أين كان الخلل في بنية النظام الجمهوري ومن هم عوائق قيامه وتنفيذ قوانينه دولةً ونظام؟ من المسؤول عن إقصاء كل الشرفاء محبي الوطن عشاق الحرية ومكن أصحاب المشاريع الصغيرة والنظرة القصيرة من مفاصل الجمهورية حتى أنهكت واختفت هيبتها من قلوب الناس كنظام حر، يحقق ما الأهداف التي استمات الشعب من أجلها في كل مراحلها النضالية؟
تحولت القبيلة هي الحاكمة بعرفها وغشمها والجمهورية عندها رهينة هيئات كوادر وقوانين، طغى العرف على القانون والكيان على الدولة حتى اختلطت المسميات والصفات. مسؤول في الوزارة صباحاً وشيخ في مقيله مساءً، وإذا رآه الناس في الشارع والمرافقين الغُبر من حول ينتهرون الناس ويقتحموهم حسبوه قاطعاً للطريق.
عندما تولى الدكتور فضل أبو غانم وزارة التربية والتعليم حدث أن اصطدمت سيارة أحد المواطنين بسيارته عن طريق الخطأ! فأمر "الأكاديمي الشيخ الوزير" عساكره بسحب سيارة المواطن إلى أسوار منزله واحتجازها! سقطت "البذلة الكشخه" والشهادة وربطة العنق وبززت العصبية المتخلفة لتزمجر وحدها! ولم يعر أحكام المرور والعرف بين الناس أي اهتمام! ولم ينصاع إلى للأسلوب الذي يماثل جوهره! قامت الثورة غير أن فكرة الزيدوية أُبقيت على حالها منهجاً في الحكم وسلوك في التعاطي مع قضايا الأمة اليمنية جميعها، حدثني من اثق به أن المرحوم الدكتور أحمد شرف الدين رفع قضية إلى المحكمة في ثمانينات القرن الماضي مطالباً بخمس أهل البيت! فسأله الرجل: "ما لذي جرى يا دكتور أنت أكاديمي وأرقى مما تفعل؟!" فرد عليه الدكتور شرف الدين: بل عليكم أنتم أن ترتقوا وتعطونا الخمس! هو ذاته الدكتور أحمد شرف الدين الذي كان ممثلاً للحركة الحوثية في مؤتمر الحوار الوطني و وافق على مخرجاته وأَعلم بذلك المستشار عبدالملك المخلافي في أحد لقاءاته أنه أكد على حضوره للتوقيع على المخرجات صباحاً. غادرهم لأنه كان من عادته النوم مبكراً غير أن أيادي الشر الكهنوتية قطعت طريقه وأراقت دمه علناً لأنه رفض الرضوخ لإرادتهم الحَجرية.
بدأ الرجل، رحمه الله، حياته سلالياً و لكنه تجاوز لكثير من العقد التي لازال عليها شباب الكهوف والعصر الحجري القديم الذين يحرصون على إحياء عهود العبودية والتميز العرقي وتقبيل الرُكَب.
قال حينها الكلام الذي لم يعجب أعمدة الكيان البرجماتي القبلي، وابى خليطهم أجمعه أن يصيخ السمع إليه! لم يرق لهم طرحه الخطير المسجل على اليوتيوب! من أهمه أن صنعاء لم تعد صالحة أن تكون عاصمة سياسية لليمن لأنها محاطة بقبائل كانت ولازالت عائق من عوائق قيام الدولة المدنية الحديثة، ولا بد من تغير العاصمة إلى مكانٍ آخر. اليمن واسعة من البحر إلى عمان من الصحراء إلى البحر، كان صادقاً في حديثه وإن كان عليه بعض المآخذ خصوصاً المتعلقة بدعاوى التميز العرقي.
كان ذلك طرح الرجل وحواره! لم يحمل بندقية ولم يحشد أحد ليتحصل على حق من حقوقه وبالمقابل كان الشيخ الغول في قبيلته ينهش عمود السلطة وإذا أراد شيئاً حمل سلاحه وحشد سكان وديانه وشعابه وهدد باقتحام العاصمة! يكسر نقاط التفتيش ويهين عساكر الدولة.
يتدخل شيخ آخر مندس في عمق السلطة مصلحاً ومهدئاً لهم ومتقياً شرهم بحلول تتنافى في العادة مع قواعد الشرع والقانون، وأحزمة الجيش تحيط بصنعاء من كل جانب! كما فعل الشيخ عبدالله الأحمر في أكثر من واقعة عند مقتل الحمدي مهدداً الغشمي والرئيس عبدالرحمن الارياني قبل استقالته!.
ثار الشعب على الإمامة ولم يثور عليهم وهم كانوا بالثورة أولى لأنهم هم أعمدة الإمامة ذخيرتها وسلاحها التاريخي حتى اليوم! ولولا هم لما تمكن يحي الرسي من العيش في اليمن وتحقيق هدفه من أساسه، في مفارقات ومقاربات عجيبة لا يفهمها إلا من عاشها أعيت المحللين من خارج الجغرافيا والمجتمع اليمني ذاته.
وعليه متى سينحاز الكاتب والمثقف إلى قضايا الأمة حتى لا يُحتسب انتهازياً على أمته؟ ومتى سينحاز السياسي إلى قضايا الفقراء والمقهورين حتى لا يكون خائناً لمبادئه والقسم الذي قطعه على نفسه ألا يخون ولا يهون؟ ومتى سينحاز التاجر ورجل الأعمال إلى عوز المحتاجين حتى يكون مع الصديقين ولا يكتوي بنار ما كسب من سلع الاحتكار؟
متى سيكون الوجع المزمن هو العامل المشترك الموحد لكل اليمنيين في الداخل والخارج وذلك الجراح الدامي هو الجامع لرص الصفوف على ضفاف وادي الأنين؟ حتى ننتصر على أنفسنا وعلى الأعداء المحيطين بنا من كل جانب.
ومتى سيتحمل مثقفي وكُتّاب الوطن مسؤوليتهم ويجعلون من أقلامهم مشارِط جراحية دون مداهنة وإبر لرتق الجراح بموضوعية دون تحيّز أو تعصب لطرف على حساب باقي الأطراف؟!.
ومتى سيتجرد الناس عن مصالحهم الشخصية؟ وينحازوا إلى صف الوطن لإنقاذه من عفن القبيلة وهمجية الطائفية وعُنف السلالية ويطالب الجميع بدولة حامية للجميع وحافظة لحقوق الكل دون تمييز على أي أساس مناطقي او عرقي حزبي أو مذهبي هذا...
"وما يزال بحلقي ألف مبكية *** من رهبة البوح تستحيي وتضطرب"