مع اقتراب ذكرى اغتيال قاسم سليماني الجنرال السابق لفيلق القدس، يزداد التوتر الإيراني - الأميركي يوماً بعد يوم، في ظل إعلان الجيش الأميركي استعداده لمهمة عسكرية محتملة، فيما تحذر طهران من الرد بقوة.
وكان الرئيس دونالد ترامب اتهم إيران بأنها وراء الهجوم الصاروخي على السفارة الأميركية ببغداد قبل أيام.
وقال مراقبون إن «الرئيس دونالد ترامب يحاول توتير الأجواء مع إيران لأهداف أخرى، منها توريط إدارة بايدن الجديدة في أزمات حادة، وصرف الأنظار عن خسارة ترامب».
وحذرت وزارة الخارجية الإيرانية الولايات المتحدة من إثارة التوتر وارتكاب أي مغامرات خطيرة في الأيام الأخيرة لإدارة ترامب في البيت الأبيض. وأضافت: «رد إيران على الإجراءات الأميركية سيكون واضحا وشجاعا».
والأربعاء، نشر الجيش الأميركي مقطعاً مصوراً، يظهر تدريبات تقوم بها قوة تابعة للبحرية أو ما يُعرف بـ«المارينز»، مشيرا إلى أنها بمنزلة استعداد وتحضير لعملية قادمة.
سيناريو الاجتياح
ووسط التهديدات المتبادلة بين إيران وأميركا يقبع العراق، الذي أعلنت سلطاته، اليوم، أن عاصمته «بغداد تحت السيطرة»، لكن المعطيات المتلاحقة في الفترة الأخيرة تشير إلى أن العاصمة أبعد ما تكون عن السيطرة والأمن، فما إن يتجاوز السكان مخاوفهم من صواريخ تطول البعثات الدبلوماسية حتى تأخذهم حالة من الرعب مجدداً، نتيجة تلويح ميليشيا باجتياح العاصمة.
خرجت السلطات العراقية لتطمئن أن بغداد آمنة، بعد انتشار مسلحين من ميليشيا «عصائب أهل الحق»، المدعومة من إيران، وذلك بعد تحذيرات أطلقتها قيادات في «العصائب» من احتمال حدوث فتنة وتصعيد في الخطاب، على خلفية الأحداث التي شهدتها بغداد، ليل الجمعة – السبت، بعد اعتقال قوة أمنية قيادياً في الميليشيا، يدعى حسام الأزيرجاوي، وعدداً من مساعديه شرقي بغداد، بتهمة التورط في قصف المنطقة الخضراء بصواريخ «كاتيوشا»، ما دفع الحكومة إلى تعزيز أمن العاصمة بقوات إضافية انتشرت في أغلب المناطق.
وقال المواطن أسعد البياتي، وهو من أهالي بغداد، إن «الوضع مقلق للغاية، والانتشار العسكري، والحديث عن فتنة وصدامات متوقعة يثير مخاوف الأهالي»، مبيناً أن «المشكلة في هذا التوتر أن الحكومة لا تمتلك زمام الأمور، بل تحاول تجنّب الصدامات، في وقت لا يمكن فيه ضبط الفصائل المتفلتة».
وأشار إلى أن «هذا الوضع ستكون له تداعيات خطيرة، إذا لم تستطع الحكومة فرض هيبة الدولة على العاصمة، وإنهاء المظاهر المسلحة»، محمّلاً الحكومة «مسؤولية توفير الحماية للأهالي».
ملثمون مسلحون
وانتشر على مواقع التواصل الاجتماعي مقطع فيديو يظهر فيه مسلحون ملثمون يهددون باستهداف من وصفوهم بـ«عملاء أميركا».
وقال مسلح ملثم إنهم رهن إشارة «زعيم العصائب الأمير قيس الخزعلي»، وفق تعبير المسلح. وكان الخزعلي أشار إلى إمكانية استهداف السفارة الأميركية في بغداد. وقال إن «وقت الرد لم يحن بعد».
ورداً على خطوة «العصائب»، حذّر رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي من زج العراق في «مغامرة عبثية»، مؤكداً ان حكومته مستعدة لما أسماها «المواجهة الحاسمة».
وأجرى في ساعة متأخرة من الليل جولة في بغداد، وسط انتشار أمني مشدد، محاولاً طمأنة المواطنين. حين تولى الكاظمي منصبه، توقّع كثيرون أن قربه من واشنطن وطهران، وخلفيته في الاستخبارات، سيعينانه على منح «مدينة الرشيد» سلاماً وأمناً، كان سكانها بحاجتهما منذ سنوات، إلا أن تشظّي الدولة ما بين حكومة ضعيفة وميليشيات متنفّذة مدعومة من إيران يجعل الاستقرار حلماً بعيداً.
