شعوب مكلومة ..ودول لا تستحي

الدعوات الخرقاء والنَهم الروحي والشذوذ الفكري الذي تعيشه أدوات الحرب بالوكالة في اليمن لتحقيق مصالح أجنبية، أملاً منها أنها ومن خلال تحقيق مصالح تلك الدول بمقدورها الوصول إلى تحقيق مصالحها في السيطرة على مقاليد الحكم ونهب ثروات البلاد بغطاءات دينية ودعوات مناطقية، فيها من الشعوذة والدجل واستسخاف العقل اليمني ما يجعلها مثاراً للثورة الدائمة على الظلم، وفتيلاً لحروبٍ قادمة لن تنتهي إلا بانتهاء تلك الخرافات التي تتصادم مع طبيعة العقل والمنطق وكل أسس وقيم بناء الدول الحديثة، التي تقوم على أساس التعايش السلمي بين جميع الأطراف والأعراق والديانات والأحزاب والتيارات السياسية والفكرية في ظل حكومة وطنية حاملةً لمشروعٍ وطني جامع خالي من الندوب التاريخية والأهواء البرجماتية ويعطي كل ذي حقٍ حقه دون ازدراء أو انتقاص من أحدٍ لأحد.

للثورة العلمية والتكنولوجية التي يشهدها العالم الكثير من الآثار الإيجابية في حياة البشرية قد أسهمت في تطوير كل علوم الصناعة المادية والتقنية إلى الحد الذي بات يصعب على البعض أحياناً تخيلها، غير أن ذلك التطور المادي لم يوازه تطور إنساني واخلاقي عامر، فأخلاقيات الإنسان ذاته ضلت تراوح مكانها مجهضةً ومقيدة بقيود المصالح والمطامع الرأسمالية الفجة في ثروات الشعوب النامية.

أُستلبت ثروات الشعوب وانتُهكتْ حرمات الفرد وصُودرت حقوقه الإنسانية الأساسية كحق الحياة والحرية والتمتع بثرواته والتعامل معه بشكلٍ متساوٍ مع شعوب العالم المتطور دون تمييز، وفقاً للمبادئ التي نادت بها الأديان قديماً أو التي حددتها القوانين الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان في العصر الحديث، والتي خرجت من رحم الحرب العالمية الثانية بعد أن دُمرت كل القيم والمبادئ المتعلقة بحقوق الإنسان إبان تلك الحروب.

حروباً بلغت فيها قسوة الإنسان لأخيه الإنسان مداها، وسادت الوحشية والعنف والروح السادية والتلذذ بعذابات الآخرين حد الغرابة! وقد جاء في ذلك السياق أن الفلسفات الغربية ركزت في تفكيرها وفقاً لما أورده د. عبدالوهاب المسيري في موسوعته "اليهودية والصهيونية" على الإنسان فكان محل البحث فكراً وتكويناً جسداً وروحاً، ووضعته بشكلٍ كامل فوق الطبيعة المادية، باعتباره عاقلاً حراً قادراً على توليد معياريته وغائيته من ذاته، وبدلاً من توظيف الطبيعة لصالح الإنسانية جمعاء تحولت هذه الفلسفة تدريجياً لتنحو منحاً غريباً متكبراً سَخَّرَ الغرب الطبيعة لصالحه وسعى إلى التحكم الكامل بالكون فأصبح الإنسان الغربي مركزه وباقي الخلق دونه عيشةً وحقوق.

وما جرى في فترة الحروب الباردة بين القوى العظمى في أواخر منتصف القرن العشرين وما تلاها من حروب مباشرة بين الدول أو غير مباشرة عن طريق الأذرع التي تحارب بالوكالة على ساحات دول الربيع العربي التي أصبحت ميادين مفتوحة لتصفية الحسابات بين تلك القوى واستعراض القوة والتدريب على استخدام أسلحتهم المتطورة.

يذكر الباحث "دانيال بايمان" الأستاذ بمركز بروكينغز لسياسة الشرق الأوسط في مقال له نُشر في مجلة "ناشونال إنترست" الأميركية عن سبب لجوء الدول إلى الحروب بالوكالة، هو أنها غالبا ما تقوم بالضرب على الوتر السياسي الحساس كي يتم تحقيق أهدافها بأقل كلفة عما إذا كانت الحروب يبنها مباشرة.

وقد يعتقد البعض جهلاً أن الغرب عالمٌ متطور ودولاً عظمى بالمفهوم الإنساني الواسع غير أنها وكنتاج لأفعالها اتضحت بأنها دولاً لا تستحي، لأن تلك القوى التي نراها في أبهى صورها الحضارية تتجرد تحت ضغوط المصلحة المادية من كل القيم الإنسانية، وتحيل قادتها وأجنادها بأسلحتهم الفتاكة وحوشاً بأنياب صاروخية وأضافر عنقودية ووجوه لم تعرفها وحوش الغابات المفترسة تنتهك حقوق الانسان وتسحق كرامته إذا ما مُست مصالحها أو تعرض أمنها للخطر.

ولعل من أكثر الأمثلة وضوحاً لإنتهازية تلك الدول ما يحدث للثورة الحقوقية التي انطلقت في سوريا للتحرر من جبروت النظام الحاكم وتصحيح الفساد فسقطت على إثرها أقنعته الوطنية والقومية والاسلامية الزائفة التي كان يتشدق بها النظام الحاكم، وكذا سقطت فيها اقنعة وجوه دول العالم المتقدم.

لقد كشفت الثورة السورية الوجوه الحقيقية للجميع، فالنظام الحاكم تحول إلى عصابة تسعى فقط للحفاظ على مصالحها في معزلٍ تام عن مصلحة المواطن العربي أو الكردي المسلم أو المسيحي الشيعي أو السني فأخرج كل ما في جعبته من أسلحة الفتك والقتل والدمار والسحق، وألقاها في وجوههم وعلى مساكنهم وفتح الأبواب لكل ذئاب الدول المتدخلة كي يلِغوا في دماء الشعب السوري دون حدود.

وفي المقابل استقبل العالم المتقدم كل ذلك الفجور بلا مبالاة فلم يكترث للإنسان الذي ينزف كل يوم على الأرض السورية بل سعى للخروج بأكبر مكسب مادي ممكن على حساب الدم العربي السوري المراق!

يتكرر ذات السيناريو في دول عربية اخرى وذلك لأن الأنظمة لم تعمل على رفع مستوى منسوب العلم والثقافة ومبادئ السل

م والتعايش السلمي عند شعوبها، فباتت وقوداً بيد كل أطراف الحرب المتداخلة، وعصابات تعمل بالوكالة لكل من لوح بالدولار ثم دفع، فأصبحت البالونات التي انفجرت في وجوههم نتيجةً للقهر والكبت، تهشَّمتْ الأنظمة وانزلقت الشعوب ذاتها في حروب أهلية تخدم الذات الأنانية، وتقاتل لحماية مصالح وأهداف الأجانب والأقارب القادمين من وراء الحدود تحت أهداف ظاهرها التحرير والمساعدة وباطنها السيطرة على الثروات والجزر والموانئ والسواحل وحقول النفط والغاز.

دمروا كل شيء ولم يوضع لرعاية مصالح الوطن والمواطن الجريح أي حساب هُجِّر وقُتَّلَ وأصاب التدمير حتى نفسيته و اعتزازه بنفسه ودينه ووطنه وتاريخه، كل ذلك كان هدفاً رئيساً للسحق والتقزيم والإهانة من قبل تلك القوى وقد حدثت.

وما يجري من صراع بين الدول على أراضي الشعب الليبي الشقيق من حروب مباشرة وغير مباشرة بدوافع المصالح والسيطرة على بحيرات ثرواته في صحرائه الواسعة، عن طريق هدم صفوفه الوطنية إلا مثالاً بسيطاً ودليل ناصع على توحش القوى المتصارعة من خارج الحدود، ولن يوقظ ضميرهم وازع حتى لو انتهى الشعب الليبي وصار رماداً في صحرائه تذروها الرياح.

أما جراح اليمن المفتوحة والتي أحدثتها الصراعات الطائفة والمذهبية والجهوية منذ قرون فتلك قصةٌ أخرى ليس لها مثيل اختلالات وبدع فكرية وفلسفية لم يكن لها سابق وجود، خليط من الصراعات السياسية والحروب الأهلية والأنظمة الدكتاتورية وذلك لأنها قامت على عوامل صراعات مزدوجة وخليط من العنصرية والعرقية والمذهبية ودعوات بالحق الإلهي في الحكم، لأسر عابرة للحدود، تتكئ على التراث الديني الطافح بالأحاديث الموضوعة والمقولات المؤولة المخالفة للقرآن ومقتضيات العقل والمبادئ الإنسانية المتصلة بالقوانين الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان النافذة.

إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص