مأساة صعدة

(صعدة) تَتَلوى ألما ولا بواكي لها.. من لم تقتله الحرب قتلته الأمراض، ومن لم يشرده طيران التّحالف شرده ظلم وقهر عصابات الحوثيين، ومن لم يُفقره الحصار أفقرته مداراة المشرفين والإنفاق في سبيل مغامرات الجماعة وإحياء مناسباتهم.

 

هذه خلاصة عشرات الرسائل التي يصف فيها أبناء صعدة مأساة بلادهم، ويتمنون أن تُفتح نافذة على مأساة صعدة؛ لعل العالم يسمع صوتهم ويرى معاناتهم، خصوصاً أنهم باتوا في نظر المجتمع اليمني أنصار الحوثيين، وأدوات قمعهم، وكتائب غَزوهم.. فوقعوا بين سندان هذا ومطرقة ذاك!!

 

كان من الطبيعي (في مأساة صعدة ) أن ينخرط بعض أهلها مع الحوثيين، سواء كانوا مؤيدين بجّد أم مُنْجرفين مع التّيار، شأنهم شأن غيرهم في المناطق الأخرى؛ فكثير من الناس يضطرون للعيش في ظل هيمنة المُتَغَلّب أياً كان وفي أي مكان، إذ ليس كل الناس قادرين على الهجرة، وليس كل الناس يمكنهم الصمت فضلاً عن الكلام!

 

ما ليس طبيعياً أن يُوضع جميع أهل صعدة في مرمى أي نوع من أنواع الاستهداف، وهم الذين حَلّت عليهم مسيرة الموت والخراب قبل غيرهم، وقاوموها وتجرعوا بلاءها سنوات طوال، حتى رحّبت بها الأحزاب في ساحاتها وفتح لها قادةُ البلاد أبوابها، وأصبح بعض خصوم الأمس يتسابقون لركوب موجة التّحولات!!

 

وإذا كان بعض أهل صعدة قد مجّدوا (الحوثي) وهو حي يعيش بينهم، فإن غيرهم بات يقدسه وهو ميّت وليس منهم ولا بينهم!.

 

فالمسألة إذا مسألة تحوّلات سلبية تزامنت مع وعي جماهيري مُشوّه تشكّل في ظل التّصفيق للكُبَراء والتّطبيل للمتغلبين، فلا ترمى به هذه البلدة بخصوصها أو تلك!

 

ومن مأساة صعدة أن أهلنا في عموم اليمن يظنون أن أهل صعدة يعيشون فيها بعيداً عن القَمع والسجون، وما علموا أن المختطفين هناك أسوأ حالاً من غيرهم، فزبانيّة المسيرة في صعدة هم الجلادون وهم المحامون، وهناك لا يمكن السؤال عن مُختطف أو مسجون.. أين هو؟ ما تهمته؟ ما الذي فُعل به؟

وإذا سأل أحد عن سجين فسيكون السائل في ورطة، بتهمة علاقته بالضّحية، وسيكون المسؤول عنه في ورطة أيضاً، بتهمة أن له علاقة بالآخرين.. فلا السائل يَسْلم ولا المسؤول عنه ينجو!.

 

طبعاً ليس كل المسجونين كذلك، فأنصار المسيرة والمتمسّحون ببركات الوَلي «لا يمسهم السوء ولا ههم يحزنون»، وحقهم حق وباطلهم حق «ويا ويل من عاداهم وضد الله وقَفَ»، أصِخْ جيداً يا صديقي.. «إنهم مجاهدون»!!

 

ختاما ..العمل على إطلاق الأسرى والمعتقلين عمل إنساني شريف، غير أنما نخشاه بعد ذلك، أن تنفتح شهية العصابات على الاعتقالات؛ بهدف تعزيز أوراق التفاوض وإتمام الصفقات في المستقبل، وتوسيع دائرة المتاجرة بالجوانب الإنسانية!!

 

إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص