لا تتركوا أحداً ينال مِن ذاتكم العربية

لا تتركوا احدا ينال مِن لغتكم العربية. لا تستصغروا انفسكم ولا تبخسوا ذواتكم. اللغة ذات والتهجم عليها هو تهجم على ذواتكم. العربية لغة مِن الاف اللغات ليست افضلها وليست ادنى منها مكانة.

بل انها لغة اقدم وأثرى وأدق. لغة بالغة مستقلة بذاتها حملت ما ينتجه بها متحدثوها مِن اصول عربية وغير عربية بكل ثقة وتمكن لعشرات القرون. وتمكنت هذه اللغة بفضل اهلها وبفضل اكتمالها وجذورها وابعادها الاجتماعية والجغرافية والدينية مِن مقاومة الاجتياحات اللغوية عبر مغتصبي الاوطان.

لا تحفلوا بمن يشن عليها هجوما لمجرد الهجوم. هناك دعوات للتحديث والمواكبة والاصلاح. هذه لا تصدر عن العوام. هذا شأن لغوي معرفي وفلسفي اعقد مِن ان يتصدى له مراهقو المعرفة والمستلبون في ذواتهم. "اللغة العربية عاجزة عن مواكبة نتاج المعرفة الحديث! "بهذه المقولة الجامدة يريدون طمر لغة أمة، بل لغة أمم. 

يقول دي سوسير (ابو علم اللسانيات الحديث) : اللغة/ النظام اللغوي واقع اجتماعي. وهو بهذا يعيد اللغة الى المجتمع. العاقل الذي يحترم رأسه سيقول إن المجتمعات العربية تعيش واقعاً متراجعاً عن إنتاج المعرفة ينعكس في اللغة. هذه فيها نقاش. واحترامه للعقل سيدفعه إلى تقديم نقد موضوعي وطرح حلول.

وجدت في صفحة الدكتور حبيب سروري فكرة عملية والعلاج بيد المجتمع لا الفرد. بيد المؤسسة وهذه تتطلب إرادة سياسية وجهود عالمة، لا طيش أيديولوجي ولا اعتساف للواقع. أن نعيب على اللغة عدم امتلاكها لكلمة نظير لشيء ابتكر في القرن الحادي والعشرين خارج البلاد العربية وفِي مجال حديث جداً والإسم مبهم غير وظيفي ومجرد اصطلاحي فإننا نستخف بعقول الناس. ليست العربية عاجزة لان نظامها الصوتي او البنائي عاجز. ولكن لأن متحدثيها لا ينتجون ولهذا فالمفردات لا تتولد. المفردات لا تتولد مِن تلقاء ذاتها. على الأقل في مرحلة نضوج اللغة.

بالطبع لا احد يعرف كيف ولدت المفردات. وهذه قضية فلسفية معقدة لا يوجد حسم فيها. هناك آراء وآراء مضادة. يجب أن تستندوا إلى وقائع تاريخية لمعرفة حدود العربية. انظروا مثلاً الى علم التشريح. وهو مجال تقني واللغة العربية تقدم كل مفردات التشريح اللازمة لما وقع على عين الانسان. وقياس اللغة العربية باللغة اللاتينية نجد تضارعاً موضوعياً فلا العربية أفوق ولا اللاتينية أدنى.

بل إن اللغات الأوروبية الحديثة ما تزال تستخدم حرفياً مفردات لغة ميتة هي اللغة اللاتينية. اسألوا الأطباء وسيقولون لكم حقيقة تعلم مفردات لاتينية إلى جانب لغة تعلم الطب مثلاً. يقول المثل اليمني: كما قد ولِد سميناه. عندما يأتي المولود سنهبه اسماً. وعندما تتوطن المعرفة والإنتاج التقني في بلاد العرب سنكتشف عندها مقدرة أو عجز العربية.

هناك مآثر معرفية هامة للغة العربية في علوم اللغة عينها. أخذت هذه المآثر وقتاً حتى نضجت أدوات إنتاج المعرفة وتم اعتماد المقارنة بين اللغات وتلاقحت المعارف بين الفلسفة وعلوم اللغة. بعض النظريات الفلسفية اللغوية الراهنة لها جذور بدائية أو متقدمة في أقوال علماء اللغة العرب. 

وهناك مقولات جمالية وتحليلية عربية ما تزال في العربية سباقة. للنظر إلى تقنيات التناص بين المحدثين العرب والمختصين الأوروبيين. في كل عام نسمع ذات الإسطوانة التي تقلل مِن شأن اللغة العربية وتطلب منا كأفراد إما تحديث اللغة بضربة سحرية وهذا غير موضوعي أو هجران اللغة العربية والتحول إلى اللغة الانجليزية وهذا قول مِن السخف بمكان. حتى متحدثي اللغة الانجليزية لا يستطيعون الجزم بمستقبل اللغة الانجليزية أمام تقلب الإمبراطوريات وتبدل القوة. لولا انهيار امبراطورية روما لما تطورت هذه اللغات الأوروبية ولما نشأت هذه القوميات.

أعمار اللغات الاوروبية صغير نسبياً. وهي كما لغات الدنيا خليط مِن لغات. والعربية تهضم ما يؤتى اليها مِن مفردات وتصهرها في قوالبها الخاصة دون رفض. فكل جديد يصير بين الناس مألوفًا صار منهم. بل ان العربية ليس فيها حارس للمعبد يرفض هذه المفردة ويقبل تلك. المسألة مفتوحة للتفاعل والتلاقح والتلقي وقدرة التوصيل واستعمال ادوات الاتصال الحديثة.

لماذا كل هذا الجنون والتجني؟ يجن جنون مِن يدعون الخوف على اللغة فيدافعون عينها بالأساطير. ويقابلهم المستغربون (بما تحمل هذه الكلمة مِن دلالات) بحملات غير موضوعية وكلام طائش وتجني وتعسف وهدم لضمائر الناس وذواتهم. درست إلى جانب العربية لغتين. وأعرف مِن عيوب هاتين اللغتين الكثير وقد عايشتهما سنوات طويلة تزيد على العشرين. وخلصت إلى أن لكل لغة عبقريتها وشخصيتها. ولكل لغة أسلوبها في البناء والتعبير. والعربية جميلة لا يكتشف جمالها إلا بالقراءة والإطلاع حب الاكتشاف دون احكام مسبقة ولا سوء نية، بل بالتزود بأدوات المعرفة والحس النقدي والمقارنة إن أمكن.
* من صفحة الكاتب على الفيس بوك

إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص