هذه الحرب سرقت منا الكثير من أحبائناوأحلامنا، صادرت الأمان الذي كنا نأوي إليه، لقد مرت على بيوت اليمنيين وقلوبهم وتركتها مثقوبة بالفقد والخذلان؛ لكنها لم تسرق منّا إنسانيتنا ولن تفعل، من أجل من ستكتب عنهم هذه الصفحة نستطيع أن نفعل الكثير إن لم نك من أصحاب المال نستطيع أن نوصل معاناتهم لأصحاب المال عن طريق إعادة النشر.
حررها خاص للمستقبل اونلاين / فجر سالم
يبيع للأطفال البالونات الملونة، مدخلاً شيء من الفرح الى قلوبهم، وهو يعتصر وجعاً والماً ويسير حافي القدمين، باحثاً عن ما يسد به رمقه واشقائه الأربعة.
لم يجد غير بيع البالونات والرقائق السمسم، سبيلاً الى الحصول على ثمن الخبز، وفقط الخبز الجاف.
"عبدالله" الذي يبلغ من العمر 12 ربيعاً، يتجول في حديقة الألعاب بمدينة ذمار، لعل احداهم يشتري منه بالونه لطفله، وهو الطفل اليتيم الذي لم يحصل على فرصة جيدة للتعليم، فقد اغلقت امامه كل طرق العيش الكريم، بعد وفاة والدة، العامل بالأجر اليومي، قبل نحو عامين، ليبدأ منذ ذلك التاريخ مع شقيقه الاكبر 14 عاماً، رحلة يومية للحصول على الخبز تمتد من الصباح الباكر حتى العصر للحصول على مبلغ يتراوح بين "300-500"ريال.
لهذا الطفل حكاية التصقت كثيراً بالمعاناة، فالمنزل الذي يقطنه فقط غرفة واحدة ينام مع اشقائه الاربعة في زاوية منها ويطبخون في الزاوية الاخرى, بمنطقة هران شمالي مدينة ذمار، وهي كل ما يملكون، فقد اختطف الموت والدهم ولم يكمل بناء المنزل باستثناء غرفة واحدة، تعمل والدته في جمع العلب الفارغة مع شقيقة الأكبر، وهو يبيع البالونات ورقائق السمسم او ما يطلق عليه محلياً "المجلجل"، امام بعض المدارس بالمدينة، وفي الايام الحارة يبيع المياه المثلجة في إحدى التقاطعات الرئيسية بمدينة ذمار.
تحمل عيناه، تفاصيل كثيرة وعبارات متخمة بالألم والبؤس، ويتقاسم مع العشرات من الأطفال ذات تفاصيل الوجع، باستثناء ان لديهم حذاء وهو يجوب الشوارع ويذرع الأحياء
حافي القدمين بعد اغلاق الحديقة الألعاب الوحيدة بمدينة ذمار "اللؤلؤة" وتوقف الدراسة ، يعمل "عبدالله" مساعد بائع مياه معدنية في تقاطع شارع الجمارك وسط مدينة ذمار، للمسافرين والمارة، ويحصل مقابل عمل يمتد من التاسعة صباحاً وحتى الثالثة عصراً على الف ريال، مبلغ يراه "عبدالله" مناسب لشراء زبادي وخبز وإن زاد يشتري علبة "فاصوليا". قال لي ضاحكاً: الفول والفاصوليا والبرعي، يشتريها الناس صبوح او عشاء، واحنا نشتريها غداء.
لا يتذكر "عبدالله" متى تذوق فيها طعم اللحم، وأخر عهد له بذلك في عيد الأضحى الماضي، عندما أهداه أحد فاعلي الخير، 2 كيلو من اللحم، ويسرد قصة موجعة في تاريخه الشخصي البأس اساساً، وقال: كنت ابيع المجلجل أمام المطعم، وأحد الزبائن أعطاني ما تبقى من أكله "رز ودجاج وطبيخ", عدت مسرعاً الى البيت، استقبلتني امي وعندما شاهدت ما بيدي، رمته , وضربتني بشدة "محناش مطلبين " كانت تردد هذه العبارة وهي تضربني وتبكي، معتقدة أني تسولت ذلك الأكل، منذ ذلك اليوم، وانا لا ابيع أمام أي مطعم. منذ عامين، تعلم هذا الطفل الكثير من الحياة وقساوتها، وخبر جيداً معادن البشر، فمنهم من سانده واشترى منه، ومسح على رأسه وسعى إلى إسعاده، منهم من نهره ودفعه بعيداً عن اطفاله، عندما اقترب منهم ليبيع لهم "البالونات الملونة".