دبت العافية مجدداً في جسم العلاقات السعودية الأمريكية، وتجاوزت المملكة إحدى أهم التحديات التي رافقت مهمتها بالغة التعقيد في اليمن.
لكن اليمنيين لا يزالون يواجهون التحديات نفسها المرتبطة بالأداء المرتبك والمتردد وغير المفهوم للتحالف في بلادهم.
من الطائرة التي أقلته إلى الرياض في مستهل الجولة التي قام بها إلى المنطقة الأسبوع المنصرم، تحدث وزير الدفاع الأمريكي جيمس ماتيس بحماس عن العلاقات الأمريكية السعودية، وأطلق تحذيرات لإيران، ولامس المخاوف السعودية بشأن استمرار إطلاق الصواريخ من الأراضي اليمنية من جانب ميلشيا الحوثيين العملية لإيران.
لكن هذا الوزير أعاد طرح الأجندة الأمريكية ذاتها حيال الأزمة اليمنية، فأولويات بلاه هي إعادة طرح الملف اليمني على طاولة مفاوضات أممية.
لا نحتاج في الحقيقة إلى جهد شاق لنكتشف بأن الأولويات الأمريكية ما تزال كما كانت طيلة الفترة الماضية، متجهةً بشكل كامل نحو مواجهة ما تسميه واشنطن "الإرهاب"، حيث يترسخ لدي ولدى العديد من المراقبين اعتقادٌ بأن المشاورات المقبلة بين الحكومة والمتمردين لن تكوى سوى مجرد غطاء لإعادة هندسة المشهد السياسي بما يضمن إعادة توزيع القوى الفاعلة في هذا المشهد، مع شرط مسبق بإقصاء لا يقبل الجدل للإسلاميين.
ليست هناك ضمانات حتى الآن بإمكانية أن تقوم الإدارة الأمريكية الحالية بإعادة منح الحوثيين فرصة جديدة للاستفادة من العملية السياسية التي تصر عليها كسبيل للحل في اليمن، على الرغم من التصريحات القوية الصادة عن كبار المسئولين الأمريكيين ومنهم وزيرا الخارجية والدفاع تجاه إيران التي تعتبر المستفيد الأول من تقوية نفوذ ميلشيا الحوثيين الطائفية المسلحة في اليمن.
لا أجد دليلاً مقنعاً أكثر من رؤية الرئيس وحكومته قادرين بالفعل على التصرف بحرية كاملة في الأراضي التي تحررت من سلطة الانقلابيين، ولم تحرر بعد من أوهام ونزعات عديدة توسعية وانفصالية ومناطقية، وقادرين أيضاً على إدارة البلاد انطلاقاً من العاصمة السياسية المؤقتة بدون قيود أو تحديات.
أكثر من أي وقت مضى يجد الرئيس عبد ربه منصور هادي نفسه محكوماً بضرورة البقاء في الرياض ومعه أيضاً رئيس الوزراء، في ظل التوتر الطافي على السطح بين السلطة الشرعية ورموزها من جهة، وبين أبو ظبي من جهة أخرى، في وقت تتحول فيه العاصمة السياسية المؤقتة شئياً فشيئا إلى مجرد معسكر كبير لكتائب بألوان مناطقية صارخة ورايات متعددة، وإلى متاهة من السجون التي ما أن يدخلها المطلوبون حتى تنقطع صلة بعضهم بالحياة والكرامة.
هذه الوضعية البائسة التي كرسها التحالف العربي، والقوة الثانية في هذا التحالف على وجه التحديد، لا تؤشر بأي حال من الأحوال إلى أن ثمة تطابق بين الأهداف المعلنة لهذا التحالف وبين ما يجري على الأرض.
فأبو ظبي تعمل باتساق كامل مع الأهداف الأمريكية، وهي أهداف لها علاقة بمواجهة ما يسمى "الإرهاب" ذي السمت السني الواضح، وليس بتمكين اليمنيين من استعادة دولتهم، لذلك تمضي قدماً في إنفاذ أجندتها في ظلال هذه الذريعة المراوغة، التي باتت تثير العديد من الأسئلة حول مصداقية أجندة مواجهة الإرهاب نفسها.
ففي ظل هذه الانتقائية التي نلحظها في قائمة الأهداف الامريكية الإماراتية، يجري تجاهل أو استثناء العناصر المحسوبة على "داعش" تماما كما شهدنا في منطقة تكلا.
فعلا مسافة قريبة من المكان الذي هاجمه الأمريكيون تتواجد عناصر من داعش قدمت من المحافظات الجنوبية، ضمن تسوية على ما يبدو. وأكثر ما يعزز فرضية التسوية هذه، هو التوظيف المفضوح لـ "داعش" على وجه الخصوص في المناطق التي تهيمن عليها المقاومة الوطنية، التي تتسق مع أجندة التحالف رغم أنها لا تصطدم معها.
حيث يجري استنبات عناصر "داعش" في دائرة نفوذ المقاومة بهدف تحويلها إلى مناطق موصومة بالإرهاب، ليسهل ابتزاز المقاومة أو تدجينها، أو إنهاء نفوذها وإخراجها من المشهد بشكل كلي إن لزم الأمر.
تتكئ الإمارات على نفوذ عسكري قوي في عدن، وهو نفوذ يمتد باتجاه باب المندب والساحل الغربي.
وإذا ألقينا نظرة على المعارك التي تدور حالياً في الساحل الغربي لليمن سنجد أن التحالف يعتمد على كتائب تشكلت من عسكريين ومقاومين جنوبين، ويعتمد بصورة أكبر على كتائب من الجيش السوداني المشارك ضمن قوات التحالف.
وكان بالإمكان أن ينضم إلى قوام هذه القوات وحدات عسكرية من أبناء محافظة تعز التي تقع المواجهات العسكرية في محافظتهم، ولكن ذلك لم يحدث للأسف الشديد.
لا تختلف الترتيبات الجارية لتحرير الحُديدة عن تلك التي شاهدناها في باب المندب والمخا، وإلى هذا النوع من الترتيبات تعزى أسباب تأخر القوات في إنجاز التقدم العسكري للقوات المحسوبة على الحكومة والتحالف.
يسلك التحالف العربي خط شديد التعرج والتعقيد لبلوغ أهدافه السهلة جداً في اليمن، وجزء من الأسباب المحفزة على هذا السلوك، الضغوط والأولويات الأمريكية بالإضافة إلى بقاء الموقف المتشدد ذاته لدول التحالف جميعها حيال تركة الربيع العربي التي تتآكل وتستهدف بشكل يفوق الخيال حتى أن التحالف لا يبدو أن في عجلة من أمره لإلحاق الهزيمة بالانقلابيين المرتبطين بإيران.