وأنا أطالع فيديو الجريمة؛ سألت واحد مطّلع على بعض الظروف غير المباشرة لارتكابها، عمّن يكون المتحمّس صاحب الثوب الأبيض، الذي اعتقدته مالك المحل، قال لي: هذا المحاسب.
لو عدنا للجذر التكعيبي لما حدث، سنجد هناك في ركن ما: الحرب. كيف يثير هاتف أو هاتفين -إذا صدقت هذه الرواية- الهلع إلى درجة ارتكاب جرم بهذا البشاعة، وأمام عدسات الكاميرات؟
لقد رأيت في “تفاهة شر” المحاسب، اللحظة التي كثفتها ست سنوات من الحرب الضروس. كيف أن وظيفتك لم تعد عدّ النقود، إذا تطلب منك الأمر إسداء خدمة إضافية لرب عملك، للإبقاء على راتبك قائماً. نعم، إلى الدرجة التي تنسلخ فيها عن وعيك، لتشارك في ارتكاب جرم خارق للعادة، قد يكون ثمنه حياتك.
رأيت الحرب في عطالة الشاب والمسلك المبكر لحياته، وقد وجد نفسه أعزلاً إلا من فقره وضياعه، بين هذه الوحوش البشرية. الأوقات الطويلة التي تخلت فيها الدولة عن مواطنيها، ليصبح الواحد منهم أرخص من هاتف صيني محمول. الطريق الطويل الذي اقتيد فيه طالب (ثانوية/ جامعي) ليترك تعليمه، ويتوجه للعمل وفق شروط بيئة عمل لا ندري ما الذي طرأ على ممارساتها من الشر.
كان لدي قريب يعمل أجيراً في هذا السوق العفن المسمى “القيادة”. قبل أشهر قليلة حصل على وظيفة أخرى، ففاتح رب عمله، أنه وجد عملاً جديداً. ولأن قريبنا مثابر وأمين، تمسك به صاحب العمل بطريقته. قال له: إذا خرجت من المحل سيقع بيني وبينك رصاص.
هل أحد لا يزال يتذكر، كيف قتل صاحب محل صرافة -يفترض به أن يكون مرفها- اثنين من إخوته في شارع تعز، قبل شهرين. كيف دعاهم للمقيل معه، ومن ثم أطلق النار على رؤوسهم، ورماهم في سلالم العمارة التي يسكن فيها. ولأن التكنولوجيا لم يكن لها أن تأنسننا، وقد صرنا مضرباً لأمثال الانحطاط، صوّر المصرفي الجريمة، ونشرها في فيسبوك مرفقة برسالة خاطب بها قرين روحي وهمي، لا أحد يعلم كم من الوقت وهو يرافق شيزوفرينيته.
إن خوض جدال الأمانة والخيانة، والأخلاق، شيء يفتقد للمعنى، مع كون الأغلبية العظمي المسحوقة لا مرئية، أمام ما تقرره الأقليات السياسية وترعاه.
اعتقدنا أنها أسبوعين وسنعود لحياتنا، وها نحن ندخل السنة السادسة، مفتقدين من الأشياء الكثيرة التي سقطت في الطريق إلى الانتصارات الوهمية على بعضنا، قيمنا، وكرمنا، وتضامننا.
*من صفحة الكاتب في “فيسبوك”