مطعمٌ يُقاومُ الحربَ في تعز: معركة الكابتن ناصر غالب

في حال زرتُ مدينة تعز قبل الحرب، فأنت لا بُد قد زرتَ مطعم ناصر غالب، وسط المدينة، بالقرب من ملعب الشهداء؛ وذلك لتناول وجبتي الفطور والعشاء، ممثلتين بطبقه الشهيّ (الفاصوليا).
 
ولو كنت من المقيمين، أو من أبناء المدينة، فلا بُد أنك تذوّقْت مرارًا طبق الفاصوليا اللذيذة في هذا المطعم، لصاحبه ناصر غالب الذي يُعدّ شيفًا ماهرًا، لكنه قبل ذلك كان من أمهر وألمع لاعبي كرة القدم اليمنية في ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي؛ فقد كان لاعبًا في صفوف النادي الأهلي بتعز والمنتخبات الوطنية لكرة القدم حينها… لكن الظروف أجبرته على اعتزال الرياضة، والتفرغ لإعالة أسرته، لا سيما بعد وفاة والده؛ ليُشكّل مطعمه في تعز محطة استقرار وحياة جديدة، لكنه لم يكن يعلم ما تحملُه أقدار الحرب المستعرة هناك؛ حيث سيجدُ منزله ومطعمه تحت الانقاض، إلا أنه، رغم ذلك، بدأ من جديد.
 
لقد تغيّر حال المدينة؛ فتحول التطور والنماء اللذان كانت تعيشهما إلى خراب ودمار واقتتال بسبب الحرب المستعرة في البلاد منذ العام 2015م.
 
كانت الأحياء السكنية في المدنية جزءًا من خريطة الخراب والدمار الناجم عن الحرب، وكان منزل ومطعم الكابتن ناصر غالب ممن تضرر وطاله الدمار؛ فمنزله دُمّر بالكامل، فيما تعرض مطعمه للقصف خلال الاشتباكات التي شهدها وسط المدينة؛ حينها لم يكن لديه من خيار سوى النزوح؛ فنزح الكابتن غالب مع مَن نزحوا إلى خارج المدينة.
 
النزوح
يقول ناصر غالب لصحيفة (اليمني الأميركي): «الحمدلله على كلّ حال، وعلى سلامة الأرواح؛ فبعد تعرّض المنزل والمطعم مع أغلب أحياء المدينة بشكلٍ عام للخراب والدمار جراء الحرب… اضطررتُ عام 2016م للنزوح إلى منطقة الحوبان (ضاحية خارج المدينة في الطريق المؤدية صوب محافظة إب)؛ لاستقرار الأوضاع هناك، وبُعدها عن الاشتباكات، وهي منطقة تزدهر بشكل كبير مؤخرًا؛ لتوافر العديد من المنشآت الحيوية والخدمية والمصانع التي تضمّ الآلاف من الأيدي العاملة».
 
هناك حاول ناصر أنْ يبدأ حياة جديدة غير مستسلمٍ لليأس، وبالفعل افتتح مطعمًا واستأنف حياته… يقول: «بعد نزوحي وأسرتي بدأتُ البحث عن مقرّ جديد للمطعم، ووجدتُ تعاونًا من مجموعة شركات هائل سعيد أنعم لافتتاح مطعمي البديل، جوار أحد مصانعهم، وفورًا قُمتُ بتجهيزه؛ لِأعود إلى عملي الذي تعلّمته من والدي (رحمة الله تغشاه)، وأحببته مع كرة القدم منذ طفولتي».. «الآن أنا أعملُ فيه مع أولادي (هيثم وهشام وهادي)، وعمّالي الأوفياء».
 
كرة القدم
للكابتن ناصر غالب رحلة مميزة مع كرة القدم بدأت في الحارة ثم المدرسة ليلتحق بأشبال نادي أهلي تعز عام 1983م؛ ليسطعَ نجمه سريعًا، وبخاصة عندما حصد مع فريقه بطولة الجمهورية لكرة القدم لسِنّ 15 سنة في تجمع الحديدة، وحصوله على لقب أفضل لاعبي البطولة، ليتم تصعيده للفريق الأول عام 1985م، ليُحقق مع نجوم فريقه أبرز إنجازات (أهلي تعز) بتحقيق بطولة الدوري الممتاز لكرة القدم عام 1986م.
 
المنتخبات  
أما عن رحلته مع المنتخبات الوطنية فنترك له دفة الحديث: «بدأتُ الرحلة عام 1986م، عندما كنتُ أؤدي خدمة التجنيد؛ فتمّ اختياري لمنتخب الشرطة للمشاركة في بطولة الشرطة العربية في ليبيا، وفي نفس العام تم اختياري مع منتخب الناشئين للمشاركة في دولة الكويت، وهناك قدّمنا مستويات رائعة، وحققنا نتائج جيدة، وأعتبرها انطلاقتي الحقيقية مع المنتخبات الوطنية لألتحق، بعد ذلك مباشرة، بمنتخب الشباب، وشاركتُ معه في بطولات عربية وآسيوية».
 
«في 1988/ 1989م تم اختياري ضمن صفوف المنتخب الوطني الأول، ومعه شاركتُ في العديد من البطولات العربية والتصفيات الآسيوية والدولية، ومنها تصفيات كأس العالم 1994م؛ لأعتزل بعد ذلك بسبب الظروف الصحية لوالدي (رحمه الله)، وعقب وفاته تفرّغْتُ لرعاية أسرتي».
 
حُبّ الناس
على الرغم من مسيرته الكروية المتميزة إلا أنه، للأسف، لم ينلْ حظه من تكريم وتقدير الجهات الرسمية، وحتى في مهرجان اعتزاله لم يحصل على التكريم، مكتفيًا بما منحته له كرة القدم من حبّ الناس، معتبرًا أنّ ذلك «يُمثّلُ تكريمًا دائمًا أجده في أيّ مكان أتواجدُ فيه، وسيظل هذا التكريم طوال حياتي، بل هو تكريم يمتدّ إلى أولادي، أيضًا، سواء في حياتي أم بعد مماتي»
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص