نسمات عيدية
يهل العيد معطر جنبات النفوس بالبهجة والسرور، والطِّيب والبَخور ، يزرع الصفاء والنقاء ، وينتزع الفرح من ركام الغم والهم والكدر ، يأتي بهيجاً ليحطم أغلال الأحزان ، أحزان الضمير وأحزان الواقع ، أحزان الفرد وأحزان البلد والأمة . في العيد يعانق الفجر سنا الشّمسِ السّاطعة التي تُبادر السحب بالتحيّة ، فتردّ السّحب التحيّةَ، وتغادر الأفق لنتمتع بصفاء السماء ، و تبدو الأرضُ باقةَ زهر شذيّة، والأفق باسماً وضيئاً من صدى فرحة أرواحنا المحبة ، ترقُّ القلوبُ لتنسج من نبضاتها أناشيدَ المحبّة، ومن شرايينها المتدفّقة حبال الودّ، ومن شُغُفِها الطريّة ثيابَ الصّفاء . في العيد يخشع المدى والآفاق، وتهتزّ الجبال الراسيات، وتطرب الأرض والسماء لجلال وبهاء نداءات التكبير التي تنبعثُ من المآذن العامرة مضمّخةً بذكر الخالق ، ويتدفق شلاّل من الفرح في قلوب الناس فتصبح مشاعرهم الرّهيفة أكثر بياضاً من الثّلج، وأحاسيسهم الشّفيفة أغصاناً مثمرة تملأُ النفس عطراً وجمالاً وروعة . العيد مناسبة صلح وتراحم بين القلوب والقلوب، بين العتاب والودّ، بين الزنابق والبنادق، وبين السكاكين والرياحين ، وبين الحدود والورود ، و هو قبل هذا وذاك مبادىء تُصافح قيماً، وتسامح يسكن أفئدةً، ولقاء يمحو جفاءً . العيد أرواحٌ تطير كأسراب الحمائم البيض، ونفوس تُشرق بنقاءٍ أروعَ من يقظة الفجر ، يصنع الفرح فيه أولي النفوس الطيبة النقية ، وليس منهم القاطعين لأرحامهم، والمتعالين في تصرفاتهم ، العيد ليس لهؤلاء، وإن كان الفرح شعارَهم، والجديد لباسهم. العيد يرسم أجمل صورة ويجب ان تتكرر على مدار العام ، فيها نتسابق على الأمهات والآباء فنقبّل الأيادي والرؤوس، ونسكب في آذانهم أحلى وأرقّ التعابير، ونُودِعَ في أيديهم أغلى وأحلى الهدايا ، ولعمري ليس ذلك كثيراً ،لأنّ من يضحّي بعمره وشبابه حتى يربّي، أعظم ممن يضحّي بوقته وبعض النقود ثمن هديّة ليؤدي واجباً . على مستوى الروح والمشاعر فالعيد ثورة على الأحزان في عالم الضمير وعالم الواقع ، فهو يتحداها ما دام في القلب إسلام وإيمان، فالمؤمن ما بقي إيمانه فقد حاز أعظم النعم وحُلِّلَ بأفضل الحُلَل ، والمسلم ما أصبح على دين ربه وهدايته لا تضره أحزان الدنيا وأتراحها ، ومن لم يعِ هذا المبدأ فإنَّه سيقتل في نفسه بهجة العيد الحقة . لا توجد أمة أو ملة أو بلد لم يداهمها الحزن او الهم ، ومن ذلك أمتنا الإسلامية وبلدنا على وجه الخصوص لكنّ أحزان الأمم والبلدان لم تطفأ بهجة أعيادها ، ولم تكن حائلا دون الفرحة بين فينة وأخرى، فأولى ثم أولى أن لا تطفأها الأحزان الشخصية ، فما من أحد إلا وقد مسه الحزن ، ومرت عليه أظفار الأسى في نفسه ، لِدَين أو فَقْدٍ أو غربة أو خصام ، أو أي كان . وساعطيك من سُبل الحكمة أحدها .. إن أتاك من يُحاول أن ينغِّص عليك في العيد ، ويحرمك سعادتك في هذه اليوم _ ولعل البعض قرَّر أن يتخصَّص في هذا الجانب_ فحوّل انت هجمته عليه ، وانقله من جوه الكئيب الى رحاب السعادة والفرحة ، وليكن اخر عهده بالحزن ساعته تلك ، فتكون حافظت على سعادتك ونشرتها فيمن حولك ، وتلك لعمري فلسفة الفرح العام الذي يحب أن يسود . أيها العيد : انثر على كل من تصلهم حروفي ورود السعادة ، وعطرهم برائحة البهجة ، والبسهم ثوب الفرحة ، ويا ساعات العيد الباسمة، انُثُري دقائقك وثوانيك مطراً على روابينا المشتاقة ، ويا فرحة العيد، أرسلي لنا بسمةً تلوّن شفاهنا لتتوحّد مشاعرنا . كل عام وانتم بالف خير .
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص