عن هدنة لم تصمد ساعات

سألني مذيع قناة بلقيس عن تصوري لمشروع الهدنة التي دعى إليها اجتماع لندن والهادفة إلى إيقاف المواجهة العسكرية لمدة 72 ساعة وفتح المعابر لإيصال الإغاثة الغذائية والدوائية.
رددت عليه معبرا عن الاستغراب من التعجب الشديد من أن المنظمة الدولية بكل كادرها وممثليتها مستعينة بأربع دول كبيرة كل الذي تستطيعه هو التوصل إلى هدنة 72 ساعة، وهو ما يعني أنه (وعلى افتراض التقيد بمتطلبات هذه الهدنة) على اليمنيين أن يستعدوا لما بعد الهدنة ما، أي إن الحرب بعد 72 ساعة قد تكون الأشد عنفا والأكثر فتكا والأكبر تأثيرا وتدميرا.
لكنني قلت له أن تجربة اليمنيين مع التحالف الانقلابي تؤكد أنه لا يطالب بالهدنة إلا ليخرقها، ككل هدنة سابقة قد تم خرقها خلال ساعات من بدئها، وكأن التحالف الانقلابي يريد توقف المواجهة مع التحالف العربي أما العدوان على المدن واستمرار قصف المناطق السكنية والاعتداء على مناطق التماس في تعز وكرش والضالع والبيضا ونهم والدجوف وغيرها من المناطق التي يستأسد فيها جنود الانقلابيين بمجرد توقف الطلعات الجوية لقوات التحالف فإنهم يعتبرونها خارج الهدنة، بيد إن الخروقات هذه المرة قد جاءت مختلفة، فقد تم إطلاق الصواريخ الباليستية على مناطق سعودية والسعودية هي العضو  في التحالف الذي يطلب منه الانقلابيون إيقاف طلعاته الجوية، بمعنى: "أوقفوا طيرانكم لكي نتمكن من قصف أراضيكم".
عندما أقدم الحوثيون على مناورتهم العسكرية بالقرب من الحدود السعودية في العام 2014م (قبيل انقلابهم على الرئيس هادي وحكومته) كتبت مشيراً إلى النملة التي تتحرش بالفيل، وقد علق أحد أصدقائي السابقين من أنصار الحوثيين متهما لي بأنني الوحيد الذي يرى السعودية فيلا "أما نحن ـ يقول صديقي ـ فلا نراها إلا نمرا من ورق" وهي العبارة الشهيرة لماو تسي تونغ عندما كان يصف "الإمبرياليين وجميع الرجعيين".
خلال أقل من 24 ساعة من بدء الهدنة الأخيرة رصد المراقبون 43 خرقا من قبل المليشيات الانقلابية، منها إطلاق مقذوفات نارية على مدن وقرى حدودية سعودية فضلا عن صاروخيين بالستيين على مأرب، وهو ما يعني أن مفهوم الهدنة عند هؤلاء قد تطور أكثر مما كان عليه في الماضي فهو لم يعد يعني إيقاف المواجهة مع دول التحالف ـ وعلى رأسها السعودية بطبيعة الحال ـ بل صار يعني أن المطلوب من دول التحالف أن تتوقف عن الخوض في العمليات الحربية، لكن مع السماح للانقلابيين في التعدي على أراضي هذه الدول.
لم يكن أحد يتمنى أن تتحول الأراضي اليمنية، لا في الشمال ولا في الجنوب، إلى ساحة حرب إقليمية بالوكالة، لكن اليمنيين يعرفون حق المعرفة من الذي حولها إلى هكذا ساحة ومن الذي ساعد المتطرفين في سلطة الملالي في طهران كي يتبجحوا بالحديث عن عاصمة عربية رابعة صارت في قبضتهم.
لا يرغب الانقلابيون في الهدنة إلا إذا كانت تعني استمرارهم وحدهم في قصف المناطق التي يشاؤون قصفها والاعتداء على المدنيين في جميع مناطق التماس، دون حق الآخرين في الرد عليهم وهو منطق معوج لا يمكن أن يقبل به لا عاقل ولا مجنون، هم لا يريدون الهدنة لأن الهدنة تترتب عليها التزامات سياسية وقانونية وإنسانية هم غير جديرين بالوفاء بها، ولأن الهدنة تحتاج إلى مرحلة أخرى قد تتطلب الانتقال إلى التسوية السياسية للأزمة التي صنعها الانقلابيون وهم لا يرغبون في هكذا معالجة حتى لو تركت لهم نصف السلطة ونصف المؤسسة العسكرية ونصف المنهوبات التي سطوا عليها، فالتسوية السياسية الوحيدة التي يريدونها هي تلك التي تبقي لهم السلطة كاملة والمؤسسة العسكرية والأمنية كاملة وتحتفظ لهم بالأموال المنهوبة كاملة دونما نقصان.
من المؤسف القول أن كل المؤشرات تدل على أن الهدنة في طريقها إلى الانهيار إن لم تكن قد انهارت منذ اللحظات الأولى لبدء تطبيقها، فلا المقاومون ولا الألوية العسكرية المؤيدة للرئيس هادي ولا دول التحالف يمكنها أن تقبل بهدنة من طرف واحد وترك الطرف الآخر يتصرف كما يشاء ويطلق النار والصواريخ على من يشاء وفي أي اتجاه يشاء.

إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص