فجأة، ودون سابق تخطيط، يجري الإعلان عن لقاء ثلاثي يجمع وزراء دفاع إيران وروسيا ونظام بشار، وأين؟ في طهران، وليس في موسكو أو دمشق. ويحدث ذلك بعد مغادرة نتنياهو لموسكو، إثر زيارة دامت ثلاثة أيام، وبعد أيام من خطاب بشار أمام ما يسمى مجلس الشعب، والذي بدا أن جوهره هو القول إنه ليس دمية بيد الروس، وإنه لن يقبل (بالضرورة) برؤيتهم التي تقوم على تسوية للصراع مع المعارضة المسلحة، وإنه ماض في حربه «حتى اقتلاع الإرهاب من جذوره».
قلنا ونكرر أن حضور الروس إلى سوريا لا يعني تهميشا لإيران، لكنه يعني أن البلد قد أصبح موضع نزاع بين طرفين، أحدهما قوة دولية كبرى، مع فارق أن سطوة إيران على بشار لا تزال الأكبر، ليس بسبب التاريخ والعلاقة فحسب، بل أيضا لأنها هي من تدفع كلفة الحرب من الناحية المالية أولا، والبشرية ثانيا، وما قتلى حزب الله والميليشيات القادمة من الخارج، فضلا عن الإيرانيين سوى دليل على ذلك، بينما لم يخسر الروس بسبب سوريا سوى بضعة قتلى لا أكثر.
خطاب بشار، وقبله الكثير الكثير من التلميحات من إعلام التابعية الإيرانية.. كلها أكدت أن المسافة بين الحليفين في سوريا آخذة في الاتساع، بخاصة حديث الأخير الصريح عن العلاقة القوية بين بوتن ونتنياهو، وحرص الأول على ضمان مطالب الثاني في أية ترتيبات مستقبلية لسوريا، وتحديدا التركيز على إخراج سوريا من المحور الإيراني. أما الذي لا يقل أهمية فهو الخلاف على المسار العسكري في الداخل السوري، حيث ترى موسكو أن التسوية هي الهدف، في حين لم تغادر طهران وبشار أوهام الحسم العسكري بعد.
على هذه الخلفية جاء اللقاء الثلاثي، وأن يكون في طهران، يعني أن موسكو هي التي تسترضي وليس العكس، فالعنوان في اللقاءات مهم في قراءة دلالاتها.
في النتيجة، كان الاتفاق بين بين، أقله كما عكست ذلك تصريحات وزير الدفاع الإيراني بعد اللقاء، والتي يمكن تلخيصها بقوله: «نوافق على وقف إطلاق نار مضمون لا يؤدي إلى تعزيز قوة الإرهابيين». أي تمرير رأي الروس في الاستمرار في قصة الهدنة، ولكن بشروط جديدة لا تمنح «الإرهابيين» كما يسمونهم فرصة الاستفادة منها.
المثير واللافت في تصريحات الوزير هو الهجوم بلا مناسبة على السعودية، وربطها بالكيان الصهيوني، ولا يعرف إن كان ذلك جزءا من المرض الإيراني الذي استفحل مؤخرا في شتم السعودية بأي مناسبة وربطها بالكيان، أم أن فيه رسالة إيرانية للروس بشأن العلاقة الحميمة مع نتنياهو، لكن النتيجة أن روسيا لن تكون تابعا لإيران، وهي الأقوى من الناحية العملية، وتخليها عن بشار يعني الكثير في المعركة، وليس أمام طهران والحالة هذه سوى ابتلاع الموسى والقبول بتلبية بوتن لمطالب نتنياهو، أو وقبل ذلك وبعده التخلي عن أوهام الحسم العسكري، لأنه يعني تورطا طويلا لا تريده موسكو.
هذه هي نتيجة المغامرة الإيرانية الساقطة في سوريا. دمار وقتل بلا حساب، وخدمة رهيبة للكيان الصهيوني، وهي رغم ذلك لن تعيد الوضع في سوريا إلى ما كان عليه، ليس بوجود شريك كبير، بل أكبر هو روسيا، بل أيضا لأن الحرب لن تضع أوزارها ببقاء النظام ببنيته القديمة، حتى لو استمرت الحرب عشر سنوات أخرى.;
- نقلا عن صحيفة العرب