مصادر عراقية أشارت إلى تدخل مستشار الأمن القومي قاسم الأعرجي ورئيس تحالف الفتح هادي العامري لتهدئة الموقف والتحذير من جدية تهديد الكاظمي أرغم الخزعلي على التراجع وتوجيه مسلحيه بعدم التصعيد والانسحاب من الشوارع، لكي لا تخرج الأمور عن السيطرة.
وأعلنت «العصائب» بعد تحذير الكاظمي أنها قررت «تغليب صوت العقل والحكمة»، وأفاد الخزعلي بانتهاء الأزمة بين حركته والحكومة على خلفية اعتقال قيادي. وتابع: «ما حصل من اعتقال أحد أفراد الحشد الشعبي بتهمة كيدية جرت معالجته بالعقل والحكمة».
وأردف: «نجدد التزامنا بالدولة ومؤسساتها، وفي الوقت نفسه، نؤكد حق المقاومة في إنهاء وجود القوات الأميركية، مع الحفاظ على هيبة الدولة بعدم استهداف البعثات الدبلوماسية». وكانت هيئة «الحشد» شكلت لجنة للتحقيق في قصف المنطقة الخضراء، الأحد، وأوصت باعتقال ثلاثة، بينهم قيادي كبير في «العصائب».
واشترطت «العصائب» لترك مواقعها أن تفرج السلطات عن معتقلها خلال 48 ساعة، إلا أن الكاظمي رفض تحقيق هذا الطلب قبل انتهاء التحقيقات وصدور قرار قاضي التحقيق حول مصيره.
خطة مسربة
على صعيد مواز، تناقلت وسائل إعلام عراقية ما قالت إنها «وثيقة أمنية مسرَّبة» عن خطة لميليشيات موالية لإيران، لاستهداف قاعدة أميركية في بغداد، بالتزامن مع الذكرى الأولى لمقتل سليماني.
ونشرت وسائل إعلام محلية نسخة من الوثيقة الصادرة من وزارة الداخلية، تتحدث عن «نية عناصر خارجة عن القانون استهداف قاعدة عسكرية أميركية قرب مطار بغداد بواسطة صواريخ متطورة».
وزعمت «الوثيقة» أن توقيت الهجوم سيكون قبل يوم الثالث من الشهر المقبل، وهو التاريخ ذاته الذي قتل فيه سليماني والقيادي في الحشد الشعبي أبو مهدي المهندس، خلال ضربة جوية أميركية قرب مطار بغداد، العام الماضي.
وأشارت إلى أن المنفذين كانوا يخططون لشن الهجوم من منطقة الشيحة التابعة لقضاء أبو غريب المحاذي لمطار بغداد.
الغواصات تتحرك
من جهته، أكد الجيش الإسرائيلي، الجمعة، أن تل أبيب تراقب تحركات إيران في المنطقة، متوقعا أن يأتي الخطر من العراق واليمن، ومؤكداً أن الغواصات الإسرائيلية تبحر إلى «أماكن مختلفة بعيدة وقريبة».
وقال هيداي زيلبرمان، الناطق بلسان الجيش الإسرائيلي إن «إيران قد تهاجم إسرائيل من العراق أو من اليمن»، مضيفاً: «لدينا معلومات أن إيران تطور هناك طائرات مسيرة وصواريخ ذكية تستطيع الوصول إلى إسرائيل».
ولفت زيلبرمان إلى أن «قائد الأركان الإسرائيلي أفيف كوخابي عندما حذر إيران من الإقدام على أي هجوم، قصد العراق واليمن، وعندما تحدث عن دائرة الدول الثانية كان قصد الدائرة الأولى لبنان وسوريا»، لافتاً إلى أن «إيران كانت قد هاجمت منشآت أرامكو السعودية في سبتمبر 2019 من اليمن والعراق وإيران مستخدمة عشرات الطائرات المسيرة والصواريخ الموجهة عن بعد بدون أن يكشفها أحد».
وقال: «هذا يدل على قدرة إيرانية كبيرة في هذا المجال»، مؤكداً أن «الأمر قد يعاد فعله انطلاقاً من تلك المواقع ضد إسرائيل، لذلك عينها على العراق واليمن أخيراً». وردا على سؤال حول عبور غواصة إسرائيلية قناة السويس متجهة للبحر الأحمر وربما إلى الخليج، قال إنه لا يؤكد هذا الأمر، إلا أنه لا ينفي أن يكون سلاح البحرية الإسرائيلي يعمل في كل مكان، مشيرا إلى أن «الغواصات الإسرائيلية تبحر وبهدوء إلى أماكن مختلفة بعيدة وقريبة».
*عن القبس الكويتية