إصلاح النظام المالي أولًا قبل أي وديعة .. أبرز الحلول لتطوير السياسة النقدية
في شهر نوفمبر من العام الماضي، كانت العملة اليمنية قد وصلت إلى أدنى مستويات لها في تاريخها، ومعها زادت نسبة التضخم بنسبة تتجاوز 25% في نهاية 2020، بحسب تقرير البنك المركزي الصادر في سبتمبر الماضي، وهو رقم ذو مخاطر عالية في مقياس مؤشرات اقتصاد الدولة. وقتها كانت أسعار العملة تتراوح بين 800 ريال لكل دولار، وفي نهاية نوفمبر الماضي كان قد وصل سعر العملة إلى 1600 ريال لكل دولار، وكانت عمليات المضاربة تمضي بشكل متسارع دون التنبه إلى خطورة ظهور أي متغيرات ستقلب الطاولة على الجميع.
كانت السياسة النقدية في اليمن، تحتاج إلى إعادة رسم مسار واضح لها في طريق الإصلاحات المالية والاقتصادية، وفور صدور قرار تعيين قيادة جديدة للبنك المركزي اليمني وإعادة تشكيل مجلس إدارة جديد للبنك، تراجعت أسعار الصرف وتحسّن سعر العملة المحلية بشكل لافت. مع تداول أخبار عن اعتماد دول الرباعية حزمةً من المنح والمساعدات، بالإضافة إلى وديعة مالية لتعزيز قدرات البنك المركزي اليمني، ومساعدته في إعادة ضبط سوق الصرف وتطوير آليات السياسة النقدية. الآن بعد شهر ونيف من تعيين إدارة البنك الجديدة، يأتي الحديث عن حزمة إجراءات وقرارات تم البَدء في تنفيذها ضمن مسار عمليات الإصلاح المالي والاقتصادي.
لكن السؤال الأكثر تداولًا هو: لماذا تأخر الإعلان عن الوديعة؟ وما هي أبرز الحلول التي يمضي بها البنك المركزي في هذا المسار؟
لا بد من معالجة أكثر القضايا إلحاحًا في ملف إصلاح السياسة النقدية للدولة قبل الحديث عن أي منحة أو وديعة أو قرض
في لقاء سابق لي مع محافظ البنك المركزي، في اجتماع ضمن مبادرة تبنّتها بعض منظمات المجتمع المدني بالتعاون مع مجموعة من الفاعلين والمتفاعلين في الشأن الاقتصادي، تحدث محافظ البنك عن حزمة من الإجراءات والقرارات والإصلاحات العاجلة قبل الحديث عن أي وديعة مالية، وكان لا بد أولًا من التنبه إلى نقطة أساسية، وهي أنّ أيّ وديعة مالية سيتم تقديمها للبنك المركزي، لا بد أن يسبقها عمليات تهيئة وتطوير آلية لاستيعاب الوديعة وضمان شفافية استخدامها، وعدم تكرار تجربة إهدار الوديعة السابقة التي قدمتها المملكة العربية السعودية أواخر العام 2018. وكان أبرز تلك الإصلاحات هي:
- إعادة الثقة بالبنك المركزي اليمني، وفي مقدمة ذلك معالجة مشكلة الدَّين العام للبنوك التجارية، بحيث تستعيد البنوك التجارية ثقة المودعين لديها، وتستعيد الدورة النقدية عملها بشكلها الطبيعي.
- استمرار إعلان مزادات أسبوعية لشراء العملة الصعبة، ويتوقع مضاعفة قيمة المزاد أو إعلان مزادَين أسبوعيًّا، لضمان سحب أكبر كتلة نقدية محلية من السوق وإعادتها إلى دورتها النقدية عبر البنوك التجارية.
- تطوير نظام مالي (برنامج) تم البَدء بتطويره، بإشراف خبراء من بريطانيا وكندا، والإنجاز تجاوز نسبة 70%.
- استكمال عملية الربط الشبكي للبنوك ومنشآت الصرافة لتسهيل عملية إشراف البنك المركزي على كافة العمليات المالية والمصرفية في السوق وضبط أي عمليات مضاربة أو تجاوز أو انحراف. وهو نظام تنفذه شركة مالية عالمية متخصصة، وسيتم استكماله في خلال الأشهر الأولى من هذا العام.
- تنفيذ قرار إعادة حصر توزيع المشتقات النفطية عبر شركة النفط، وهو ما يعني توريد ما يوازي 60% من العملة المحلية التي كانت تذهب في عمليات شراء عملة صعبة، قيمة المشتقات النفطية.
- ضمان توريد كافة الإيرادات الحكومية إلى الحساب العام لدى البنك المركزي اليمني وإغلاق كافة الحسابات الحكومية لدى البنوك التجارية والصرافين، مثال على ذلك إيرادات مصلحة الجمارك التي تجاوزت 571 مليار ريال إيرادات العام 2021.
- إيقاف عملية تمويل العجز الحكومي عبر طباعة النقود، والبحث عن مصادر تمويل أكثر أمانًا؛ وبالتالي السيطرة على الكتلة النقدية المتوفرة في السوق، وإعادة الدورة النقدية للبنوك التجارية بصورتها الطبيعية.
- ترشيد عمليات الإنفاق الحكومي، وإيقاف كافة الحسابات الجارية الحكومية، طرف البنك المركزي اليمني، ومنع الصرف من هذه الحسابات التي كانت دون وجود موازنة عامة للدولة.
- قرار تشكيل لجنة إعداد الموازنة العامة للدولة.
كان لا بد من معالجة أكثر القضايا إلحاحًا في ملف إصلاح السياسة النقدية للدولة قبل الحديث عن أي منحة أو وديعة أو قرض، وبناء على مدى تقدم برنامج الإصلاح الذي تقوم به قيادة البنك المركزي حاليًّا، فإنه يمكن الحديث عن مصادر تمويلات متعددة؛ أبرزها:
- تسييل بعض الأصول والاحتياطيات الخارجية للبنك المركزي.
- وديعة مالية من دول الرباعية.
- منح مالية من دول شقيقة وصديقة تم التفاهم معها مؤخرًا.
- تنظيم آلية تدفق أموال المانحين من خلال برامج المنظمات الأممية والدولية، عبر البنك المركزي اليمني.
- إجمالي قيمة الصادرات النفطية والتي تم الاتفاق على توريدها إلى حسابات البنك المركزي اليمني.
•••
هشام السامعي
كاتب متخصص في الشأن الاقتصادي
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص