ذكرى يناير

تمر اليوم على شعبنا العظيم الذكرى الثالثة لاتفاق اليمن الاتحادي الجديد يوم اختتام مؤتمر الحوار الوطني الشامل واعلان وثيقته الوطنية الخالدة، ففي الخامس والعشرين من يناير من كل عام سيتذكر اليمنيون المناسبة الأغلى التي انجزوا فيها اهم وثيقة كتبها الإنسان اليمني عبر التاريخ الحديث.
 
ولقد كان يناير كريما على اليمنيين، ففيه بدأت طلائع ثورة الشباب السلمية عام ٢٠١١ التي اكتملت في فبراير العظيم، وفيه ايضا انتهت الايدى اليمنية من كتابة سطور الوثيقة الأغلى التي صاغتها الأيدي اليمنية مجتمعة في صورة عز لها نظير في التاريخ الحديث.
 
لقد رسمت ثورة فبراير الصورة الحقيقية للإنسان اليمني وكان مؤتمر الحوار الوطني يجسد الحكمة اليمنية التي جاءت باليمنيين من كل الأطراف ليكتبوا عقدهم الاجتماعي الجديد ويبحثوا في مؤتمر الحوار عن سبل الحكم الرشيد والدولة العادلة والنظام القويم وليطووا والى الأبد مشاكل اكثر من خمسين عام .
 
هي المرة الأولى التي يقرر فيها اليمنيون باسم الشعب نظامهم الجديد خارج الوصاية الخارجية او الهيمنة الداخلية لمراكز النفوذ سواء كانت باسم السلالة او العائلة او الجهة، وما إن خرجت هذه المخرجات إلى العلن إلا وخرجت الأفاعي من جحورها مستشعرة أن الإجماع اليمني سينزع عنها الغطاء الذي تدثرت به عبر العقود الأخيرة تارة باسم الثورة وتارة باسم الدين واخرى بادعاء الوطنية.
 
جاءت مخرجات الحوار الوطني لتعلن أن كل اليمنيين سواء وأن كل الارض اليمنية سواء وان كل الجهات سواء وأنه لا فضل ليمني على يمني إلا بما تقتضيه الجدارة والكفاءة وفِي ظل المواطنة المتساوية والعدالة .
 
إن مخرجات الحوار الوطني أدركت بعمق ان الاقصاء والتهميش والاستئثار بالسلطة والثروة والمحسوبية والشللية والمناطقية كلها امراض قاتلة للشعب وللتنمية وللحكم والدولة ولذلك بنت احكامها في شكل الدولة وصورة النظام السياسي بما يمنع هذه الأمراض ويحقق التنمية ويزيد معدلات الانتاج، فالإنسان الحر هو الذي يحقق التنمية، والنظام العادل والمتكافئ يمنح الناس الفرص المتساوية ويحقق الرضى العام ويرفع معدلات السعادة.
 
ولهذا كانت الدولة الاتحادية هي شكل الدولة الجديدة الذي ارتضاه اليمنيون وتوافقوا عليه منطلقين من النظام الجمهوري بالآليات الديموقراطية وبما يحقق المواطنة والعدالة ويوسع مساحة المشاركة في السلطة والتوزيع العادل للثروة .
 
هذه هي اركان الدولة الجديدة التي جسدتها مخرجات مؤتمر الحوار الوطني وهذا هو المشروع الذي تتبناه الدولة ولن نتوقف حتى ننجز هذا المشروع العظيم.
 
ونحن عندما نعيد قراءة مخرجات الحوار الوطني بعمق واستبصار ندرك سر هذا الهوس المجنون من قبل عصابات الانقلاب ومغامراتها الطائشة في الحرب المجنونة التي شنتها على اليمنيين، ذلك ان مشروع الدولة الجديدة سيقلم أظافر الإمامة وسينزع مخالب العائلة وسيورث الحكم للأمة اليمنية ويمنحها حق الاختيار الحر لقيادتها ومستقبلها بالطريقة التي تختارها دون وصاية من احد.
 
وبقدر ما عبرت هذه المخرجات عن طموحات الشعب اليمني وآماله ولخصت مسيرته النضالية الطويلة بقدر ماشكلت خيبة كبيرة لقوى التسلط ومراكز النفوذ ومراكز الاستئثار بالمال والقوة والسلاح والثروة والحكم .
 
إن الصراع الذي نخوضه اليوم يجري بين مشروعين بلا ثالث ، مشروع الأمة اليمنية الذي جسدته مخرجات مؤتمر الحوار والذي قام على ركائز العدالة والمواطنة المتساوية والنظام الجمهوري والدولة الاتحادية التي تحقق المشاركة في السلطة والتوزيع العادل للثروة والمدنية ومبادئ الحكم الرشيد ، وبين مشروع العصابة الذي يقوم على الاستئثار بالقوة واحتكار الحكم باسم السلالة او العائلة او الجهة، ولا شك ان اليمنيين سينجزون مشروعهم وسينتصرون على منطق الاستعلاء البغيض.
 
ونحن في القيادة السياسة ادراكا منا لما تمثله مخرجات الحوار الوطني من دلالات عميقة ومبادئ عظيمة كان اشتراطنا ان تكون واحدة من المرجعيات التي نحتكم اليها في اي حوار خاص بوقف الحرب او مشاورات سياسية ، ونؤكد اننا لن نقبل بأي مساومات تتجاهل او تنتقص من مخرجات الحوار ومبادئ الاجماع الوطني باعتبار ذلك هو مشروع اليمنيين جميعا والذي لخص باقتدار نضال العقود الاخيرة ووضعها في سطور ضمن وثيقة المخرجات التي باتت مشروع كل ابناء الشعب وملك لهم.
 
إننا ونحن نحتفي بهذه الذكرى لا ننسى كل الجهود المخلصة التي ساعدت اليمنيين للوصول الى صياغة هذا المشروع العظيم والذي شكل الأساس الصلب لمسودة الدستور اليمني الجديد الذي اوقفه الانقلاب بعد ان كنا على وشك عرضه على الشعب للاستفتاء.
 
فالشكر لكل الدول الراعية والشكر لسفراء الدول ال18 والشكر بشكل خاص للأخوة الاشقاء الذين اقترحوا المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية حرصا منهم على حقن الدم اليمني ، هذه المبادرة التي ساعدت على قيام مؤتمر الحوار الوطني ووثيقة المخرجات .
 
إننا وبهذه الذكرى نعيد التأكيد لكل ابناء الشعب اليمني الكريم بأن تحالف الإثم والعدوان المتمثل بالحوثي وصالح يتحمل كل المسئولية عن الأحداث التي نشأت عن انقلابه على الاجماع الوطني وتآمره على المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية واحتلاله للعاصمة والمدن اليمنية واعتدائه على معسكرات الدولة ونهب الاسلحة وما اعقبها من حروب ودمار .
 
فالذين اشعلوا النيران هم وحدهم من يتحملون مسئولية ضحاياها .
 
إننا من موقع المسئولية التي خولنا اياها الشعب اليمني نؤكد لكل ابناء اليمن في الداخل والخارج أننا سنواصل درب النضال المشروع ضد العصابات المنفلتة وسنوقف كل الايادي العابثة بامن وسلامة المواطنين ولن نتخلى عن دماء شهدائنا الأبطال وتضحيات الشعب العظيمة في الشمال والجنوب ولن نجنح للسلم حتى يجنحوا لإرادة الشعب ويحترموا خيارات اليمنيين وأن اي سلام لا يقوم على إنهاء الانقلاب ومحو آثاره لهو سلام زائف يؤسس لدورات لاتنتهي من الخراب والعنف ، وسنمضي في تنفيذ كافة مخرجات الحوار الوطني ، وتوعية كافة ابناء الشعب بهذا المنجز العظيم.
 
الخلود كل الخلود لشهدائنا الأخيار والشفاء العاجل لكل جرحانا ومصابينا والحريّة لأسرانا الميامين والمجد لليمن الاتحادي الجديد.
 
نقلا عن صحيفة 14 أكتوبر

إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص