اليمن : إقتصاد الحرب وإستثمار السلام .
 
تشكلت صورة اليمن لدى كثير من دول العالم أنها بلد حرب وعلى هذا النحو صُنفت ضمن الدول ذات المخاطر المرتفعة , وهي صورة تشكلت نتاج سنوات الصراع واللإستقرار التي عاشتها اليمن منذ سنوات . عززت من سوداوية الصورة تقارير المنظمات الدولية والإعلام المهوس بالأخبار العاجلة , وقبل ذلك وبكل أسف قيادات الدولة التي أعادت وتُعيد تصدير هذه الصورة أثناء حديثها عن مشكلات اليمن وحالته الراهنة في لقاءتها مع الدبلوماسية العالمية , أو عندما تحاول أن تشرح لصانعي السياسة في الدول التي لديها إرتباطات ومصالح في المنطقة وضع اليمن وضرورة دعم توجهات الدولة , ورغم أنها صورة حقيقية لكنها لا تعكس الواقع كاملاً .
نحن في الواقع لدينا بلد تنتشر فيه المليشيات المسلحة وهذا جزء من الصورة لكن المقابل لذلك لذلك لدينا مئات الألاف من الأيادي العاملة ذات الكلفة المنخفضة وليست الرخيصة , وفي مقابل مخاطر إنتشار السلاح هناك أيضاً سوق للمنتجات الإستهلاكية لأكثر من 30 مليون نسمة , كما لدينا موارد طبيعية هائلة وجغرافية واسعة تخبئ في باطنها مئات الفرص الإستثمارية في مجال المعادن والنفط والغاز , لدينا أيضاً موقع جغرافي مميز جداً بشريط ساحلي يمتد لأكثر من 2400 كم , كل هذه مقومات وفرص مغرية جداً للتفكير بإستثمارها .
هناك مصالح خارجية سواءً كانت إقليمية أو دولية ترى مصالحها في بقاء وضع اليمن على ماهو عليه الآن , لكن الأخطر هو وجود مصالح داخلية لقيادات في الدولة تسعى لإبقاء الوضع على ما هو عليه كذلك , وبالتالي تتماثل مع مصالح الخارج , وهذا هو الخطر الحقيقي والأشد فتكاً , دون أن تفكر بأن خارطة السياسة العالمية وإقتصاد الكوكب يتغير الآن , وبالتالي يصبح كل من يشارك في تصدير صورة اليمن بجانبها السلبي والمعتم فقط , هو شريك في دمار اليمن .
هناك مصلحة مشتركة ينبغي إبرازها إلى الواجهة بشكل منظم وذكي والتفاوض في محيطها ودائرتها , وعليه سيجد تجار الحرب داخلياً وخارجياً فرصاً مناسبة لهم في مرحلة إعادة الإعمار والتنمية , السوق كبيرة والفرص كثيرة , فقط يفكروا بذكاء , والأمر يستحق إعادة التفكير والنظر إلى المستقبل من نافذة التطور الحاصل في العالم الآن , فتجارة التكنولوجية وتقنية المعلومات والإتصالات مؤخراً أصبحت تنافس تجارة السلاح بل وتتجاوزها , وعوائد الإستثمار في الغذاء يحقق عوائد بمليارات الدولارات .
فرصة التحول من حالة الحرب والصراع إلى مرحلة التنمية ليست سهلة لكنها كذلك ليست مستحيلة بل وممكنة جداً , تحتاج إلى رؤية وأهداف واضحة وممكنة وبعدها عملية إصلاحات في قطاعات أساسية .
أتابع منذ سنوات حالات التحول والتعافي في البلدان التي خاضت حروب وصراعات داخلية , وأعيد مقاربة هذه النماذج مع الحالة اليمنية الراهنة وأدرك أن إمكانية بناء فرص السلام في اليمن ليست معقدة كثيراً إذا ما قارناها بنموذج الصومال أو رواندا . أو حتى ليبيا التي إتفقت القوى المتصارعة فيها على إعادة تشكيل حكومة وحدة وطنية وإنهاء الإنقسام في البنك المركزي الليبي وإتاحة المجال للمرأة للمشاركة في الحكومة ورسم سياسة الدولة , وتفسير الواقع يقول أن تجار الحرب وجدوا أيضاً فرصاً جيدة في إستثمار السلام .
 
* كاتب مهتم بالشأن الإقتصادي
* نقلا عن مجلة الاستثمار .العدد 58 يونيو 2021
 
 
 

عزيز علي الصلوي، أسعد الصيفاني وشخص آخر

 
 
 
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص