الحوثي وفاتورة مأرب الباهظة
سبب الحروب يكمن دائما في الحسابات الخاطئة.
كان الحوثي يقول إن الحرب عليه بدأت بسبب حسابات خصومه الخاطئة، والحقيقة أنه هو من أخطأ في الحساب في أكثر من مرة، عندما تم إغراؤه بدخول عمران وصنعاء وأن الإقليم سيسكت واليمنيين سيسلمون والعالم سيتعامل مع الأمر الواقع، ثم عندما غزا عدن للحسابات الخاطئة ذاتها، ثم لما ولما ولما إلى أن جلب الحرب والدمار والمجاعة وتهتك النسيج الاجتماعي والدمار الاقتصادي، ثم جاء خطؤه الأكبر في "غزوة مأرب".
الحوثي اليوم في وضع بائس رغم ما يظهر من أنه يتقدم.
معركة مأرب تستنزفه بشكل لم يشهد له مثيلاً من قبل، ولا حتى أيام ضراوة المعارك والطلعات الجوية في ٢٠١٥.
كثير من قيادات الحوثيين الميدانيين قتلوا، والكثيرون يدركون اليوم أن النزول إلى الصحراء شكل لهم حرب استنزاف على يد رجال الجيش والقبائل وطيران التحالف.
لقد سُحب الحوثي إلى معركة لا يمكنه فيها أن يتعلل بضربات الطيران على المدنيين، وأن يتاجر بالملف الإنساني، كما هي عادته.
اليوم الضربات تصيب مقاتلين معتدين في صحراء وجبال بعيدة عن التجمعات السكانية المدنية، فيما أصبح الحوثي هو من يتحمل عبء الفاتورة الإنسانية بسبب ضربات صواريخه البالستية التي تفحمت في نارها جثث الأطفال.
لم تعد الرواية الحوثية التي تروج لها أذرع إيران الإعلامية، لم يعد لتلك الرواية من رواج في الخارج، كما كان الأمر في ٢٠١٥ وما تلاها.
الصورة تغيرت: الحوثي الذي ظهر بصورة الأقلية المستهدفة طائفياً، أصبح جماعة إجرامية تمارس ديكتاتورية الأقلية، ومأرب التي عملت دوائر قريبة من الحوثي على تصويرها كمحافظة صحراوية تمثل مأوى للقاعدة أصبحت حاضنة لملايين النازحين من بطش الديكتاتورية الطائفية للحوثيين، وأصبحت المدينة تثير إعجاب الكثيرين من رجال سياسة ودبلوماسيين وإعلاميين يتوافدون عليها للاطلاع على هذا النموذج الذي يريد الحوثي أن يتخلص من كابوسه، قبل أن يتأثر به آخرون.
وفي الوقت الذي بدأت صورة "الحوثي اللص" تنتشر بفعل تصريحات دولية متواترة تتهمه ب"سرقة الطعام من أفواه الجياع"، ظهرت صورة "مأرب الإنسانية"، وهي تحتضن ملايين النازحين، وترسل ما يحتاجه أهلنا في مناطق سيطرة الحوثي من وقود بأسعار معقولة، يضاعفها عليهم الحوثيون أضعافاً مضاعفة.
وعلى المستوى العسكري يجد الحوثي صعوبات في إقناع الناس بأن معركة مأرب معركة وطنية ضد مرتزقة أو دواعش.
اليمنيون يعرفون سلوك الدواعش وكيف يبطشون بالأسرى، ويرون تعامل رجال الجيش والمقاومة مع المغرر بهم من أسرى الحوثيين.
وبالمقابل، لا يستجيب للحوثي في الحرب على مأرب إلا من أغراهم بالمال، كما يتم إغراء المرتزقة، ولذا نرى مئات المقاطع التي يهرب فيها مقاتلوه من المواجهة، لأنهم يعرفون أنهم معتدون، أغراهم الحوثي بالمال الملوث ليقتلوا إخوتهم في مأرب وغيرها، والمال عندهم ليس أغلى من الحياة، ولذلك يهربون عند اشتداد المواجهات، دون أن تنفع فبركات الحوثي، واشتغاله على الفيديوشوب في رفع معنويات مقاتليه.
أما المدافعون عن مأرب، فيصعب القول إنهم يقاتلون لأجل المال، لأنهم قد نسوا تاريخ آخر مرتب استلموه، بفضل السياسات غير المنصفة التي تصرف المرتبات لمن لا يقاتلون وتمنعها عن المقاتلين.
واليوم يزداد الضغط على الحوثي مادياً ومعنوياً، ولعل خطوته بالسيطرة على بنك التضامن تأتي في هذا السياق، وخاصة بعد تقليص شحنات الوقود الإيراني الذي يأتي للحوثيين فيعيدون تدويره للحصول على مبالغ طائلة لتمويل الحرب على مأرب.
ومن المتوقع أن يستمر الضغط الاقتصادي على سلطة الكهنة، رغم استمرار نهبهم للمليارات من أقوات الناس، وهو ما يجعل الحوثي يتوحش بشكل فاضح في عمليات السرقة والنهب للممتلكات العامة والخاصة.
أكثر ما يخشاه الحوثي قد وقع، وهو فشله المريع في السيطرة على مأرب والوصول إلى حقول طاقتها، والتي ما لم يسيطر عليها فإن كل مكاسبه على الأرض تعد صفراً كبيراً على الشِمال.
نكتب عن مأرب باستمرار، لأنها اليوم قبلة أهل النخوة من أقيال اليمن الذين ساروا على نهج نشوان الحميري في رفض كهنوت "الحق الإلهي" الذي يزعمه أولئك القادمون من مجاهل التاريخ وسراديبه المظلمة.
أرسل لي صديق قديم يقول: كنتَ عندي بحجم الوطن، لأنك كنت تكتب عن اليمن، لكنك اليوم تصغر إلى مستوى محافظة واحدة، لأنك تكتب عن مأرب.
قلت له: أنا لا أكتب عن مأرب من منطلق مناطقي، ولكني أرى اليمن اليوم في مأرب التي يدافع عنها أهلها، وأهلها هم من يسكنها من كل محافظات البلاد.
أنا أكتب عن مأرب التاريخ لا مأرب الجغرافيا، عن مأرب النموذج لا مأرب الأرض، عن مأرب اليمن لا مأرب المحافظة، والكتابة بهذا الشكل يمكن أن يكتبها أي يمني من أية محافظة، لأن قلوب اليمنيين اليوم معلقة بمأرب التي تعد معركتها فاصلة في الصراع بين اليمنيين وكهنة الأديان، حملة المباخر، مباخر المعابد المظلمة.
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص