يخاصم التاريخ من يقول ان الوحدة اليمنية لم تكن حُلما شعبيا ووطنيا يمنيا للشعب في الشطرين الشمال والجنوب ، ويجافي الحقيقة من يصر على أن ذلك الحُلم مازال يمتلك نفس قوته وعنفوانه الذي صاحب مراحل التهيئة لتحقيقة وسنوات تحقيقه على الواقع.
لاشك أن الوحدة اليمنية في 22 مايو كانت تمثل للشعب سفينة نجاة للخروج من نفق ظلام مراحل حُكم سادت في (الشمال والجنوب) وقامت على الصراع والقتل والتشريد والاخفاء والاعتقال والنفي والإقصاء وغيرها من مفردات القاموس السوداء ، ولاشك أن أكبر التحديات التي واجهتها تلك الوحدة وواجهها الشعب في الشطرين تكمن في ركوب ذات شخوص تلك المراحل وتلك المفردات السوداء على دفة سفينة النجاة تلك.
حرص موقعوا إتفاق مايو الوحدوي على استحضار أسس وشروط تلبي في مجملها الطموحات السياسية للاحزاب الحاكمة في الشطرين والتي اظهرت حينها تعطشها للحكم وتلهفها للانتقام وتصفية الحسابات دون مواربة ولا تحفظ من خلال شروط الاستبعاد والنفي التي وضعتها لإتمام ذلك الأتفاق والتي كرست ثقافة المحاصصة الحزبية وافقدت المشروع طابعه الوطني فسلبته بالتالي مقومات الإستمرار.
مجرد ما تضررت شروط حِزبيّ التوقيع تهاوى بناء الوحدة اليمنية وسقط على رؤوس بسطاء الشعب المُغيَّب عند التوقيع ، وتشرذم الموقعون فمنهم من فرّ خارج الوطن متأبطا بقايا دولارات وريالات دعم الانفصال ومتمتعا بكل حقوقه وامتيازاته الدبلوماسية والمادية ، ومنهم من بقي حاكما ليستكمل فصول جريمة ذبح الوطن!!.
من خلال تجربة الوحدة اليمنية منذ توقيعها وحتى اليوم تسطع امامنا دائما حقيقة واحدة هي أن الوحدة اليمنية كانت ومازالت تحتاج إلى مشروعا وطنيا يصحح اخطاء حِزبيّ التوقيع ويحضى بدعم ومباركة الشعب في الشمال والجنوب من خلال آلية قانونية وتحت إشراف عربي واسلامي ودولي وتلك في نظري الآلية الافضل بالمقارنة مع آلية تكديس المليشيات المسلحة على الأسس المناطقية والقبلية والقروية والحزبية واعتناق عقيدة التحريض على الكراهية واتخاذ القتل والتدمير وسائلا للوصول إلى إغتصاب الحكم مرة اخرى من قبل حِزبيّ التوقيع وامتداداتهما.
ستبقى فكرة (الوحدة) بكل أنماطها ضرورة ملحة وشرط لنهوض الأمة تفرضهما المتغيرات الدولية المحيطة بهذه الأمة وستبقى هدفا لكل قوى التحرر الوطنية المؤمنة باستعادة الحق العربي وبناء المشروع الوطني العربي وحماية مقوماته وحياضه والمُستظلة والمؤمنة بالآية الكريمة "واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا".
وسيبقى منجز الوحدة اليمنية يمثل القتيل المغدور الذي تفرق دمه على (قبائل السياسة) اليمنية شمالا وجنوبا..