أكمل موظفو الجهاز اﻹداري للدولة في اليمن شهرهم التاسع دون أن يتقاضوا رواتبهم المتوقفة جراء الصراع اﻻقتصادي بين الحكومة الشرعية والحوثيين على البنك المركزي.
وإثر اتهامها الحوثيين بإهدار اﻻحتياطي اﻷجنبي، نقلت الحكومة الشرعية، أواخر سبتمبر/ أيلول الماضي، البنك المركزي من قبضة الحوثيين في العاصمة صنعاء إلى العاصمة المؤقتة عدن (جنوب)، ليجد حوالي مليون و200 ألف موظفي حكومي أنفسهم حائرين بين طرفين متصارعين يتهربان من دفع الرواتب.
وفي بلد يعيش تحت وطأة نزاع مدمر، منذ أكثر من عامين، استسلم الموظفون لﻸمر الواقع بعد تكرار مناشداتهم، فأجواء الحرب جعلت من المطالبين برواتبهم من حكومة الحوثيين (غير المعترف بها دوليا) في صنعاء "مجرد عمﻼء"، وتم اعتقال العشرات منهم خﻼل وقفات احتجاجية خجولة.
ومع استمرار الخﻼفات حول مصير إيرادات مؤسسات الدولة في مناطق الحوثيين، امتنعت الحكومة الشرعية عن إرسال رواتب الموظفين إلى المناطق غير الخاضعة لسيطرتها، باستثناء إرسال رواتب شهر فقط إلى بعض المؤسسات، وأعلنت أنها صرفت رواتب جميع الموظفين في المحافظات المحررة، جنوب وشرقي البﻼد.
إخفاق أممي
مرارا، أعلنت منظمة اﻷمم المتحدة أن توقف الرواتب فاقم من انعدام اﻷمن الغذائي، إذ بات حوالي سبعة مﻼيين شخص (من أصل 27.4 مليون نسمة) عرضة للمجاعة.
لكن المنظمة الدولية لم تفلح في تحقيق أي اختراق في جدار ﻷزمة، رغم تقديمها مؤخرا مقترحات عديدة.
أحدث الرؤى المقترحة من المبعوث اﻷممي، إسماعيل ولد الشيخ أحمد، نصت على انسحاب الحوثيين من ميناء الحديدة اﻻستراتيجي غربي البﻼد، وتسليمه إلى طرف ثالث لتأمين وصول المواد اﻷساسية والتجارية عبر الميناء، ووضع برنامج عمل لجمع الضرائب والعائدات في كل محافظات اليمن الـ22.
وستسخدم الضرائب المجباة حينها، لدفع الرواتب وتأمين الخدمات اﻷساسية، بدﻻ من استخدامها في تمويل الحرب.
ووافقت الحكومة الشرعية على هذا المقترح اﻷممي، الذي اعتبره ولد الشيخ أحمد، في إحاطته أمام مجلس اﻷمن الدولي، الشهر الجاري، "النواة ﻻتفاق وطني شامل يضمن المباشرة بدفع الرواتب في كل المناطق".
وﻻ تتوافر أي مؤشرات على أن الحوثيين سيقبلون بالمقترح اﻷممي، ويوافقون على توريد اﻹيرادات من مناطق سيطرتهم إلى جهة محايدة لصرف الرواتب.
وتشكل أزمة الرواتب عقدة في طريق الحل، فالمبعوث اﻷممي يرى أن دفعها يعد "خطوة أولية" يمكن الوصول من خﻼلها إلى وقف كامل لﻸعمال القتالية، ثم إلى حل سلمي شامل.
بينما يريد الحوثيون من المبعوث اﻷممي أن يقنع الحكومة الشرعية بصرف الرواتب أوﻻ، قبل الدخول في تفاصيل ميناء الحديدة.
الحوثيون لجأوا مؤخرا إلى صرف ما يسمى بـ"البطاقات السلعية" للموظفين في المناطق الخاضعة لسيطرتهم، وهي عبارة عن كوبونات يحصلون بها من المستودعات التجارية في صنعاء على مواد غذائية تعادل نصف راتب الموظف.
وقال موظفون إن حكومة الحوثي صرفت حتى اﻵن ثﻼث بطاقات سلعية لكل موظف، من إجمالي رواتب تسعة أشهر لم يتسلمونها، ويصفون اﻷمر بأنه "تحايل وابتزاز".
محمد الشرعبي، وهو موظف حكومي، قال إن "الحوثيين حولوا رواتب الموظفين إلى نوع جديد من التجارة المربحة.. يتعاقدون مع مؤسسة تابعة لهم وموﻻت تجارية لصرف مواد تموينية بأسعار مرتفعة عما هو متداول في السوق".
وأضاف الموظف اليمني، أن "هذا تحايل وابتزاز واضح للموظف.. بمقدور حكومة الحوثي تسليم رواتب الموظفين أو حتى نصفها، طالما أنها تدفع اﻷموال نقدا لتلك الموﻻت التجارية".
أزمة منسية
وفق مراقبين، فإن أزمة الرواتب تمثل دليﻼً على إهمال أطراف النزاع لمأساة متفاقمة يكابدها موظفو الحكومة، معتبرين أن قضية الرواتب تحولت إلى أزمة منسية بدﻻً من أن تمثل أولوية.
وقال مصطفى نصر، رئيس مركز الدراسات واﻹعﻼم اﻻقتصادي (غير حكومي) "لﻸسف الشديد أصبحت الرواتب أزمة منسية، يفترض أن تكون أولوية لدى الموظفين ولدى صناع القرار والمسؤولين، سواء لدى سلطة اﻷمر الواقع (الحوثيون) أو الحكومة الشرعية".
وأضاف نصر أن "الموظفين وقعوا ضحية لﻺهمال من الحكومة الشرعية ومن حكومة الحوثي، والمخرج هو أن يتم وضع هذه القضية كأولوية من جانب كل اﻷطراف".
وشدد نصر على أنه "ﻻبد من آلية لعملية استﻼم اﻹيرادات وتسليم الرواتب باعتبارها مشكلة ساهمت في زيادة المأساة اﻹنسانية باليمن".
وأوضح أن "عدد الموظفين المتضررين يزيد عن مليون، ومعظمهم لم يتسلموا رواتبهم منذ تسعة أشهر، إذ فقد أكثر من سبعة مﻼيين نسمة (تعداد أسر الموظفين) مصدر دخلهم الوحيد؛ ما زاد من رقعة الفقر".
وأضاف نصر أن "الموظفين لجأوا إلى مهن مختلفة لتأمين معيشتهم، إضافة إلى اﻻقتراض بشكل مستمر، واﻻعتماد على ما تجود به منظمات اﻹغاثة من مواد تموينية .