"لا حرمة للموتى".. حقيقية جسدتها مليشيا الحوثي الانقلابية، والتي تتاجر بجثامين الموتى إلى جانب إخفائها في بعض الحالات، ضمن سياساتها للتعتيم على جرائم التعذيب والقتل المتعد خارج القانون بحق الشعب اليمني الرافض للانقلاب.
شهادات تعتصرها الألم، وتزيح النقاب عن جرائم جديدة تضاف إلى سجل الانتهاكات الحافل للمليشيا الحوثية، لتؤكد أن الشعب اليمني يواجه مجرمي حرب.
"العين الإخبارية" تفتح الملف الأسود لهذه الجرائم الحوثية، وتبدأ باليمني محمد أحمد حسن (24 عاما)، الذي تضاعفت آلامه إثر رفض المليشيات تسليم جثمان والده، الذي قتل في انفجار لغم أرضي قبل 3 سنوات في محافظة الحديدة، غربي اليمن، في حادثة أدت إلى بتر قدمه هو الآخر وتسببت له بإعاقة دائمة.
قذائف الحوثي تشعل النار في مجمع صناعي بالحديدة
ويروي حسن لـ"العين الإخبارية" الحادثة التي تعود إلى مطلع عام 2018، قائلا: "كنت عائدا من رحلة صيد، في الطريق إلى المنزل بقرية القريبة جنوبي الحديدة، انفجر بي لغم حوثي، هرع والدي لانقاذي لكنه داس لغم آخر فسقط على الفور".
وتابع: "دخلت دوريات حوثية مسلحة لمكان وقوع الحادثة، نقلت أنا إلى مستشفى زبيد وأجبرت على اتهام طيران التحالف مقابل السماح بالعلاج، لكن جثمان والدي أودعت في ثلاجة المستشفى العسكري بمدينة الحديدة وحتى اللحظة ورغم كل المحاولات لم تسلم لدفنها".
ومنذ الانقلاب 21 سبتمبر/ أيلول 2014، حولت مليشيا الحوثي المدعومة إيرانيا جثامين القتلى في جبهات القتال كسلعة تخضع لمقايضة المال، وتجارة تنسف نصوص القانون الدولي، لكن الأكثر وحشية من ذلك، التعمد في إخفاء ودفن جثامين مدنيين سقطوا بنيران حوثية أو تحت التعذيب من أجل طمس معالم الجريمة.
وتفتح "العين الإخبارية" لأول مرة ذلك الملف، باعتبارها جرائم حرب تمت بعيدا عن الرقابة والتوثيق وقيد السرية والتعتيم، وتخالف كل قوانين وأعراف حقوق الإنسان والتي تشدد على التعامل الإنساني مع الضحايا بعد موتهم.
حسن ليس وحده من أخفت مليشيا الحوثي جثمان والده لطمس جريمة مقتله عن منظمات حقوق الإنسان، إنما الضحية ع. ع.م (30 عاما) هو الآخر قتل تحت التعذيب الوحشي ورفض الحوثيين تسليم جثمانه إلى شقيقه وعرضوا عليه جثمان أخرى غير واضحة المعالم.
يقول شقيق الضحية، الذي فضل عدم ذكر اسمه لاعتبارات أمنية، إن أخيه اختطف من منزله في مدينة الحديدة مايو 2017، وقتل بعد عشرة أيام فقط تحت التعذيب بالصعق الكهربائي الشديد عالي الفولتية في مدرسة الشيخ علي سالم لتحفيظ القرآن والتي تتخذها مليشيا الحوثي سجناً سريا قبل أن يتم نقل جثمانه إلى صنعاء.
وأضاف في شهادة وثقتها رابطة أمهات المختطفين، غير الحكومية المعنية برصد انتهاكات المعتقلين، أن الحوثيين استدعوه منتصف العام الماضي أي بعد 3 سنوات، لاستلام جثمان لم يتسن له وللأسرة معرفة هويتها فرض استلامها وحتى اللحظة لازال يبحث عنها.
تعتيم ممنهج
منظمات حقوقية يمنية، أكدت أن إخفاء الجثامين ممارسة حوثية طبقتها لدى مئات الحالات سواء من مقاتلين أو مدنيين، غير عابئة في تعاملها بأية أعراف أو قوانين واتفاقيات تجرم مثل هذه التصرفات غير الإنسانية في الحرب، كاتفاقية جنيف والقانون الدولي الإنساني.
وطبقا للحقوقي اليمني، محسن عكيش، فإن هناك حالات إخفاء كثيرة تهدف مليشيا الحوثي من ورائها إلصاق جرائمها بطيران التحالف والحكومة الشرعية، فقد سبق وأن أخفت جثثاً لضحايا ألغامها، ثم اتهام التحالف باستهدافهم، ومارست التعتيم المتعمد في إخفاء تفاصيل مقتلهم.
