ما الذي فعلته أميركا ببلدي "اليمن"؟ لﻺجابة عن هذا السؤال سنعود إلى قضايا بالغة الدقة لقراءة الصورة اﻷميركية السائدة في الداخل اﻷميركي والخارج. هناك نظرتان مختلفتان ووجهان متغايران ﻷمريكا.. فأمريكا الداخل ليست أمريكا الخارج.. أميركا تجاه مواطنيها تعني حقوق اﻹنسان، والتمدن، والتعايش السلمي، والرأفة بالحيوان، وإشاعة ثقافة التسامح تجاه اﻵخر المختلف عرقيا أو إثنياً أوثقافيا، لكن أميركا هذه ذات الصفات البراقة والجذابة ليست هي أميركا ذات المواقف المزدوجة والمتواطئة تجاه القضايا العربية، فهي تنادي في بلدان عربية بتطبيق مبادئ حقوق اﻹنسان، لكنها تتغاضى في الوقت ذاته عن تطبيق مبادئ حقوق اﻹنسان في بلدان أخرى كالسعودية مثﻼ، ﻻ لشيء، إﻻ ﻷن المصالح المشتركة تُحتّم عليها غض الطرف عن تردي حالة حقوق اﻹنسان في بلد كهذا.
أميركا في صورتها القديمة منذ العقدين اﻷخيرين وخاصة في نظر اﻹنسان العربي هي دولة تسعى لمصالحها اﻻستعمارية، ونهب ثروات الدول الضعيفة.. ما فعله ترمب مؤخرا مع السعودية ومحاولته ابتزاز المملكة ﻻ يخرج عن كونه تعزيزا لهذه الفكرة. أميركا في تناقضاتها تدعم أنظمة ديكتاتورية، وتطيح بأنظمة أخرى للسبب ذاته. أميركا داخليا تحارب العنصرية، لكنها تدعم الكيان اﻷكثر عنصرية في الشرق اﻷوسط وهو إسرائيل. هذه الصورة الراسخة اليوم لدى اﻹنسان العربي هي ناتجة عن سياسة أميركا الخارجية. لست هنا بصدد الحديث عن تجليات الصورة اﻷميركية التي رسمتها أميركا ذاتها لنفسها في العراق خﻼل أكثر من عقد، فأميركا ارتضت أن تظهر في العراق بصورة "سجن أبو غريب" واﻻنتهاكات الواسعة التي رافقت فترة تواجد القوات اﻷميركية فيها، كما ارتضت أن تبدو بصورة المنقذ الذي يحمي الشعوب ليفترسها متى ما سنحت له الفرصة.
لست مواطنا أمريكيا ﻷتحدث عن أميركا باعتبار قيمها الداخلية تجاه مواطنيها، فأنا أعرف أن شعب أميركا ليس الحكومة اﻷميركية، بل سأتحدث عما فعلته أميركا ببلدي "اليمن".
منذ ثﻼث سنوات تحكم مليشيا قادمة من عمق التاريخ العرقي العنصري بلدي اليمن، وهي تنادي بأحقية عرق معين في الحكم، وإقصاء كل اﻷطراف اﻷخرى خارج منظومة الحكم والشراكة السياسية الحقيقية.. لكن المجتمع الدولي وخصوصا أميركا والذين أصدروا قرارات بضرورة انسحاب المليشيا، وتسليم مؤسسات الدولة لم يعملوا على تنفيذ هذه القرارات، بل جاء الموقف اﻷميركي في كثير من اﻷحيان مراوغا ومداريا للحوثيين، بدءا من الموفد اﻷممي جمال بن عمر، والذي كان له دور في تنفيذ أجندة أمريكية تجاه التساهل مع مليشيا الحوثي، وتحديد طبيعة الصراع الدائر منذ خمسة أعوام، باعتباره صراعا بين قوى سياسية وقبلية خارجة عن إطار الدولة، لقد ابتدأت الحرب في صعدة ودماج ثم عمران، ووصلت حتى إلى العاصمة صنعاء، وألغت المليشيا كل ما من شأنه إبقاء فكرة الدولة في أدنى مستوياتها. هذه إرادة أميركا التي ﻻ يُعلى عليها.
لقد تغاضت أميركا عن اﻻنتهاكات الواسعة بشأن حقوق اﻹنسان التي تمارسها المليشيا، وكانت سياسة أميركا تتجه الى إشراك الحوثيين في العملية السياسية، باعتبارهم أقلية لها حق المشاركة، ولم يكن هذا هو المغزى اﻷخير، ﻷن الدولة اليمنية الخارجة من رحم ثورة فبراير ضمنت مشاركة واسعة للحوثيين في تقرير مستقبل اليمن، حيث تم إشراكهم في مؤتمر الحوار الوطني كقوى سياسية مستقلة، لكنهم فضلوا الغدر بهذه العملية السياسية الوليدة، وانقلبوا على الوثيقة التي تمثل إجماع اليمنيين حول شكل الدولة الجديدة وأطلقوا رصاصة الحرب.
صرحت أميركا بمساندتها للشرعية، لكنها لم تكن جادة في الضغط على قادة المليشيا ﻹنهاء هذه الحالة الشاذة في البﻼد. لم تنجز قيم المجتمع الدولي وأميركا وزيارات موفديهم لبلدي شيئا، ولم تستطع إيقاف عبث المليشيا بكل شيء، بل هناك مساندة خفية لهذه التحركات التي يقوم بها الحوثيون... اليمنيون يدركون جيدا من يقف بجدية مع قضاياهم ومن يرى فيها مرحلة تقتضي مزيدا من الفهلوة السياسية لتنفيذ سياسات معينة بعيدا عن مفهوم القيم اﻹنسانية... ليفكر اﻷميركان جيدا حيال سياساتهم الخارجية قبل أن يتساءلوا: لماذا يكرهنا العرب؟
اليمن اﻷمريكي
2017/07/30 - الساعة 12:03 صباحاً
إضافة تعليق