ظلت اليمن "فردوس الهاشمية المفقود" لأكثر من نصف قرن من الزمن، وفقا لأدبيات المشروع الهاشمي وتنظيمه السري الذي انسل في جسد الجمهورية وعمل تحت مظلتها على مدى تلك العقود في غفلة وربما سذاجة من اليمنيين حكاما ومحكومين. إذ بعد هزيمة المشروع الهاشمي في ثورة 26 سبتمبر الخالدة، ثم المصالحة الكارثية التي حدثت في العام 1970م، شعرت الهاشمية بالخسارة المؤقتة والانتصار المؤجل في نفس الوقت، فالخسارة المؤقتة أتت بعد حرب الاستنزاف التي خاضتها المليشيات الهاشمية ضد الجمهورية والثورة السبتمبرية لأكثر من ثماني سنوات والتي لم تحقق لها حلم العودة رغم الإمكانيات الهائلة التي كانت ترتكز عليها، أما الانتصار المؤجل فقد عزمت الهاشمية على استعادة استحكامها باليمن على المدى الطويل باعتبار اليمن "فردوسها المفقود" الذي سيعود يوما ليرزح تحت "قاووقها" من جديد كما أفصح عن ذلك "الثورجي" أحمد محمد الشامي بقوله " سنعيد الإمامة للحكم يوما .. بثياب النبي أو ثوب ماركس ، فإذا ما خابت الحجاز ونجد.. فلنا إخوة كرام بـ(فارس)".
من تقاتل أيها اليمني؟ قد يبدو هذا السؤال بديهيا نوعا ما للقارئ العابر لأحداث اليمن منذ عودة المليشيات الهاشمية لخنق اليمنيين من جديد نهاية العام 2014م، لاستعادة فردوسها المفقود، وفرض الولاية مجدداً، هذه العودة لم تكن بثوب النبي وعباءته فقط، ذلك أن الكيان الهاشمي الدخيل تلبّس هذا الثوب منذ استيطانه اليمن قبل قرون من الزمن، بل عادت -ويا للمفارقة المحزنة- بثوب علي عبدالله صالح الذي عاصر حكم الكهنوت الهاشمي الدخيل وعذابات السكان الأصليين تحت ظله، ثم حكم اليمن الجمهوري لأكثر من 33 عاما!!
نعم .. من تقاتل أيها اليمني؟ هل فعلاً عرف اليمني عدوه بعد أكثر من ثلاث سنوات من الحرب والدماء والبارود؟ هل لدى المقاتل اليمني الأصيل دراية كافية بعدو اليمن منذ ألف سنة؟ هذه الأسئلة التي تعشعش في مخيلتي حد الأرق وتتبادر إلى ذهني فرادى وجماعات كلما شاهدت اليمنيين في ساحات النزال والتضحية ضد المليشيات الهاشمية، في جبال اليمن وسهله وساحله. ذلك أن معرفة العدو الحقيقي وفهم جوهر القضية اليمنية التي يقاتل تحت رايتها المقاتل اليمني أهم بكثير من الانتصار في ألف معركة على هذا العدو التاريخي، فبدون الوعي الكامل والإدراك التام لطبيعة القضية وعمقها التاريخي والحقوقي والنضالي الممتد عبر الزمن، يبقى النصر بعيدا وإن تحقق ناقصاً.
أن تقاتل عدوك وأنت لا تدرك كُنه وعمق صراعك معه لن يجعل من انتصارك ذا معنىً وطني جامع، كما أنك لن تشعر بقيمة وعظمة انتصارك عليه كونك لم تنتصر لذاتك فحسب، بل تنتصر لألف سنة من الظلم والقهر والاستعباد التي طالت أجدادك السبئيين، لن تشعر بذلك لأنك لم تنتصر لجيلك الراهن بل للأجيال التي تليه، إذا ما وضعت النهاية المؤبدة لعدو اليمن التاريخي، أرضاً وإنسان.
من يُبلغ هذا المقاتل اليمني العظيم، المؤمن بأرضه وموطنه، أن أسد ثورة سبتمبر الخالدة الزعيم عبدالله السلال قال قولته المشهورة حين جرفت جحافل التحرير السبئية مشروع الهاشمية وحكم القاووق الوافد، في أيلول الخالد، بأن ما حدث هو "قفزة الألف عام في ليلة واحدة"! هل يعي اليوم المقاتل اليمني الأصيل في ساحات الشرف والبطولة مقولة المحارب السبئي العظيم عبدالله السلال عن ثورة 26 سبتمبر الخالدة؟ وكيف كانت قفزة عظيمة فوق جبال من الضيم والحزن وامتهان الكرامة!!
رسالة .. إلى المقاتل اليمني في كل شبر من أرض الفداء والتضحية، إلى كل جندي وضابط ومقاوم، أنت اليوم لا تقاتل مليشيا الحوثي الانقلابية، بهذا المسمى التسطيحي لجوهر قضيتك وقضية أمتك اليمنية، أنت اليوم تقاتل مشروعا هاشميا استعباديا ممتدا منذ 284هــ وحتى اليوم، حين توغل مؤسس هذا المشروع الاجرامي إلى موطن أجداك وسامهم سوء العذاب.
أيها المحارب السبئي العظيم في السواحل والبراري والآكام، ثق أنك اليوم تقاتل لاستعادة فردوس السبئيين المفقود بفعل التواجد الهاشمي الدخيل، اليمن هي أرضك وموطن أجدادك التبابعة من حمير وكهلان، ومثلما يقاتل الهاشميون من أجل إبقاء الولاية الهاشمية على موطنك الأزلي، ويقسمون ببذل كل غالٍ لأجل ذلك حد الفناء، فكن أنت المدرك لجوهر قضيتك، وانقش مُسند نصرك المؤزر برصاص بندقيتك الشامخة، وامضِ في سبيل تحرير مهد أجدادك حتى تعود اليمن كما كانت، أرض الجنتين وحاضرة السبئيين، يمنٌ يكسوها العز والشموخ والفخار، من أقاصي الديار الحميرية في مهرة بن حيدان شرقا وحتى منتهاها في حيدان بن خولان بن عامر شمالاً.