عكيش، الذي يعمل راصدا حقوقيا بمحافظة الحديدة، يقول في تصريحات لـ"العين الإخبارية"، إن واقعة محمد أحمد حسن الذي فقد والده بانفجار لغم أرضي ولم تفرج مليشيا الحوثي عن جثمانه حتى اللحظه، كونها تُرغم ضحايا الألغام في المناطق الخاضعة لسيطرتها على اتهام طيران التحالف العربي.
وأشار إلى أن محمد ظهر في فيديو بثه إعلام الحوثيين ليقول مكرها، إن مخلفات الطيران هي ما تسبب في إصابته بينما الحقيقة أنه أصيب وقتل والده بلغم حوثي، ولم نستطيع الوصول إلى جثمان والده وتوثيقها بسبب التشديدات الأمنية للحوثيين على المستشفى التي تودع فيه جثمان الضحية.
واعتبر عكيش أن هذه الجريمة تكشف مدى متاجرة الحوثيين بحقوق الإنسان، فخلافا عن سلوك الإخفاء الممنهج للجثامين تتعمد تغير واقع الحوادث وتظلل الرأي العام في تقارير مغلوطة تصدرها منظمات حقوقية ممولة من المليشيات تقوم بتلفيق تلك الجرائم بالتحالف.
وقال: "حرمان ذوي الضحية من رؤية جثامين ابائهم وابنائهم ثم أكرامهم بالدفن تعد جريمة حرب بامتياز وعلى المنظمات الحقوقية المحلية والدولية أن تحقق في هذه الجرائم وتناصر أسر الضحايا كونها خارج نطاق الاهتمام الحقوقي والإنساني الجاد منذ تدشين الانقلاب".
صندوق أسود
الباحث اليمني عادل عبده أحمد الزوعري (28عاما) هو الآخر اختطف في يوليو 2016، وقضى تحت التعذيب بعد أسابيع ورفض الحوثيون تسليم جثمانه، وعلمت الأسرة بعد مساعي طائلة، وفق مصدر مقرب منها أكد لـ"العين الإخبارية"، أن الحوثيون قاموا بدفن عادل في مقبرة "الحافة" شمال شرق صنعاء آواخر العام الماضي، دون إشعار الأسرة ووسط تكتم شديد.
ومنتصف العام الجاري، اعترف الحوثيون بدفن 715 حالة خلال الفترة من (مارس- يونيو) لجثامين "مجهولة" تجاوز بقائها المدة القانونية، حد وصف وسائل إعلامهم، لكن العملية أثارت حفيظة نشطاء، تساءلوا إن كانت تعود الجثامين لمقاتلين أو معتقلين قضوا تحت التعذيب أم لمواطنين لا يعرف عنهم أهلهم شيئا.
ويعلق الناشط اليمني مروان عبدالواسع، بأن جثمان الضحية تعد بمثابة صندوق أسود تحمل كماً من البيانات التي تركتها سنين الإعتقال أو النيران، ويستطيع الطب الشرعي أن يكشف تاريخ التعذيب حتى الذي لم يعد ظاهراً.
وأوضح في تصريح لـ"العين الإخبارية"، أن مليشيا الحوثي تلجأ إلى إخفاء جثث المعتقلين وضحايا نيرانها لديها خاصة تلك التي ما زالت تحمل آثار التعذيب او شظايا ألغامها، لتدفن أدلة جرائمها الوحشية.
كما تسعى المليشيا لابتزاز ذوي الضحايا والمعتقلين المتوفين بعدم الافراج عن جثثهم إلا بعد التنازل التام وإسقاط كافة الحقوق عن المليشيا، في مساومة خبيثة تحرم الضحية من أبسط حقوقها حية وميتة.
واستشهد الناشط اليمني بواقعة أسير الحرب محمد محمد أحمد الصباري (23عاما) الذي قتل تحت التعذيب بصنعاء في يوليو 2019، وأفرجت مليشيا الحوثي عن جثمانة في عملية تبادل أسرى مع الجيش اليمني منتصف الشهر الماضي، ولا تزال جثمانه دليل دامغ للوحشية المفرطة لآلة التعذيب.
ولفت إلى أن مليشيا الحوثي رفضت تسليم صورة من التقرير الطبي في مستشفى 48 بصنعاء الذي كانت تودع فيه جثمان الصباري، وقد أطلقت سراح جثة متفحمة بات من الصعب إجراء التشريح عليها واستخراج تقارير تثبت صنوف التعذيب الذي تلقها الضحية حتى فارق الحياة، لافتا أن ما تبقى من أثار على الجثمان تظهر استخدام آلة كهربائية في تمزيق جسمه والضرب بالسياط.