الحوثيون وإيران.. إيديولوجيا واحدة ومصالح متباينة في اليمن

لم يطالوا عنب اليمن ولا بلح الشام، ملخص خمس سنوات من محاولة ميليشيات الحوثي، ترسيخ حكمها في المناطق اليمنية، التي تسيطر عليها، منذ انقلابها على السلطة الشرعية صيف العام 2015، بحسب ما يراه المحلل السياسي، “محمد الفدعوس”، مشيراً إلى أن الشيء الوحيد الذي تحقق هو تدمير اليمن وإخضاع اليمنيين لظروف إنسانية قاسية، بالإضافة إلى توريط الحوثيين بمواجهات مع الجيش اليمني والتحالف، أفقدته الكثير من عناصر وقياداته الميدانية، فلا هم حافظوا على قوتهم ولا هم حققوا مشروعهم، على حد قوله.

تحليلات “الفدعوس”، تزامنت مع تصريحات حديثة للأمين العام الأمم المتحدة، “أنطونيو غوتيريش”، والتي حذر خلالها من أزمة مجاعة تهدد أربع دولٍ في العالم خلال الأشهر القادمة، على رأسها اليمن، والتي قالها إن انتشار وباء كورونا المستجد فيها، زاد من الأزمة الانسانية هناك.

*أهداف غير معلنة وسياسات تدميرية
فشل الميليشيات الحوثية في تحقيق هدفها المعلن، بترسيخ سيطرتها على البلاد، يرده “الفدعوس” إلى عاملين، الأول هو تشكيل تحالف دعم الشرعية في اليمن بوقتٍ مبكر، ما حال دون امتداد السيطرة الحوثية على مدن ومناطق جديدة، مستغلةً الدعم الإيراني وحالة الفوضى وانشغال الحكومة الانتقالية بترتيب الملفات السياسية خلال فترة ما بعد الرئيس اليمني السابق، “علي عبد الله صالح”.

ويسيطر الحوثيون منذ انقلاب 2015، على العاصمة صنعاء والبيضاء، بالإضافة إلى مدينة صعدة، التي تعتبر معقلهم الرئيسي، وأجزاء من الحديدة، وهي المدن التي تشهد اشتعالاً مستمراً على جبهاتها لا سيما جبهة نهم على مدخل العاصمة.

أما عن العامل الثاني في فشل السياسة الحوثية ومشروع السيطرة على اليمن، فيربطه “الفدعوس” بالمهمة غير المعلنة للميليشيات الحوثية، بتدمير اليمن والإبقاء على حالة التوتر بالقرب من الحدود الجنوبية للمملكة العربية السعودية، موضحاً، “تلك المهمة حتى الحوثيين أنفسهم لا يدركوها، أو على الأقل قيادات الصف الثاني منهم، فهي مرتبطة بالمخطط والمصلحة الإيرانية، التي تمكن نظام طهران من إشغال العالم بالأزمة اليمنية وتبعاتها المأساوية واستمرار خلق المبررات لاستهداف الأراضي السعودية عبر الحوثيين، إلى جانب ضمان بقاء الحوثيين تحت العباءة الإيرانية”.

وكان وفد من الحوثيين قد زار إيران منتصف العام 2019، معلناً خلال لقائه مع المرشد الأعلى للثورة في إيران، “علي خامنئي”، ولاء الميليشيا الكامل لمشروع ولاية الفقيه وأن عناصر الميليشيات هم جزء من تلك الولاية.

في السياق ذاته، يشير “الفدعوس” خلال حديثه مع مرصد مينا، إلى أن الميليشيات لم تحقق منذ عام 2015 وحتى اليوم أي تقدم ميداني على الأرض كما أن عملياتها ضد الجيش تركزت على استعادت النقاط، التي خسرتها أثناء المعارك وليس اكتساب مناطق جديدة، بالإضافة إلى التركيز على استهداف الأراضي السعودية، معتبراً أن كل تلك المؤشرات تفيد بنتيجتين، الأولى تتمثل بأهمية إنشاء التحالف كخط سد أمام النفوذ الإيراني وإمكانية انتقال التوتر إلى مناطق أخرى، والثانية كشف الهدف الإيراني الحقيقي من دعم الانقلاب الحوثي في اليمن والمتمثل بدميره والإبقاء على حالة التوتر بالقرب من مضيق باب المندب وحركة السفن القادمة من البحر المتوسط إلى بحر العرب والخليج العربي والمحيط الهندي، مروراً بالبحر الأحمر وقناة السويس.

*مصالح إيران والدمار .. زواج كنسي لا ينتهي
الحديث عن مصالح إيران في الإبقاء على حالة التوتر على الأرض اليمنية مهما كانت النتائج الإنسانية الكارثية، يمتد وفقاً للباحث في الشؤون الإيرانية، “مرتضى حسيني” إلى قائمة طويلة، أهمها الإمساك بورقة ضغط تفاوضية مع الدول الإقليمية والغربية، لافتاً إلى أن مرور كامل شحنات النفط والتجارة العالمية البحرية من الخليج وجنوب شرق آسيا إلى أوروبا والمحيط الأطلسي وبالعكس، عبر مضيق باب المندب على البحر الأحمر، يمنح إيران فرصة مراوغة للحصول على شروط تفاضية أفضل مع المجتمع الدولي ككل حيال ملفها النووي والعقوبات، تزامناً مع استمرار سيطرة الحوثيين على مينا الحديدة وتواصل المعارك بالقرب منه.

كما يصف “حسيني” علاقة التوترات والأزمات بالمصالح الإيرانية، بأنها زواج كنسي لا يعرف الانفصال أبداً، وأن مسألة الاستقرار تتعارض تماماً مع المشروع الإيراني، حتى ولو كان من صالح الميليشيات الداعمة لها، موضحاً: “لننظر إلى لبنان والعراق وسوريا بالإضافة إلى اليمن، كلها مناطق انتشار ونفوذ إيرانية، وكلها تجتمع بحالة التوتر والفوضى المسلحة وحكم الدولة العميقة، وهو القاسم المشترك بينها، حتى مع سطوة حزب الله في لبنان والميليشيات في العراق، اختارت إيران دائماً حكم اللا دولة في إدارة مصالحها في تلك البلدان، وهو ما تكرر في اليمن”.

وسبق لقوات التحالف والقوات الأمريكية أن أعلنت خلال الأشهر الماضية، عن ضبطها عشرات شحنات الأسلحة الإيرانية التي كانت متوجهة من إيران إلى اليمن، بينها شحنات صواريخ بعيدة المدى.

وتعليقاً على تحليلات “حسيني”، يؤكد الباحث في السياسات شرق الأوسطية، “عبد الغني العجيل”، أن أهمية تشكيل التحالف لدعم الشرعية لم تقتصر فقط على وقف المد الحوثي، أو استرجاع المناطق التي سيطروا عليها، وإنما في منع تحقيق مصالح إيران بانتقال التوتر من اليمن إلى الدول المحيطة، في السعودية وعمان والإمارات، لافتاً إلى أن القضاء في تلك الدول ضبط عدة ميليشيات وخلايا مسلحة مدعومة من إيران على أراضيها.

*فكر واحد ومصالح متباعدة
خلافاً لما يتم تداوله بشكل علني عن ارتباط كامل بين الحوثيين ومصالح المشروع الإيراني في اليمن وشبه الجزيرة العربية ككل، يؤكد “العجيل” على أن مصالح طهران مختلفة تماماً عن ظاهر مصالح الحوثيين في السيطرة على اليمن وترسيخ تلك السيطرة، لافتاً إلى أن الاستقرار في اليمن قد يمنح الحوثيين ورقة قوة أكبر واعتماد أقل على الإيرانيين، ما قد يشجع بعض القيادات على التمرد أو الدفع للخروج عن العباءة الإيرانية، خاصةً في ظل عمليات الاقتتال الداخلي في الميليشيات، وبالتالي فإن المصلحة الإيرانية تقتضي بقاء الحوثيين تحت الضغط الكامل وبالتالي استمرار حاجتهم للدعم الإيراني وضمان عجدم تفاقم الأزمات والصراعات الداخلية بين قياداتها.

وشهدت السنوات الماضية، اغتيال عدة شخصيات قبلية موالية للحوثيين وعدد من قيادات الصف الأول في الميليشيات، كان في مقدمتهم شقيق زعيم الميليشيات “عبد الملك الحوثي”، الذي قتل العام الماضي، وسط العاصمة صنعاء، جهراً وخلال فترة الظهيرة، وهو ما ربطته مصادر يمنية بوجود صراعات وتصفيات داخلية.

إلى جانب ذلك، يوضح “العجيل” أن صمت المدافع والبنادق في اليمن، يقلل من فرص إيران في نقل التوتر إلى مناطق أخرى من الإقليم، كما يقطع الطريق عليها لاستهداف الأراضي السعودية، كما فعلت في أيلول الماضي، عندما استهدف الحرس الثوري الإيراني منشآت شركة أرامكو السعودية النفطية، لافتاً إلى أنه لولا الأزمة في اليمن ووجود الحوثيين لما تمكنت إيران من الإقدام على تلك الفعلة، خاصةً وأن الحوثيين أعلنوا مسؤوليتهم عنها وتحملوا وزراها نيابة عن طهران.

وكانت تقارير استخباراتية أمريكية، قد أكدت أن مسار الطائرات المسيرة، التي استهدفت المنشآت السعودية، تؤكد أنها لم تأتي من جهة الحدود الجنوبية مع اليمن، وإنما سلكت طريق قادم من الشرق، من جهة الحدود الإيرانية.

نظرة “العجيل” حيال العلاقات الحوثية-الإيرانية، تشترك مع نظرة الباحث “الفدعوس”، الذي أشار إلى أن وحدة الأيديولوجيا والفكر بين الميليشيات والنظام الإيراني، ليست سوى عامل للتغرير بالشيعة اليمنيين، وإقناعهم بأن ما تفعله الميليشيات هو مشروع عقائدي قائم بإسم الدين، وبالتالي تجنيدهم ضمن صفوف قواتها وإرسالهم إلى الجبهات، في حين أن الواقع يقول بأن مشروع إيران التخريبي اجتمع مع مصالح مجموعة ساعية السلطة، ليجد الطرفين في الطائفية سلاح مشترك يشرع تحالفهما ويجذب المؤيدين له.

المصدر، *مرصد الشرق الاوسط وشمال أفريقيا

إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص