مثل قوله في " لقد كان بارعاً " في ص 82 : (( كما كان يفعل دائماً يختنق غضباً , حتماً يتمنى أن يموت على صحيفة سياسية صادقة , كان معتصماً في طياتها )) , المتأمِّل في تلك القصة القصيرة جداً يلمس ما بها من تكثيف لغويّ ودلاليّ فحالة الاختناق فالغضب والتمني الذي يصل إلى حد تمنيه الموت على صحيفة سياسية صادقة وينهي القصة بتلك المفارقة حيث نكتشف أنّ تلك الصحيفة كان معتصماً في طياتها . نفس تلك البنية القصصية التشكيلية القصيرة جدا نجدها في قصص مثل : " سعادة – تفكير – خارطة – درس – نصح – فشل – دمع ....وغيرها "

   من هنا يمكن أن نقول : إن " أفكار معكوسة " مجموعة قصصية تحاول تعرية الذات والواقع معاً معتمدة على القصة القصيرة جداً التي تقوم على التكثيف اللغويّ والدلاليّ وتخلق العالم الموازي في مواجهة الواقع المرفوض عن طريق النوستالجيا والحنين إلى الماضي .

تم طباعة هذه الخبر من موقع المستقبل أونلاين www.yen-news.com - رابط الخبر: http://almostakbalonline.com/news584.html