* المجاهد ... عبقري لزمن لم يأت بعد إلى اليمن..!


منصور السروري.
دعني يارفيق التعب وصديق الرؤى وأنا بدموعي تارة اتعثر أو كما كنت تحب تطعيم نقاشتنا الكبيرة التي سبقت زماننا ومكاننا فوق هذه اﻷرض (أتحكول) وتارة أخرى أتوضأ بها أن أكتب إليك هذه الرسالة من هناك من قرب المتارس والخنادق.
متارس الدفاع عن وطن خذلنا جميعا يا رفيقي ولم يخذلك أنت فقط بل خذل كل مبدع عاش عزيزا شريفا كأنت.
أكتب اليك من خنادق الثبات والصمود على تلك المبادئ والقيم التي ارتشفنا معينها الوطني والعروبي والأممي من منابعها العظيمة رغم فارق السن الكبير بيننا.
عرفته عند قيام دولة الوحدة وعمري حينها تسع عشرة عاما معرفة عبر جلسات كانت تضمنا مع نوع خاص من ذلك الطراز الرفاقي المعتق بتيار الوعي اليساري المتجدد غير المتبوتق داخل اطارات النظرية.
عرفته "مثقفا بحجم الوطن، وفنانا بحجم الانسانية" كما وصفه اﻷديب أحمد ناجي أحمد.
غير أن علاقتي الحقيية توطدت معه أثناء رئاسة عميد الصحافة اليمنية المقاتلة خالد ابراهيم سلمان لصحيفة الثوري لسان حال الحزب الاشتراكي اليمني.
ولهذا فان حديثي يتركز حول هذه الفترة على نحو موجز ومكثف.
تقريبا بعد عام 2000 حتى قيام ثورة الشباب رسم المجاهد أبو سهيل لصحيفة الثوري والشورى والوسط كاريكاتوريات تعد في تقديري أقوى الكاريكاتوريات في كل تاريخ الصحافة اليمنية.
كانت رسومه السياسية الساخرة في الصفحة الاخيرة للثوري من كل أسبوع تكاد تكون في قوتها التعبيرية والدلالية أقوى من كل موضوعات الصحيفة.
بل لا أبالغ عندما اتجه الى القول" أنها كانت التعبير الثوري المكثف لسياسة الحزب اراء مختلف القضايا التي كان أبو سهيل يختارها موضوعات لرسوماته المتعددة المواضيع المتطورة التعابير .
لقد عبرت رسومات أبو سهيل وستظل واحدة من أهم المراجع الصادقة الموثقة بدقة لمعظم اﻷحداث والتحولات الكبيرة في اليمن.
كانت رسوماته تتميز بأنها تحمل هموم  الوطن في التنوير والتثوير والتغيير.
تحمل هموم الفقراء المعذبين، وتكشف صور الفساد والافساد الممنهجين وتعريهما.
كانت رسوماته تعري العهر السياسي الذي لا يراه الناس بعيونهم العادية.
كانت رسوماته هي العيون المجردة لكل البسطاء والفلاحين والعمال وجمهور الموظفين أكانوا اغبياء بالفطرة أو أغبياء بالجبن والصمت، أو أغبياء بالتبعية ﻷركان النظام المافوي العصبوي الفاسد حيث تجعلهم رسوماته يرون ما لا يستطيون رؤيته أو يتعمدون عدم رؤيته بتجاهلهم له.
ولذلك عان كثيرا من التجاهل له ومن غمطه حقوقه الوظيفية والابداعية طيلة مشوار حياته.
ولولا عبقرية أبو سهيل الفنية لربما كان قد انتهى بعد عام 1994.
وأجدني هنا ملزما باثبات عبقرية أبو سهيل ما دام وقد تعنونت هذه المقالة بعبقرية المجاهد الفنية فأقول:
معلوم أن للعبقرية معنيين:
المعنى الأول: هو النبوغ ويقاس حسب المعيار الذي وضعه عالم النفس الأميركي لويس تيرمن حيث درجات العبقرية لا تقل عن 140 درجة.
فالشاعر نابغة أو عبقري ﻷنه بالكلمات يرسم صورا شعرية نرى من خلالها الواقع على نحو مغاير لرؤيتنا له دون ذلك التعبير الشعري المكثف.
والرسام ... ايضا نابغة أو عبقري ﻷنه يستطيع تحويل تخيل اﻷشياء وعكسها في لوحات تنطق بها أكثر مما لو أنها شوهدت في الواقع.
كيف ترسم وجه مجرم من خلال وصف ملامحه؟
كيف ترسم الحزن والفرح..الحق والباطل ... الخ.؟
ووفقا لتقسيم الأميركي لويس تيرمن لدرجات العبقرية واعتبار أي رسام عبقري فإن أبا سهيل يكون عبقري  للأسف الشديد لم يأخذ حقه.
المعنى الثاني للعبقرية: ويعد الأكثر شيوعاً من المعنى الأول هو ما ذهب إليه (فرنسيس جولتون) بتعريفه للعبقري من أنه ذلك:
(الذي يتمتع بقدر كبير من الذكاء يساعده على تحقيق إنجازات عملية متميزة في حقل من حقول الحياة وبالتالي فإن العبقرية تتكون من عناصر (الأصالة، والإبداع، والقدرة على التفكير والعمل في مجالات لم تستكشف من قبل).
وهذا المفهوم هو الذي أكد عليه العالم البريطاني السير فرنسيس غولتون.
كذلك حاول كثير من الباحثين تعليل العبقرية فزعم بعضهم أن العباقرة ينتمون إلى نوع نفساني بيولوجي مستقل يختلف في عملياته الذهنية والانفعالية عن الإنسان العادي كما يختلف الإنسان عن القرد.
وقد ذهب غولتون، الذي كان أول من درس العبقرية دراسة نظامية، إلى القول بأنها حصيلة خصال ثلاث هي الذكاء والحماسة والقدرة على العمل, وحاول أن يثبت أنها ظاهرة مستمرة في بعض الأسر.
ويكاد الإجماع ينعقد اليوم على أن العبقرية حصيلة الوراثة والعوامل البيئية مجتمعة. مواهب تمكن صاحبها من التفوق.
وهذا الاجماع ينطبق ايما انطباق على ابو سهيل الذي ينحدر من اسرة عريقة في وطنيتها ونضالها واستنارتها هي أسرة الدالي التي خرج منها المناضلين والمتعلمين والعبقري ابو سهيل الذي ترك الريشة ﻷحد ابناءه هو أوسان على ما أظن.
نعم لفد تجلت في عبد الله المجاهد مفردات الذكاء والحماسة والانجاز والتميز والاصالة والمعاصرة  والمغايرة في كل أعماله وبكل ما تحمله من معان ودلالات.
ولو لم تكن لديه تلك العبقرية الفنية لما كان قد استطاع العيش في وسط لا يعرف بعد بل لم يصل بعد إلى زمن ثقافة اقتناء اللوحة الفنية.
تلك  العبقرية هي من حفظته وأسرته من غوائل الفقر والعوز المدقعين، وحفظته من السقوط في زمن سقط فيه الكثيرين في مستنقع التبعية للنظام الفاسد، كان المحظوظ هو من التقط فرصة الهجرة حينما تسنح له، ولكن هيهات هيهات لفنان شامل رسام تشكيلي وكاريكاتوري ونحات وخطاط يحمل خلف عبقريته قيما انسانية سقفها اﻷعلى حرية التعبير الابداعي للوحة الفنية أن يسافر لدول الخليج التي لا تزال بعضا منها حتى هذه اللحظة  ترى أن اللوحة فعلا محرما.
أبو سهيل .... سامحني يا معلمي فأنت لا ولن تفيك المؤلفات الضخمة حقك.
من أين اكتب عنك يا رفيقي ... أأكتب عن ثقافتك تلك كانت اعظم مما يتخيله الكثيرون؟.
عرفتك ... ، وسمعتك،  وجبت داخل عوالمك الذهنية الكبيرة.
وجدت عوالمك فسيحة رحبة في نظراتك للعالم ... للحياة... للاحلام ...للاحزان والافراح ...للوحدة والحرب والثورات اليمنية ...والعربية والكونية.
يا إلهي....
كم كانت أحلامك أحلامنا تتشكل داخلها منطلقات مستقبل هذا البلد وحضارته التي نراها ستأتي ولكن كلما هلت معطياتها متبلورة تآلبت قوى أعداء التغيير تتحالف لؤدها،  وتتكالب الدول و اﻷمم ضد طموحات هذا البلد المنكوب بعبث تاريخ العهر السياسي على كافة الاصعدة.
ماذا عسى كاتب مثلي عرفك في سنوات التساؤل عن القادم اليمني الممكن والتحديات التي تهدد ذلك القادم؟
ما عسى كاتب مثلي مشرد هناك... تارة في أعماق اودية الحجرية وتارة فوق قمم وذرى جبالها الشامخة مؤازرا جيشها بسلاح الكلمة والتوعية ...جيش بدأ من جديد بناءه بل ومن نقطة الصفر وسط تركة وإرث كبيرين من الفوضى التي خلفتها سنوات حكم العصابة التي اغتصبت حقك وحقي وحق كل مبدع شريف عزيز في هذا الوطن؟
ماذا .... عسى أن اكتب وانا غير مستقر في مكان ما ولا ارشيفي الذي يحتوي على كثييييير من رسوماتك أمامي ﻷعيد النظر اليها واشتم منها بقايا عبقك الخالد في رسوماتها.
آآآآآآه ... يا أبا سهيل.
ستظل صورة البردوني على جدار مجلس اتحاد الادباء والكتاب اليمنيين والتمثال الذي نحته له في نافذة ذلك المجلس وصورة رائد القصة القصيرة في اليمن الشهيد محمد احمد عبد الولي،وصور الشحاري والربادي وزيد مطيع دماج وغيرهم تشهد بعبقريتك الفنية وبوفاءك الاستثنائي حينما رسمت صور أولئك الذين جمعوا بين الابداع والنضال ومثلوا طفرات استثنائية في تاريخنا المعاصر قد لا تتكرر في أي جيل لاحق.
إييه يا رفيقي....
اعذرني عن عدم قدرتي على الايفاء بادنى حقك عندي في الكتابة عنك فلم تكن انسانا عاديا في القيمة مع أنك عشت انسانا بسيطا عاديا في واقع الحياة.
كنت العظيم اخلاقا... العظيم ابتسامة.
نعم ابتسامتك التي كنت أقرأها بحذافيرها بقلبك قبل أن تبرق في عينيك الغارقتين بأحزان الكون والعالم الباكي وعلى شفتيك التي لن تفارق مخيلتي.
كنت دوما تتزين بعظمة القيم عظمة تتجسد متجلية في صمتك وحديثك، في تفكيرك وخيالك، أثناء ما تكون ترسم، أو تفكر بلوحة سترسمها مع أن معظم لوحاتك كانت تتشكل خاماتها في وعيك إما من معطيات الاحداث... أو اثناء سيرك على أرصفة الشوارع والحارات وفوق الباصات بفعل عدسة عينك اللاقطة لكل شاردة وواردة.
تكاد كبريات الصحف الحزبية والاهلية باليمن أن تكون من تصاميم ابي سهيل الذي كان يصمم الترويسات وصفحاتها ويرسم شعاراتها وكتابة اسمائها، وهنيئا لصحيفة يكون هو من صممها فذلك يعني وجود أحد شروط نجاح تسويقها والمتمثل بروعة وفنية التصميم.
وللأسف كانت كثير من تلك الصحف تستغل طيبته الزائدة ولا تعطيه حقه كاملا تحت مبرر أنها تحت التأسيس، وكان يتحمل ذلك الاستغلال ﻷن ما يهمه هو أن تزيد عدد الصحف والمجلات والكتاب لكي يزيد عدد الناس الذين يقرؤون.
كان همه احداث ثورة وعي حقيقية في المجتمع كأحد اهم المنطلقات للتغيير وﻷن رؤيته تقوم على هكذا وعي ظل يعمل دونما يأخذ حقه كاملا ربما في كل تلك التصاميم التي كان يرسمها للصحف والمجلات اليمنية.
كيف أنسى طريقة واسلوب توديعك لنا في الصحيفة وأنت تلف حزام حقيبتك حول كتفك بطريقة مميزة ... حقيبة لم تكن كأي حقيبة أخرى ﻷنها كانت بمثابة معمل رسمه المتنقل معه.
كيف أنسى وأنت تودعني بتلك الحفاوة الخاصة وتودع الزملاء بصحيفة الثوري في تلك الليالي التي اقل ما يمكن ان تستحقه من وصف أنها الأيام الذهبية لصحيفة الثوري التي كان توقيع ابو سهيل على كاريكاتورياتها  الاسبوعية يمثل بحد ذاته  لمسة فنية ابداعية اضافية للصحيفة.
وحتى لا أنسى هنا أقترح مطالبا هيئة تحرير صحيفة الثوري نشر كتاب يحتوى على جميع تلك الرسوم التي غطت ما يزيد عن العقدين.
وضم مواد اخرى في كل من صحيفتي الشورى والوسط لكتاب يشمل اعماله الكاملة الكاريكاتورية.
أكرر ... أكرر ..  أكرر مطالبا كل من صحيفة الثوري والشورى والوسط مساعدة أسرة الفقيد عبد الله المجاهد الدالي بجمع اعماله في مجلد ضخم كأقل ما يمكن أن يكافأ به من تقدير بعد رحيله المرير.
والعزاء كل العزاء للحركة الفنية اليمنية، وللابداع ومحبيه وأسرته والوطن رحيل  أبو سهيل على تلك الصورة المؤلمة من الاجحاف والاهمال وتركه رهن المرض ﻷكثر من عام دونما تقدير لعبقريته الابداعية ليرحل قبل اﻵوان.
...............شكر.........
* أوجه شكري ﻹنسان غال علي في مكان ما من الكون دون تشجيعه لكتابة هذا النص ما كنت قويت على الكتابة عن أبي سهيل عبد الله المجاهد

إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص