ليس المستغرب خريطة الطريق التي يحملها المبعوث الأممي، إسماعيل ولد الشيخ، تجاه اليمن، بالنسبة لي على الأقل، وإنما المستغرب استغراب كثيرين بشأن تفاصيل هذه الخريطة التي لم تبتعد كثيراً عن كل ما سبقها من مبادراتٍ وقراراتٍ للحل في اليمن، وإنما الجديد فيها هو الحماس البريطاني الكبير لتحويلها إلى مشروع قرار أممي لمجلس الأمن الذي عجز عن تنفيذ كل قراراته السابقة تجاه اليمن، وفي مقدمتها قراره 2216 الذي كان بمثابة خريطة طريق واضحة للحل في اليمن.
لكن، لماذا الآن وفي هذا التوقيت، يخرج مشروع خريطة الطريق هذه في اليمن. ولماذا تتماهى بعض الأطراف الخليجية في التحالف العربي مع هذه الخريطة، وما علاقة مضمون هذه الخريطة بتطورات المشهد العربي، من الموصل إلى لبنان ومصر، مروراً بحلب وغيرها من مناطق النزاع والصراع العربي العربي المبارك دولياً.
أولاً وقبل كل شيء، مضمون خريطة الطريق، هذه والتي تحدثت عن رئيسٍ بلا صلاحيات، وإزاحة نائب الرئيس، واختيار نائب رئيس توافقي، بصلاحيات رئيس جمهورية، وتشكل حكومة وطنية، والحديث عن انسحاباتٍ عسكرية، وكل هذا من مدخل أن ثمة صراعا سلطويا بين طرفين شرعيين، لا شرعية وانقلاب. وهذا مدخل خطير وكارثة على الشرعية والتحالف العربي، في حال التعاطي معه، والقبول به، لتسفيه فكرة الشرعية من جذورها، وكل ما ترتب عليها لاحقاً من تحالف عربي وعمليات عسكرية، وهلم جرا.
وانطلاقاً من هذه النقطة، أعتقد أن مجرد تفكير الحكومة الشرعية، أو التحالف، بمجرد نقاش مثل هذه الأفكار، سيفتح الباب على مصراعيه، لمناقشة قضايا كثيرة يعتبر نقاشها نسفاً لكل ما تحقق سياسياً وعسكرياً للحكومة الشرعية والتحالف العربي، منذ بدء "عاصفة الحزم" حتى اللحظة، بغض النظر عن الإخفاقات الأخرى، ما يعني ذهاب كل الجهود التي بذلت سدى وأدراج الرياح، وفتح الباب على مصراعيه لتدخلاتٍ إيرانية مباشرة على الأرض، عدا عن خطورة الذهاب بعيداً عمّا أصبح راسخاً في أذهان المجتمع الدولي بشأن حقيقة الصراع في اليمن، من منظور القرارات المرجعية السابقة التي تستند عليها الشرعية خلال هذه المرحلة.
وبالعودة إلى التوقيت، لا شك في أنه كان لانهيارات الانقلابيين، عسكرياً واقتصادياً، دور واضح في هذا السياق، فكلما تراجع الانقلابيون عسكرياً رأينا بعض أطراف المجتمع الدولي والإقليمي يسارع إلى إيجاد مخارج لإنقاذ هذه المليشيات الانقلابية التي لم يعد خافياً مدى ما تحظى به من دلال، كان سبباً رئيسيأً في تشجيعها وإعطائها ضوءاً أخضر للانقلاب، منذ البداية، على الإجماع الوطني الذي كان اليمنيون على وشك الانتقال به سياسياً وديمقراطياً، والتأسيس لمرحلة جديدة.
وفيما يتعلق بتماهي بعض أطراف التحالف، كالإمارات التي رحب وزير شؤون خارجيتها
"كلما تراجع الانقلابيون عسكرياً سارع بعض المجتمع الدولي إلى إيجاد مخارج لإنقاذهم" بالخريطة، وكل النخب الليبرالية السعودية المحسوبة على أبو ظبي أكثر من حسبانها على الرياض. والمتمنى أن يكون ترحيب هذه النخب بهذه الخريطة المشؤومة ألا يبعد الأمر عن مجرد كونه سوء تقدير، باعتبارات الحسابات الضيقة تجاه أطراف فاعلة في المقاومة اليمنية، وليس انخراطاً في مخطط واضح، ليس فقط ضد الشرعية اليمنية فحسب، وإنما ضد الهدف الكبير من عمليات التحالف في اليمن، والمتمثل بضرب النفوذ الإيراني، من إحكام سيطرته على اليمن، واتخاذها منصة انطلاقٍ لتطويق الجزيرة العربية، وكل عواصم الخليج العربي فيها، بعد أن تم تطويقها من الشمال، بإسقاط العراق وسورية ولبنان، وتدمير كل البيئة المناوئة للنفوذ الإيراني، تحت لافتة محاربة داعش، في المناطق السنية، والتي تعد الموصل وحلب آخر حصونها.
وفي هذا السياق أيضاً، ليس بعيداً ما جرى، أخيراً، في لبنان الذي صار رئيسه العماد ميشال عون، حليف طهران وحزب الله في بيروت، ما يعني، فيما يعني، انتهاء النفوذ السعودي والخليجي في لبنان، وتحولها إلى ضيعة كبيرة لمليشيات الضاحية الجنوبية الإيرانية، عدا عن التطور الأخطر، والمتمثل بانجذاب مصر السياسي نحو محور طهران، ومشروعها في المنطقة، وعواصمها الخاضعة لنفوذها من بغداد ودمشق، في تطورٍ خطيرٍ في مسار التحالفات العجيبة التي تمضي كلها نحو تطويق الخليج، وفي القلب منه الرياض التي تمثل آخر حصون المواجهة والممانعة للنفوذ الإيراني في العالم العربي.
وبالعودة إلى الخريطة ووظيفتها يمنياً، لا شك مطلقاً، وهذا ما يعلمه الأخوة في المملكة والخليج، أنها بمثابة طوق نجاة للانقلابيين، والمشروع الإيراني المترنح في اليمن، وأن هذه الخريطة ليست سوى دفع بهذا المشروع من الانهيار المتسارع، في ظل التقدم العسكري المتواصل للقوات الشرعية والمقاومة الشعبية، على الرغم من كل ما يحيط بها من مؤامراتٍ عديدة على كل المستويات.
مع هذا، تبقى كل القرارات الدولية مجرد حبر على ورق، أمام واقع يشكله أبناؤه، ويصنعون
"تبقى كل القرارات الدولية مجرد حبر على ورق، أمام واقع يشكله أبناؤه، ويصنعون انتصاراته بتضحياتهم" انتصاراته بتضحياتهم. ولينظر اليمنيون إلى القرارات الأممية السابقة التي كان بعضها تصب ضد مشروع الانقلاب، كالقرار 2216. ولكن، أمام عناد الانقلابيين، لم يحدث شيء يذكر، وبالتالي أي قرار، لا قيمة له في حال رفضه أصحاب الشأن، وسعوا إلى صنع واقعٍ، يحققون من خلاله أهدافهم، ويضعون شروطهم، فالمجتمع الدولي في أقصى درجات العقوبة التي يمكن أن ينزلها هو بيان إدانة واستنكار، وليس بمقدوره أكثر مما هو كائن أصلاً، ولم يسبق للأمم المتحدة أن حققت نجاحاً يذكر في كل قضايا المنطقة، قديماً وحديثا.
وبالتالي، كل ما يراد من مثل خرائط ضرار كهذه، لا يعدو كونها محاولة سياسية لإنقاذ الانقلابيين، ومدهم بمزيد من الوقت، لترتيب صفوفهم وأوراقهم، ومعاودة الكرة، وهذا ما عودنا عليه الانقلابيون طويلاً، منذ بداية الحرب التي كان في كل جولة يقتربون من الهزيمة، كلما سارعت بعض أطراف المجتمع الدولي إلى إنقاذهم في اللحظات الأخيرة، بهدن واتفاقات تنتهي بانتهاء حاجة الانقلابيين لها.
ومن ثم، لا تعدو مثل هذه الخريطة، في ظل كل التطورات التي تجري محلياً وإقليمياً ودولياً، كونها محاولة لشراء مزيد من الوقت للمليشيات الانقلابية، وانتظار ما ستسفر عنه الانتخابات الأميركية، وما ستقرّره معركة الموصل وحلب، وعدد من الملفات الأخرى. وبعد ذلك، سيكون لكل حدث حديث، أما الجانب اليمني في الشرعية، وكذلك التحالف، فالرد الأنسب والأقرب إلى المنطق والواقع هو تحريك عجلة الحسم على أكثر من جبهة، وقبلها العودة إلى إدارة المعركة من الداخل، فهذه أبلغ في الرد على مشروع هذا الخريطة من رفضها من دون أي خطوات عملية رادعة.
أما التحالف العربي، وفي القلب منه المملكة العربية السعودية، هذه آخر معركة يمكنهم خوضها حتى النهاية، والانتصار فيها، دافعاً عن وجودهم الجيوسياسي والتاريخي، باعتبار خريطة ولد الشيخ ليست سوى تمهيد أولي للمشروع الإيراني، لالتهام الخليج، بعد التهام اليمن وتفجيره صراعاً طائفيا من الداخل، فهل، يا ترى، يدرك الأخوة في الخليج ذلك جيداً؟ هذا ما نتمنى أن نراه ونسمعه واقعياً على الأرض.
*العربي الجديد