توكل كرمان ..ومخاوف وجودية أكبر وأعمق

وجدت نفسي قدنا شتفاضل بمسألة تعيين توكل كرمان ضمن لجنة لمراقبة المحتوى في فيسبوك وانستجرام، بعدين راجعت نفسي. قلت: يا ريان يا شيباني، العالم على وشك أن ينقرض، ولديك مخاوف وجودية أكبر وأعمق.. من خمس سنوات وأكثر وأنت تفكر بجدوى القيام بالأشياء، لأن الحرب، هذه السميكة والثقيلة، مثل درف الطنب، تمنعك من التكهن بما يجب أن يكون عليه الحال في وجبتك القادمة.
كيف يستطيع هؤلاء الناس الخوض بمثل هكذا مواضيع، دون أن يراجعوا أنفسهم، من الطرفين، المساند والمناويء. ألا يشعروا بالعزلة أو العار، بعد، وهم يتطلعون لمزيد من النفوذ، في وضع، صار إختلال المعايير فيه، سمة تكاد تكون مميزة لإنحطاطه إلم نقل فنائه.
إن قضية واحدة من قضايانا المحلية، لو تمعّنا بها جيداً، لما ألتفتنا للعايشين في أبراجهم، من الطرفين أيضاً. إننا بعد ما يقارب العشر السنوات من الثورة، داخل مستنقع حقيقي، غرق فيه كل ذي تطلع وضمير، ووجد فيه الانتهازيين المحليين فرصة لنهب الدولة وللفت الانتباه، والتطلع للزعامة، وهناك في الإقليم، دول كبيرة، بزعماء صغار، هم أيضاً سمة تميز الكيفية التي تباغت فيها الدول الشيخوخة أو المراهقة.
يتساقط الناس في عدن بالعشرات، بأوبئة، من سوء طالعها، إنها أتت مجتمعة. وباء "كوفيد-19" الغاشم، يتسلل للمدن، والأطراف التي بلا سمعة ولا ملة، تخاف على سمعتها الطيبة من المساس، ليموت الناس، المهم في الأمر هو أن لا ننال أو نخدش من القدرة الخارقة للحكام، على قمعنا وسلخنا، نحن رعاياهم القسريين.
ونحن، حانبين، بإدارة المحتوى في فيسبوك وتويتر، والذين تشير مشاعرنا، وتجاربنا، وسلوكنا، ونفسياتنا، إن العالم كان أجمل بدونهما. صرنا على حالة من القطيعة التامة مع مجتمعاتنا المحلية، وأنذرنا أنفسنا، للتباينات الاجتماعية التي كانت كما لو أنها شأنا خاصا، عندما يتعلق الأمر بكينونتنا، وما يجب أن نكون عليه كبشر.
ثم إنه مارك زوكربيرغ، نفسه.. سمة مميزة لهذا الزمن المكوّرن، ولديه سيرة مهنية محترمة مع زملائه وشركائه الذي تسلق على نجاحهم، وصنع من خلال جهودهم مجده الشخصي. نموذج لما صارت إليه الرأسمالية من خراب في العالم، وكيف أن لذكائها الخارق القدرة الكبيرة على قلب المفاهيم، سواء بتحويل مصطلحات مثل "الاستغلال" لتصير "عبقرية"، أو "الاحتيال" ليصبح "مثابرة".
إن أساطين "وادي السيلكون"، على براعتهم في مسائل التكنولوجيا، وعلى ما يظهرونه من إدعاء الزهد والتقشف، لا يستحقون الكثير من لحظاتنا، بالمقدار الذي ننظر فيه إلى قضايانا ونعيشها. وإذا كان من إهتمام نوليه، هو في كيف نمنع هؤلاء المحتالين من التغول في عالمنا، ليقرروا ما الذي يجب أن نتلقاه من إعلانات وبضائع ومصادر إهتمام وأخبار، كيف نتوخى التحول إلى أرقام وبيانات يتم التجريب عليها، في مسائل السيطرة على حياتنا، من قبل المستغلين واللصوص، الذين بصدد أن يحكمونا، إلم يكونوا قد فعلوا. نتوخى اليوم الذي نرى فيه هذه الصفحة، وقد تحوّلت إلى حقل لنشر كل خصوصياتنا، بفعل إختراق أمني، أو قرصنة دولية.
إن "فيسبوك" و"تويتر" و"واتسآب" خلقت لمستبدي ما بعد "الربيع العربي" دوافع جديدة للتنكيل بالناس، والتفتيش في نواياهم وضمائرهم، وقد وجدوا أدلة عينية، على أن هناك مواطن يتساءل إلم يكن يفكر. مواطن يطمح يعبر عن شعوره في لحظة اعتقد أنه -وهو يكتب في هاتفه المحمول- يطلع شخص واحد على حلمه المتأجج بالحرية والإعنتاق والحياة الكرامة، ليقوده هذا الحلم، وقد أصبح موثقاً بالصوت والصورة والكلمة، إلى محاكم تفتيش هذا العصر.
لذا، وقد أصبح لزاما علينا، أن نكون جزء من عوالمكم أيها "السليكونيون"، لا نستطيع الفكاك من تدخلكم في حياتنا، ودس أنوفكم في معلوماتنا الشخصية، لا نريدكم أن تكونوا أنتم القصة، لتحملونا التبعات الجديدة للخوض فيها. لقد كنّا كشعوب مخدوعة، دائما في الواجهة، على الأقل خلال عشر سنوات من الحلم، ولم نعد نستطيع تحمل أعباء أخرى، إلى ما رماه العالم فوق ظهورنا.. فدعونا نحصي جثث موتانا، مشكورين، كي لا نتغالط في الحساب.

إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص