عملية حشر الناس في عوالم النُظم السياسة الحديثة في نظام مركزي واحد لمجتمع متعدد الثقافات والايديولوجيات والعادات والتقاليد، لم يعد له قبول، تحديداً في الدول التي فشلت فيها المركزية ونظام الدولة البسيطة، نتيجة إما لفشل الأنظمة المتعاقبة قسرياً على حكم تلك الدول منها اليمن. وإما لعدم تطبيق مبادئ العدل والمساواة واستغلال مصادر الطاقة والثروة لصالح نخب بعينها، وعدم سوقها باتجاه إنشاء بنية تحتية حديثة ووسائل عيش ورغد اجتماعي كريم، يحقق الأمن والاستقرار النفسي والمعنوي لكل طبقات المجتمع دون تمييز، والذي بدوره ستنعكس إيجابياته إبداعاً علمياً وفكرياً وسياسياً على كل مناحي الحياة.
أو لاتساع رقعة جغرافية الدولة وتعدد مناخاتها وتضاريسها وتمتعها بموقع استراتيجي يجلب أطماع الآخرين إليها وبالتالي تفقد إحكام قبضتها الأمنية عليها وحماية حدود أطرافها من تسلل وتهريب آفات الممنوعات وعناصر الإرهاب، وبدورها تتكاثر الذرائع حتى يصبح الأمر حجة حاضرة لتدخل الدول ذات المطامع الجيوسياسية وفرض وصايتها وانتهاك السيادة بحجة محاربة الإرهاب وتأمين طرق الملاحة الدولية من تلك المخاطر.
وعليه باتت حتمية نظام الأقاليم في اليمن ضرورة ملحة للأسباب التي أوردناها آنفاً ولِتكشُّف أسباب أخرى كانت مغروسة في شغاف قلوب عشاق السلطة البشع، دون مراعاة خصوصيات المجتمع وتلبية حاجياته الضرورية من قيم العدل وأسس المساواة وتوزيع السلطة والثروة والوظيفة العامة وفقاً للاستحقاق والقدرة والنزاهة، حتى تصبح مواداً ضرورية لتحقيق سبل البقاء وتوقِف عجلة الحروب التي أودت بالوطن ومقدراته منذ قرون.
هذا وإذا ما حُرم الشعب اليمني من تحقيق ما توافق عليه من نظام الأقاليم لأسباب داخلية أو خارجية، فمن حق أبناء إقليم هلال اليمن الخصيب الممتد من مأرب مروراً بالبيضاء وإب وتعز وصولاً إلى الحديدة رفع أصواتهم مطالبين بحق الاستقلال المالي الإداري في ضل دولية يمنية اتحادية من أي نوع من الاتحادات، تحقيقاً لرفع المظلومية التاريخية عليهم من السلطة المركز للقبيلة أو السلالة أو المنطقة، وإتاحة فرصة الإعمار والصناعة والزراعة لهم واستخراج الثروات وبناء المؤسسات التعليمية والإدارية دون هيمنة همجية من أحد أو نفوذ طاغي من جماعة.
ورفع من على كواهل الناس مضلة الطغيان الثقافي والسياسي والمذهبي، وقطع أيادي النهب التاريخي للأراضي، الإجهاض المنظم والمستدام لطاقات وطموحات الناس، ولم يكن الأمر خافياً على أحد إذ حُرم أبناء مأرب مصدر الخير الزراعي والسياحي والنفطي لليمن من ابسط استحقاقاتهم حيث كانت خطوط محطات مأرب الكهربائية تعبر كل السهول والجبال لتصل إلى المركز وأهلها في غياهب الظلام، ويباع كل منتجاتها من النفط والغاز ثم يصب ريعه في جيوب المصابين بشبق السلطة وحواشيهم، وأهلها يعانون مرارة الفقر والحاجة، ولم تقف المسألة عند ذلك الحد بل تم تشويه أحفاد سبأ بأنهم قُطاع طرق وحملةً لسلاح الخوف ليس إلا!! حتى كَذَّبتْ دعاواهم الأحداث الأخيرة وباتت مأرب ملاذاً للخائفين والنازحين وأصحاب رؤوس الأموال والطامحين في بناء الدولة المدنية الحديثة.
أما مدينة البيضاء مخزن الرجولة والنخوة والتضحيات الوطنية التاريخي، فليسأل الناس عن رجالها المناضلين الذين شاركوا في كل أحداث اليمن الوطنية وعلى رأسهم المورد الوطني الكبير الشيخ والشاعر القائد العسكري المحنك " أحمد عبد ربه العواضي" وماذا كان مصيرهم بعد الثورة وماذا حل بأرضهم من تشويه مجتمعي وغرس السلالات الهاشمية عنوة بينهم للتحكم في رقاب الناس ومصادرة أرزاقهم.
أما اللواء الأخضر "إب" فقصته من المأساة أخرى لا ينم تحت جفونها ولا يرتاح لآلامها جراح حيث كانت أراضيه ووديانها الخصيبة تُقسم مكافآت بين عُكفة الإمامة لصنيعهم في حروبهم ضد إخوانهم من اليمنيين، وتنتهب الوديان الخضراء ويُسيَّد على أهلها من خارجها، حتى بقي الناس فيها عمالاً ورعية ومصادر أرزاق لكل من ضاقت به حاله في أرضه وجباله، حتى ثار أهلها مراراً ضد الظلم المستحدث بأرضهم بداية بثورة الفقيه سعيد ومروراً بمقاومة الشيخ محمد العُقاب في منطقة حبيش " إب" وصولاً إلى كل الثورات الوطنية التي التحق أبنائها قادة وجنود وطنيين مخلصين بها وهم كثر يصعب عدَّهم أُقصي بعضهم وأُغفلَ الآخرين منهم، وحتى حروب اليمن الأخيرة ضد جحافل انقلاب الإمامة التي دُعِمتْ من كهنة وممسوخي القبيلة فكان لهم أماكن العز في الصدارة والريادة والدفاع عن الثورة والجمهورية.
ولم تبعد محافظة تعز كثيراً عنها في تلك المظلمة لأنهما تاريخياً واجتماعياً وثقافياً نسيجاً اجتماعيًا وإداريًا واحدًا، واحديةً في الإخلاص والصبر السلوك المدني الراقي والتعليم والهجرة بحثًا على العيش ثقافة وسلوك لا يميز بينهما أحد.
ولضرب تلك الأواصر عملت أيادي الحقد على التفريق بينهما بأساليب عدة منها تطعيمها بثقافات وعادات وقطعان بشرية نزحوا إليها تارة وفُرِضوا عليها عنوة تارةً أخرى، وكذلك ضرب مكونها الديموجرافي عبر إدخال مناطق فيها ليست منها تاريخاً وثقافة. لسهولة الإمساك بخطامها وجرها إلى المركز قسراً دون رضاها.
أما مأساة "التهايم" أرضاً ووديان إنساناً ميناءً وبحر تراها محفورةً في عيون أبناءها وفي مزارعها وسهولها، ترى أبناء سلة اليمن الغذائية يحثهم الفقر وتقتادهم الحاجة في كل اتجاه، ترى الانكسار الوجداني رفيق أبناء الزرانيق البواسل، بعد أن أَعملت فيهم الامامة سيفها قتلاً وإذلال وسيق منهم المئات بعد إخماد ثورتهم في ثلاثينات القرن الماضي إلى سجن حجه فأعدمتهم بطرق شتى، وتوارثت ظلمهم سلطات ما بعد الثورة فكانت الحديدة نهباً قاسياً لكل من لبس الميري أو عمامة القضاء أو تقلد المسؤولية فيها من خارجها حتى "فرزات" باصاتها وأرصفة شوارعها كانت محل نهب من قبل رجالات الأمن والمرور من خارجها وتُفرض الإتاوات المجِحفة حتى على سائقي الباصات والباعة المتجولين.
قد يصاب الكثير غير العقلاء من إخواننا في شمال الشمال بالحنق والغيض من تلك الحقائق غير أنه ليس من العدل أن تُجرَّم الضحية وتحاكم من قِبل الجلاد، والذي أًخذَ ماله يلاحق من قبل اللص، صارت الحقائق بفضل وسائل التواصل الاجتماعي والنشر الحديث تطفو على السطح ويُلفظ الفاسد منها كأنها أموات بحرية يرفض المجتمع كالبحر بقائها فيه حتى لا تفسده، لأنها أضحت حقيقةً كالشمس يصعب نكرانها بل وتبرُز في كل صراع بحدة منقطعة النظير.
ومن ثَم طرح فكرة قيام هلال اليمن الخصيب ما هي إلا نتيجة للظلم ولن تكون سبباً حالاً لأي خلل في بنية الدولة أو المجتمع اليمني حاضره وفي مستقبل أيامه القادمات كل ذلك أملاً في عناية رئيس الجمهورية عبد ربه منصور هادي في تلك القضية تحقيقاً للحق وإزهاقاً للباطل.
الرئيس هادي ... وظلم الهلال الخصيب
2019/04/11 - الساعة 02:14 مساءاً
إضافة تعليق