أطفال اليمن بين الحرب والعنف الأسري

تتزايد ظاهرة العنف الأسري، يومًا بعد آخر، في كل المجتمعات، لاسيما في المجتمع العربي الذي ظهرت فيه أعمال العنف بشكل متزايد، وبخاصة في الآونة الأخيرة، وهذا عمل يتنافى مع الفطرة الإنسانية والدينية التي فُطِر الإنسان عليها، ومخالف لكل الشرائع والقوانين.
ولا يقتصر العنف الأسري على الوالدين فقط، بل على الأسرة بأكملها، ولكنه يكون أشدَّ خطرًا إذا كان صادرًا من الأب أو الأم تجاه أطفالهما، واللذين من المفترض أن يكونا مصدر الحنان والرحمة والحب لهم.
ويؤكد مختصون نفسانيون أن ظاهرة العنف لها آثار نفسية وبدنية على الأطفال، تنعكس وتظهر تدريجيًا في سلوكياتهم وأخلاقياتهم وتعاملهم مع من حولهم، فيتحولون إلى مُعنَّفين ومرضى نفسيين وعدوانيين، وبخاصة إذا تعرضوا للعنف الجنسي، سواء عن طريق زواج القاصرات والأطفال أو الاغتصاب، وتؤثر على مستقبل الأطفال.
وعن مدى انتشار ظاهرة العنف الأسري في المجتمع اليمني، يوضح الطبيب فارس القهالي،في المركز الصحي الكويتي، أن ظاهرة العنف الأسري التي سُجلت في المجالات الطبية، تقدر بمئات الحالات، وتشتمل على جميع أنواع الاعتداء على الأطفال، مشيرًا إلى أن منظمات حقوق الطفولة عجزت عن تقديم دراسات واقعية تحد من هذه الظاهرة وانتشارها.
إضافة إلى حالات العنف الأسري التي تتوزع بين عدة أشكال للعتنيف، منها 23% الإيذاء العمدي الخفيف، 34% الإيذاء العمدي الجسيم، 17% الشروع في القتل، 11% قتل عمد، 15% قتل شبه عمد.
وتشير معلومات حصلنا عليها من مركز الإحصاءات ومن الدراسات الميدانية التي قمنا بها، إلى حدوث أكثر من 200 حالة وفاة بسبب العنف الأسري ضد الأطفال، لعام 2019، في مختلف المناطق.
ويؤكد رئيس مجموعة سفراء الإنسانية والسلام في البحث العلمي لدراسة ظاهرة العنف الأسري، فاروق رزاز الشميري، أن ظهور وشيوع ظاهرة إيذاء وتعنيف الأطفال، ترجع لعدة أسباب، أهمها جهل المعتدي أو المعنِّف بطرق وأساليب التربية السليمة، الظروف الاجتماعية مثل الفقر، والخلافات الزوجية، والأوضاع الاقتصادية الصعبة، ووجود تاريخ لمرض نفسي، واضطراب الشخصية، وتعاطي المخدرات، إضافة إلى العنف الذي عاشه الأب أو الأم سابقًا.
وقد تكون الأسباب، حسب الشميري، عائدة للطفل نفسه، مثل رفضه لذاته أو لجنسه، والحالة الصحية، خصوصًا مع وجود إعاقات جسدية، ،مستوى الذكاء.
ويؤكد البحث الذي قام به أعضاء فريق السلام، لمعرفة الأسباب وكيفية العلاج، من خلال دراستهم الميدانية ومقابلة أكثر من شخصية متعلقة بالموضوع، والتواصل مع مراكز وعيادات ومختصين، أن أكثر الأسر التي يحصل الإيذاء والعنف في محيطها، في الغالب، هي أسر فقيرة وغير متعلمة، وتضم عددًا كبيرًا من الأطفال، ووجد أن تعاطي بعض الآباء أو الأمهات مواد الإدمان، ينعكس سلبًا على الطفل، وفي عدم تربيته تربية صحيحة.
كيفية تفادي ظاهرة العنف الأسري
من الآراء المقترحة حول إيجاد حلول جذرية للحد من هذه الظاهرة، تعاون جميع الجهات التوعوية والإعلامية والتعليمية والطبية والقانونية، لتأمين الاحتياجات الأساسية للأسر، لتتمكن من الاهتمام بأطفالها، وإعطائهم الأمن الكافي، لأنه لن تتم اي حلول إلا بوجود مجتمع مستقر نفسيًا واجتماعيًا واقتصاديًا، وبهذه الطريقة يمكن أن نحارب العنف بجميع أنواعه.
بعض قصص عن حالات العنف
صلاح الشعري، مواطن من محافظة إب، مديرية بعدان عزلة الحرث، تزوج أردنية، ثم انفصل عنها، وأخذ أولاده، وسافر اليمن، وتزوج بامرأة يمنية قامت بضرب أولاده ضربًا مبرحًا، وعذبتهم، ثم خنقت الطفلة التي تبلغ من العمر 5 سنوات، حتى الموت، وكشف الطبيب الشرعي عن وجود تعذيب وحشي بحق الطفلة، وقاموا بالتحقيق معها وإيداعها السجن.
قضية الطفلة إصباح يحيى مهدي، من مديرية صعفان بني جرين محافظة صنعاء، قام إخوتها الثلاثة بتعذيبها
وإجبارها على شرب السم حتى فارقت الحياة. وكشف التقرير الطبي عن حالتها، وتم إيداع الجناة السجن.
الطفل راشد القهالي، من محافظة المحويت، قام والده بضربه حتى تفطر جسمه وسال منه الدم وأصيب بغيبوبة، نُقِل على إثرها إلى المركز الصحي بحجة، وتم القبض على الأب وإيداعه السجن.
وهنالك قضايا كثيرة جدًا تم إحصاؤها ومتابعتها، تصل لعشرات بل مئات الضحايا من الأطفال الذين لا حول لهم ولا قوة.
حقوق الطفل وحمايته
تعقيبًا لكل القوانين التي تنص على تجريم العنف الأسري ومعاقبة مرتكبيه، يجب سرعة تنفيذ الحكم القضائي بحق كل الأشخاص الذين تم كشفهم والقبض عليهم في جرائم التعنيف بحق أطفالهم، ويجب مواجهة هذه الظاهرة بحزم ومهنية وتنظيم، وذلك لما لهذه المشكلة من تأثيرات خطيرة مباشرة على الأطفال ضحايا العنف والإهمال، الذي يعمل على مسخ شخصية الطفل وإذلاله وحرمانه من إنسانيته.
دور الإعلام في مواجهة هذه الظاهرة
تقول الدكتورة سامية الأغبري، أستاذ الصحافة في كلية الإعلام بجامعة صنعاء، إن الإعلام وبعض الأخصائيين والاجتماعيين والنفسانيين والأطباء، هم من دق جرس المشكلة، ونبه إلى أهمية التدخل وحماية ضحايا العنف الأسري وتأهيلهم نفسيًا واجتماعيًا، ولا بد من إقامة وتنظيم ندوات ودورات تدريبية للمتخصصين في كيفية كشف حالات العنف والتعامل معها.
دور الجهات المختصة والحكومية
يؤكد المحامي إبراهيم الحاتمي أنه لا بد من إصدار أنظمة تنظم الإجراءات والآليات وكل ما يرتبط بالإيذاء والتعنيف ضد الأطفال، وعلى وزارة الشؤون الاجتماعية إصدار قوانين تسمح بالتدخل للمكلفين والمهتمين في هذا الجانب لحماية الضحايا والأطفال المتعرضين للإيذاء، وإبعادهم، ومحاسبة كل الآباء المرتكبين لهذه الجرائم.
ويقول الحاتمي إنه يجب علينا أن نعرف وننبه ونوعي الجميع أن ديننا قد أمرنا برعاية أطفالنا والاهتمام بهم، لأنهم عماد المستقبل ومصدر سعادتنا.
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص