انقلاب الانقلاب ..الخيار المؤجل في اليمن
@ezzatmustafa أنباء عن محاولة حوثية ثانية لاغتيال المخلوع صالح في صنعاء، تخرج أخبار العمليتين من بين زوايا احاطتها بالكتمان، فيما لا يبدي أي من الحوثيين أو صالح أي ردة فعل حول هذه الأنباء بالنفي أو التأكيد، فالاكتفاء بالمحاولات من قبل الحوثيين والصمت من قبل المخلوع يعطي مؤشراً إلى مدى وصول الصراع البارد بينهما. حاول الحوثيون منتصف 2011م التوغل داخل المؤتمر الشعبي العام كحامل سياسي لانقلابهم، هذا الحزب الكبير والقوي الذي بدا بعد الانتفاضة الشعبية على نظام المخلوع صالح كفيلٍ ضخمٍ وتائه إذ وجد نفسه لأول مرة بعد ثلاثين عاماً من إنشائه خارج السلطة وبلا خبرة بالمعارضة تتنازعه مصالح النفوذ المسكوب ومخاوف الفساد البائن، إلا أن الثعلب الذي بدا مغشياً إثر انتزاعه من خلوته بالسلطة وعقب محاولة اغتياله في مسجد قصره التي لم يكن من المتوقع أن ينجو منها وانهمك بعدها بلعق جراحه التي ظُنَ أنها لن تلتئم قبل سنوات من شدة ما أصابه في التفجير، سارع الثعلب المصاب امتطاء حزب المؤتمر الذي يرأسه ليقطع على الحوثيين الطريق في توجيه فيله إلى مسعاهم. علي عبدالله صالح الذي عُرف بقدرته على إلتقاط السهام الموجهة إليه والاحتفاظ بها في جعبته وإعادة الرماية بها، وجد في الحوثيين قناعاً مناسباً للتخفي وراءه في محاولة تسلله إلى دار الرئاسة مجدداً، وبانكشاف مخططات الطرفين لكلاهما، وجدا من المناسب أن يتعاونا معاً في هدفهم المشترك. كان هدف كل منهم الانقلاب على السلطة الشرعية بقيادة الرئيس عبدربه منصور هادي، بدافع الأحقية التي كان يراها المخلوع صالح في استعادة ما فقده (حقه كما يراه) وكما كان يراها الحوثيون في وجوب الولاية في البطنين (حسب المذهب الاثنى عشري)، لكن سعيهما اسقاط السلطة الشرعية وإن بدا مشتركاً بينهما إلا أن له هدفين مختلفين ومتباينين، هدف استراتيجي يخص المخلوع وحده، وهدف استراتيجي يخص الحوثيين وحدهم. لقد كان مقرراً منذ البداية لتحالف المخلوع والحوثيين أن ينتهي بانقلاب أحدهما على الآخر بمجرد نجاح خطتهما المشتركة باسقاط السلطة الشرعية ممثلة بالرئيس هادي، إلا أن الخطوة التي لم تتم أجَّلَت الانقلاب بينهما على بعضهما التي كان بالإمكان أن يشعلها الحوثيون بمبرر انتقامهم من صالح جراء حروبه الست ضدهم، وكان بالإمكان أن يبدأها صالح متقمصاً دور المنقذ لليمن والإقليم من خطر المليشيا المسلحة التي تعتبر ابنة بيولوجية للحرس الثوري الإيراني. لقد اكتفى شكل الصراع بين الطرفين بلجوء كل منهما إلى ركل ودفع الآخر داخل الخندق الواحد الذي يتمترسان داخله في مواجهة الحرب لاستعادة الشرعية في اليمن، ولم تنتهي أو تنتفي أسباب امكان توجيه كل منهما سلاحه إلى خاصرة الطرف الشريك بل بقي هذا الخيار مؤجلاً لكلاهما. هذا الخيار المؤجل كان سيحين في حالتين، والحالتان تشكلان وصولاً إلى نهاية مطاف الانقلاب، الحالة الأولى الحسم العسكري للمعركة وكسر الانقلاب من قبل الجيش الوطني اليمني والتحالف العربي، وسيكون مبرر الصراع بين طرفي الانقلاب تحميل كل منهما الآخر مسؤولية المآل، والحالة الثانية الوصول إلى تسوية سياسية بين الشرعية والانقلابيين، إذ سيحاول كل طرف في الانقلاب الاستئثار بالنصيب من التسوية على حساب شريكه مكتفياً بالمشاركة في السلطة عن الاستحواذ عليها كاملة، وهذا ما يفسر عرقلة الانقلابيين لأي تسوية سياسية حتى الآن، فجانبهم المفاوض مشكل من فريقين وليس فريق واحد مقابل فريق المفاوضات عن الشرعية، ولكل فريق انقلابي رئيس ومفاوضون عنه لا عن الانقلاب كفعل مشترك. في كلتا الحالتين فإن الحوثيين يستبقون ساعة الصراع بينهم وبين المخلوع، لسبب أنهم يستطيعون الوصول إلى رأس شريكهم في الانقلاب، بينما لا يستطيع هو ذلك، ولذا تأتي محاولاتهم المستمرة في سحب البساط من تحت أقدامه في السيطرة على قوات الحرس الجمهوري والتشكيلات العسكرية الموالية له، وسبق ذلك سحب البساط من تحته في معظم الجهاز الإداري لمؤسسات الدولة، بينما يكتفي علي عبدالله صالح لأول مرة في حياته بمحاولات الدفاع وعرقلة وصول شركائه إلى رأسه. يبقى الصراع بين الحوثيين كمليشيا عقائدية وبين صالح كنظام عميق وما تبقى له من حزب المؤتمر على مستويين، الأول في المستوى الأعلى، وهذا الصراع يدور بين المخلوع صالح شخصياً وعبدالملك الحوثي أو من يمثله كمحمد علي الحوثي أو صالح الصماد، وموضوع الصراع في هذا المستوى هو السيطرة والسلطة وهو مؤجل مع بعض محاولات الحوثيين الفاشلة حتى الآن، وفي المستوى الأدنى يدور الصراع بين أعضاء حزب المؤتمر الموالين لصالح (يطلق عليهم الحوثيون تمسية المتحوثين للتمايز عنهم) وبين أعضاء حركة الحوثي الأصليون (السادة الهاشميون) ويدور الصراع في هذا المستوى على المال والتسابق في الفساد وهو على أشده الآن والتراشق بالاتهامات في أوجها بينهما. المعادلة التي غيرت مجرى الانقلاب في اليمن تمثلت في التدخل العسكري للتحالف العربي الذي لم يكن في حسابات أياً من طرفي الانقلاب، وأربك كل خططهم، وقد حوّل التحالف العربي الانقلاب في اليمن من فرض أمر واقع على الأرض إلى مزحة، وللمزحة هنا حكاية حدثت في خمسينيات القرن الماضي حين نشرت صحيفة الفضول الساخرة التي كان ينشرها الشاعر الوطني عبدالله عبدالوهاب نعمان عنوناً عريضاً "انقلاب عسكري في اليمن" ما دفع بالقراء إلى شراء كل أعداد الصحيفة التي كان الخبر المفصل فيها يحكي عن سقوط عسكري من ظهر حماره وانقلابه على رأسه، فضحك الناس من الانقلاب الذي فلق رأس صاحبه.
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص