بعيداً عن اللغط والخوض في صغائر الأمور ها قد أدت حكومة المناصفة بين الجنوب والشمال، اليمين الدستورية أمام الرئيس الشرعي عبد ربه منصور هادي في مقر إقامته بمدينة الرياض، واعتبر الحدث -رغم طبيعته البروتوكولية- خطوةً مهمة على طريق انتقال الحكومة إلى عدن لأداء مهماتها التي لا يمكن الاستهانة بجسامتها وجديتها.
ولقد أشفقت على بعض الوزراء الذين خرجوا من التشكيلة السابقة فانهالوا بتصريحاتهم أو من خلال الناطقين باسمائهم لعنا وشتما وتعزيراً برئيس الحكومة وبالرئيس هادي نفسه، وتساءلتُ كيف يتباكون على معركة يرغب الكثيرون في الخروج منها، ولا يمكن أن يربح فيها إلا من كان فاسداً أو عابثاً أو ذا أجندة مشبوهة أو شخصية.
الحكومة الجديدة هي حكومة إدارة الجنوب اعترفنا بذلك أم لم نعترف، ومع الجنوب الأجزاء المحررة من محافظتي تعز ومأرب، إذا ما سُمح لوزرائها الوصول إلى تلك المناطق والتفتيش في مكاتب وزاراتهم وماذا تعمل وماذا لم تعمل، ومن هذا المنطلق فإن التطلعات والآمال التي يعلقها المواطنون على هذه الحكومة لا حدود لها، لكنها مشروعة ومعقولة وليس فيها ما هو تعجيزي أو خرافي.
إن إيقاف حرب الخدمات وتوفير متطلبات الحياة البسيطة للمواطنين هي معيار النجاح أو الفشل لوزراء الحكومة الجديدة، فمن نجح في مهمته فهو من سيكون محل تقدير واحترام المواطنين بغض النظر عن المكون السياسي الذي يمثله، ومن فشل في مهمته فسيكون الحكم عليه للمواطنين وحدهم.
لا أرغب ولم أرغب قط في تقمص دور الناصح أو الواعظ إيمانا بأن من يتولى مهمة، يدرك حتما حجم التحدي الذي ينتصب أمامه، لكنني ومن منطلق إدراكي لجسامة التحديات التي تنتصب أمام أعضاء الحكومة ورئيسها، أقول لهم: إن المنصب واللقب لا يمكن أن يضيفا شيئاً لأي منكم ما لم يكن كل منكم جاهزاً لخوض معركة البناء وتلبية حاجات الحياة اليومية للناس، فوسائل النجاح قائمة ومتوفرة لكنها مرهونة بتوفر الإدراك والإرادة والمهارة في الأداء، وعوامل الفشل والإخفاق قائمة، وأهمها الخضوع للأجندات الحزبية والانغماس في أوحال الفساد وأبوابه المشرعة منذ عقود، فمن أراد الأولى فليتبعها ومن أراد الثانية فله خياره لكن التاريخ لن يرحم من تخلى عن الناس الذين راهنوا عليه وعلقوا آمالهم على صدقه وشعوره بالمسؤولية، فخذلهم وانصرف إلى تنفيذ أجندات غير ما يتعلق بضمير المهنة وشرف الخدمة ونزاهة الأداء.
منذ أيام كنت قد كتبت بأن المواطنين في عدن والجنوب لا يهمهم انتماء الوزير أو لقبه أو قبيلته أو محافظته بقدر ما يهمهم انتظام الخدمات الضرورية، كالكهرباء، مياه الشرب النقية، الخدمة الطبية، فتح المدارس وانتظام التعليم، انتظام صرف المرتبات والمعاشات التقاعدية، وقف التهريب وشن الحرب على المخدرات والأدوية المغشوشة أو المقلدة، مكافحة الجريمة والمحاربة الجادة للإرهاب والجماعات الإرهابية، تفعيل القضاء والنيابة العامة ومحاكمة كل المقبوض عليهم تحت أية تهمة كانت، وإنهاء المنازعات بجميع أشكالها، وقف البسط على الأراضي والحرب على العشوائيات التي أساءت إلى جماليات المدينة وأضرت بالمعالم التاريخية والآثار والممتلكات الخاصة والعامة،... وغيره الكثير والكثير.
فهل تجدون في أنفسكم القدرة على التصدي لهذه التحديات التي لا وجود لها في معظم بلدان العالم، بما في ذلك العالم النامي؟
ذلك هو معيار النجاح والفشل
ولكم التوفيق
*من صفحة الكاتب على الفيس بوك