“مستورة” في فضائه: “فايسبوك” ملاذ نساء اليمن

"يعاملني زوجي كالحيوانات وعندما أشكوه الى أهلي لا ينصفونني".. قصة لم تجد طريقاً للخروج إلا على "فيسبوك"

مستورة” في فضائه: “فايسبوك” ملاذ نساء اليمن

تحقيق: عبير محسن – صحافية يمنية – منصة "درج"

"يعاملني زوجي كالحيوانات وعندما أشكوه الى أهلي لا ينصفونني"... قصة لم تجد طريقاً للخروج إلا على "فيسبوك" الذي أتاح مساحة لكثيرات ليكبتن آلاماً وأوجاعاً في مجتمع يحرمهنّ الحقوق الآدمية.

“عمري 26 سنة متزوجة منذ 9 سنوات ولدي طفل عمره 6 سنوات ونعيش كالحيوانات أو أسوأ… زوجي يعاملني بطريقة سيئة وأهلي لا يسمعون لشكواي”.

هكذا كان مطلع رسالة “مستورة”، اللقب الذي تتوارى خلفه نساء كثيرات في مجموعات أنشأتها نساء يمنيات على منصة “فايسبوك”، يشكين مشكلاتهنّ أحياناً طلباً لمشورة عضوات هذه المجموعات وإن لم يكنّ من ذوي الاختصاص، وغالباً تأتي تلك الرسائل بداعي الفضفضة لا أكثر.


“يعاملني زوجي كالحيوانات وعندما أشكوه الى أهلي لا ينصفونني، أحياناً تكون شكواي مبللة بدموع ورجاء بل توسلات كثيرة تواجه بجملهم المعتادة، اصبري هذا حال جميع النساء… أكتب وأنا أبكي فقد تعبت أقسم بالله أني تعبت فبعد أن بعت ذهبي كله كي أتمكن من الدراسة وبصعوبة وصلت حتى المستوى الرابع في الجامعة مع رسوبي في بعض المواد لأني لم أكن أحضر بتاتاً – كنت أدرس من البيت وأذهب لتقديم الامتحانات فقط – لأن زوجي يمنعني من ذلك وأهلي يدعمونه في ذلك. نفد مالي ولم يعد بمقدوري انهاء المواد المتبقية ولا يسمحون لي بالعمل وهددوا بقتلي إن فعلت.

أردت الهرب كثيراً ولكني لا أملك المال ولا أعرف طريقة تمكنني من الهرب بأمان”.

قصة لم تجد طريقاً للخروج إلا على “فايسبوك” الذي أتاح مساحة لكثيرات ليكبتن آلاماً وأوجاعاً في مجتمع يحرمهنّ الحقوق الآدمية ويتعرضن فيه لتمييز جنسي وقمع أسري ومجتمعي.

تروي هؤلاء النساء قصصهن التي غالباً ما يكون الرجال فيها أبطال الشر، الذين يتولّون تحطيم الحياة والأمل والطموح، في ظل ثقافة مجتمعية فرضت على المرأة حدوداً لرغباتها وحقوقها وأحلامها، التي تبدأ وتنتهي عند رغبة رجل ما ووفق مزاجه.


يتنوع المجتمع اليمني في مدى هذه الحدود، ولكنه يتساوى في أنه يحرّم على المرأة التذمر من أي وضع أو ظرف، وإلا فهي بذلك تعلن على نفسها حرباً شعواء نادراً جداً ما تنتصر فيها.

 سرعان ما انتشر هاشتاغ “مستورة” في مجموعات “فايسبوك” المخصصة للنساء اليمنيات فقط، إذ ترسل العضوات قصصهن إلى إحدى المشرفات على المجموعة لضمان الخصوصية وعدم الكشف عن هوية المرسلة، وتنشر المشرفة هذه القصص تحت عنوان “مستورة”، ما يعكس مدى الرعب الذي تعيشه هؤلاء النساء، والوهن الذي يمنع كثيرات من اللجوء إلى مختصين لمعالجة مشكلاتهنّ الأسرية والنفسية.

 عنف مجتمعي
“أنا متزوجة منذ 6 سنوات واكتشفت أن زوجي يخونني. واجهته بالأمر، رغم أن الأدلة كانت بحوزتي إلا أنه أنكر ذلك تماماً وبعدها حلف لي أن يتغير ويقطع علاقته بها، وبعد فترة زادت بيننا المشاكل وعرفت أنه مستمر بعلاقته معها… يحذرني أهلي ألا أهدم بيتي وبخاصة أن لدينا أطفالاً وأنا لا أملك عملاً يقيني العوز والذل ولكني لم أعد أقوى على احتمال هذه الحياة معه… ماذا أفعل؟”.

كثيرات هن المستورات اللاتي يشكين خيانات أزواجهن. بعضهن تتعدى قصصهنّ مجرد الشك فيجدن أدلة واضحة على علاقات أزواجهن بأخريات وعندما لا يجدن حلاً منصفاً من أهاليهن أو حتى تفهماً، يلجأن إلى الفضفضة على “فايسبوك”. ولكن الصادم هو ردود نساء يعرفن وجع الخيانة والخذلان، ويعرفن هذا المجتمع أيضاً بكل قساوته، يذهبن إلى جلد المرأة الشاكية وتحميلها الذنب، ومعظم ردود الفعل تكون عنيفة.

في القصة السالفة سخرت كثيرات من الشاكية، واعتبرن مشكلتها تافهة فالشرع يحلل للرجل أربع زوجات. ونصحتها أخريات بأن تتجاهله وتعيش معه لأجل أولادها، أما أكثر الردود غرابة فكانت اتهامها بالتقصير ومطالبتها بصبغ شعرها بلون جديد وتغيير ملابسها ووضع عطر دائماً وهكذا ستستطيع غواية زوجها وصرف ذهنه عن الخيانة!

تروي هؤلاء النساء قصصهن التي غالباً ما يكون الرجال فيها أبطال الشر، الذين يتولّون تحطيم الحياة والأمل والطموح.

تحصر هؤلاء النساء العلاقة الزوجية بالفراش، ولامت مشاركات الزوجة المطعونة، لأنها لا تقوم بواجباتها الزوجية بالشكل المطلوب، وبنظرهن الخيانة طبيعية! هذا ما يضعف ثقة المرأة بنفسها فتشعر بانها بالفعل السبب وراء خيانة زوجها مثلاً، أو قسوة أبيها وأهلها.

ولا شك في أن هذه الردود تؤثر أيضاً في عضوات المجموعة الأخريات اللاتي يتابعن هذه المنشورات، فتساهم في تكريس الفكر الذكوري، الذي يضع المرأة دائماً في مرمى الاتهامات. وفي استطلاع صغير أجري في إحدى هذه المجموعات عن مدى تأثر النساء بقصص المستورات وأسباب تفضيل النساء اللجوء إلى “فايسبوك” بدلاً من الذهاب إلى مختص نفسي واجتماعي، تقول أمل المصباحي، عضوة في إحدى مجموعات النساء على “فايسبوك”، إن “الواقع الذي نعيشه يفرض علينا الكتمان وعدم الشفافية لخوفنا من ردود الفعل التي ستواجهنا إذا ما فضفضنا في مكان آخر، أنا أتعاطف مع كل مستورة تنشر قصتها وأحزن ويصيبني قلق وأهتم بقراءة كل التعليقات”. 


تشاركها أم ليان، عضوة في إحدى المجموعات على “فايسبوك”، الرأي وتضيف: “تشارك النساء قصصهن هنا بدافع الفضفضة أو بحثاً عن حلول أو دعم، لأن المرأة لم يعد لها ملجأ آخر. فالأهل غالباً ليسوا سنداً لابنتهم، وبدل مساعدتها، يظلمونها. وهؤلاء النساء يحتجن غالباً إلى الوعي والمساعدة في تحليل المشكلة ومعالجتها. ولا أرى ضرراً في أن تحكي النساء مشاكلهن في مجموعاتنا، على الأقلّ يساهم ذلك في التخفيف عنهنّ من دون كشف هوياتهنّ”.

أروى عبد المالك، عضوة في إحدى المجموعات، تقول إنها لا تؤيد فكرة “مستورة” فغالباً ما يكون هنالك تضارب في التعليقات فكل واحدة تحلل المشكلة بحسب تجربتها الشخصية ما يدخل الشاكية في دوامة حيرة وضغط، وتؤكد أروى أن مثل “هذه المشكلات لا بد من حلها لدى مختصين”. 

سبب ابتكار “مستورة”
هويدا الشيبة، مختصة نفسية، توضح أن “التنشئة الاجتماعية هي السبب وراء الخوف من العيب والخطأ الذي يظل شبحاً يلاحق الفتيات، فيعانين من صعوبات في البوح، لا سيما حين يواجهن مشكلات زوجية أو جنسية. وعندما لا تستطيع المرأة التعامل مع هذه المشكلات بمفردها، فهذا يسبب لها ضغوطاً نفسية. ويبدو أن “فايسبوك” شكّل ملاذاً آمناً ليمنيات كثيرات للتعبير عن مشكلاتهنّ والشعور بشيء من الراحة النفسية”.

تحصر هؤلاء النساء العلاقة الزوجية بالفراش، ولامت مشاركات الزوجة المطعونة، لأنها لا تقوم بواجباتها الزوجية بالشكل المطلوب.

وترى الدكتورة أحلام فاضل أن “كثيرات يجدن صعوبة في التواصل مع مستشارين لعدم معرفتهن بالجهات الخاصة التي من شأنها تقديم استشارات نفسية أسرية، من ضمنها الخط الساخن المجاني 136”. وتشير إلى أن “عدم ثقة النساء بسرية هذه الجلسات أو عدم استغلال المعلومات ضدهن يمنعهن من اللجوء إلى المختصين، إضافة إلى الخوف من ان يُقال عنهن مريضات، أو يوصف لهنّ دواء يسبب إدماناً ما. وهذه كلها معطيات خاطئة تنتشر في المجتمع الذي يعتبر زيارة طبيب نفسي مثلاً وصمة عار”.

 من السهل جداً عرض المشكلة باسم مجهول على “فايسبوك” والاستفادة من آراء الأخريات لإيجاد حل وربما قد يعطي ذلك “المستورة” شعوراً بأنها ليست وحدها، مثلها مثل أي امرأة… تجارب القهر تتشابه في أماكن كثيرة. لجوء النساء إلى “فايسبوك” ومنصاته السرّية، يعكس هشاشة المجتمع كله وظلم قوانينه وتقاليده وثقافته، فهو غير قادر على حماية نسائه اللواتي يبكين من خلف الشاشات بحثاً عمّن يسمع.

إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص