المستقبل اونلاين، قناة الحرة:
"ساعدوا فتاة عدن"، وسم أطلقته مجموعة من الجهات الحقوقية والناشطين عبر موقع "تويتر"، لتسليط الضوء على جريمة وحشية نفذها زوج يمني بحق زوجته الثالثة، حيث عمد إلى إحراقها بمادة الأسيد، في ظل مخاوف من إطلاق سراحه وعدم إدانته لغياب القوانين الرادعة.
الجريمة وقعت في مارس عام 2020، والضحية هي الزوجة فاطمة ابنة 26 عاماً، في منطقة عمر المختار بمحافظة عدن (جنوبي اليمن)، ولم يتم الإعلان عنها، إلا قبل أيام قليلة، بعد أن أطلق اتحاد نساء اليمن وناشطين آخرين، حملة واسعة للضغط على القضاء الناظر بقضية الزوج الموقوف على ذمة التحقيق، وإعادة ابنة الضحية لها، فضلاً عن تأمين كلفة العلاج اللازم لها.
"الجريمة الشنيعة"
وقالت الضحية فاطمة، في حديث لموقع "الحرة"، "تزوجت عام 2012 من رجل خمسيني لديه زوجتين وأبناء، لتتحول حياتي إلى جحيم، إذ كان يضربنا، ويجبرنا على التزين من أجل "مد الفراش" (المعاشرة الزوجية)، إلى حين إصابتي بإلتهاب في العين اليمنى ورفضي وضع المكياج والسهر معه ليلاً".
وأضافت أنّه "في احدى الليالي، قام بوضع مادة الأسيد في عيني بعدما أقنعني بأنّه دواء عربي، لانزعاجه من رفضي معاشرته وأنا كنت أعاني من وجع عيني وكنت في بداية حملي، وما هي إلا لحظات وفقدت بصري الكامل، ليعود بعدها ويضربي على وجهي حتى الإغماء، ومن ثم عمد إلى إجهاض الجنين عبر ركلي بقدميه".
فاطمة التي لم تتلق العلاج بعد إجهاضها وحرق عينها، أدخلها زوجها بالقوة إلى غرفة النوم واحتجزها لمدة أسبوعين دون طعام وشراب، حتى الليلة اليي دخل زوجها و"مدّ الفراش"، طالباً منها السهر معه، إلا أنّها رفضت وطلبت منه الدخول إلى الحمام، فرمى الأسيد على رأسها حارقاً جسدها بالكامل، على حد قولها.
وتم ترك الضحية يوماً كاملاً في الحديقة تحت أشعة الشمس غائبة عن الوعي، إلى أنّ انتبه لها أحد الجيران وأبلغ الشرطة، التي تدخلت بعد 24 ساعة، ملقية القبض على الجاني.
"حرمانها من ابنتها"
وذكرت فاطمة أنّ "زوجها يحصل على ما يريده في السجن لأنه صاحب نفوذ كبير، مشيرةً إلى أنّ كل ما تريده هو الحصول على ابنتها (9 أعوام) التي منعت من رؤيتها منذ وقوع الجريمة بضغط من أولاد الزوج، علماً أنّ الضحية تقطن بمنزل خالتها في محافظة عدن، وتعتاش من راتب والدتها، التي كانت تعمل في ميناء عدن قبل أنّ تتقاعد، وقدره 40 ألف ريال يمني في الشهر (حوالى 150 دولاراً أميركياً).
"محاولات لإخلاء سبيل الجاني"
قضائياً، كشف مصدر قضائي يمني، لموقع "الحرة"، أنّ "الزوج في سجن شبوة (جنوبي اليمن)، وهو موقوف قيد التحقيق ولم تتم محاكمته بعد".
وكشف المصدر عن "محاولات للضغط على المحكمة وإخلاء سبيله، إلا أنّ متابعة اتحاد نساء اليمن للقضية منع صدور أي قرار بالإفراج عنه".
وأكّد المصدر أنّ الزوج حاول استخدام معارفه الشخصية، لكي يحصل على إخلاء سبيل، ويبدل الوقائع لاتهام الزوجة بإحراق نفسها.
"الزوج موقوف على ذمة التحقيق ولم تتم محاكمته بعدتكلفة العلاج"
وعن كيفية تأمين تكلفة العلاج، قال الناشط اليمني، أحمد الرعب، في حديث لموقع "الحرة": "منذ أربعة أيام، علمت بحالة فاطمة، وهي بوضع صحي سيء للغاية، واستطعنا تأمين مبالغ تؤمن علاج الضحية لمدة 9 أشهر تقريباً، حوالى 500 دولار أميركي، إذ أنها بحاجة لعلاج الليزر ومراهم عدةّ".
وأوضح الرعب أنّ "الضحية تعاني من حروق بمادة حمضية حارقة بنسبة 14 في المائة، من الدرجة الثانية، وفي مناطق الوجه والعين وفروة رأس"، بحسب ما نقله عن أحد التقارير الطبية الموجودة في ملف المحكمة.
وعلّقت المحامية هدى الصراري، على حادثة فاطمة بالقول إنّ "الجريمة لم يعلن عنها إلا من خلال المدافعين عن حقوق الانسان حينما تأكدوا أن القضاء اليمني لن يجدي نفعا ولن يعطيها حقها، وربما يطلق سراح الجاني دون عقاب، إذا تمكن من تزوير الوقائع خصوصا أن الزوجة في هذه الحالة ضعيفة ولا تمتلك الدفاع القانوني المطلوب".
وعن التجاوزات التي تعاني منها المرأة اليمنية، قالت الصراري، في حديث لموقع "الحرة": "هناك ازدياد لمعدل الجرائم والانتهاكات التي تواجهها النساء والفتيات مؤخراً في ظل الوضع السياسي لليمن والنزاع المسلح وانعدام وجود الدولة، فضلاً عن توجه المنظمات لبرامج الإغاثة، ما جعل النساء في خطر عدم احترام مبادئ القانون الدولي الإنساني وقانون حقوق الإنسان".
"القانون يعزز العنف الأسري"
واعتبرت الصراري أنّ "النصوص القانونية التمييزية عززت العنف الأسري وأعطت الحق لولي الأمر ( أب / زوج / أخ / أي الوصي ) بتعنيفها دون اتخاذ أي إجراءات قانونية لمعاقبة المنتهك، وأبرزها قانون الأحوال الشخصية اليمني رقم (20) عام 1996 الذي ينص على أن لولي أمر الفتاة تزويج ابنته وهي لم تبلغ بعد السن القانوني للزواج، وهذا شكل من أشكال العنف".
وبحسب المحامية اليمنية، لا توجد في البلاد محاكم متخصصة لقضايا الأسرة للفصل السريع في دعاوى الأحوال الشخصية ومتابعة تنفيذ الأحكام الخاصة بها، فضلاً عن وجود شروط تعجيزية لحصول الطلاق أبرزها خسارة الحضانة.
وفي قانون الجرائم والعقوبات اليمني تشرعن بعض النصوص القانونية الجرائم الذي تحدث من قبل الأباء أو الأزواج تجاه النساء والفتيات كالمادة (59) الذي تنص على "لا يقتص من الأصل بفرعه وانما يحكم بالدية..
على حسب الأحوال "، وهذه المادة ساعدت على التمادي في ارتكاب جرائم القتل والتعذيب من قبل الأباء للفتيات والأطفال فالقانون لا يعاقب بشكل رادع وانما يدفع الأب غرامة القتل للتملص من جريمته، بحسب الصراري.
وأشارت إلى "المادة (232) التي تجيز قتل الزوج زوجته ومن يزني بها حال تلبسها، وهي التي باتت دافعاً لممارسة القتل والتعذيب للنساء من قبل أزواجهن وأولياء أمورهن فعندما يرتكب الزوج هذا الجرم يتهرب من العقوبة بالادعاء انه يدافع عن شرفه أو القدح بأخلاق زوجته".
وبحسب الصراري، حتى جرائم الاغتصاب التي تتعرض لها النساء والفتيات يتم تكييفها بشكل خاطئ بحيث تلقي بالمسؤولية على المرأة وينال المنتهك عقوبة مخففة أو يحكم القاضي تزويجه ممن اغتصبها إذا كانت الضحية لم يسبق لها الزواج.
وختمت بالقول إنّ "في معظم الجرائم الذي حدثت وتحدث لا يعاقب المجرم أيا كان خاصة في جرائم العنف الأسري نتيجة العادات والتقاليد اليمنية التي أثرت على صياغة القوانين، فلا يوجد باليمن قانون يجرم العنف تجاه النساء والفتيات الأمر الذي ساعد في تفاقم احصائيات العنف الممارس ضد النساء في اليمن.
"نشر صور الجرائم على الشبكات الإجتماعية"
بدورها، اعتبرت الناشطة النسوية، بسمة ناصر، في حديث لموقع "الحرة"، أنّ "الجرائم بحق المرأة اليمنية لم تتزايد بل أصبح يكشف عنها وتظهر للرأي العام، فعندما نقول تتزايد فهي لا تعبر عن الواقع البشع التى تعيشه المرأة والطفلة اليمنية".
وشددت ناصر، المقيمة في فرنسا، على أنّ "المرأة اليمنية لن تستطيع انتزاع حقوقها إلا في ظل قوانين وضعية ونظام علماني يفصل الدين عن الدولة، ويحقق المساواة للجميع، أما في ظل دولة تحتكم بقوانينها للدين وفي مجتمع ذكوري أبوي متدين قبلي طبقي عنصري طائفي مناطقي، ستبقى المرأة في أسفل السلم تعامل كتابع، ليس لها قيمة كإنسان مستقل".
وبالعودة إلى المحامية الصراري، فقد ثمّنت نشر صور الجرائم والانتهاكات على مواقع التواصل الاجتماعي لحشد الرأي العام المحلي والمنظمات الدولية الراعية لحقوق النساء والفتيات، معتبرةً أنّها "خطوة اتخذها المدافعين/ت عن حقوق الإنسان لتحريك المياه الراكدة وللفت النظر لهذه الجرائم والممارسات الذي لا تلقى مناصرة كبيرة في سياق الشأن اليمني نتيجة الحرب الذي القت بظلالها القاتمة على الوضع الإنساني والحقوقي للنساء".