وأنا أتجول اليوم في شوارع عدن وأشاهد كمية الازدحام في الشوارع والحدائق أدركت أن المدينة هذه دفعت ثمناً غالياً من أجل الوصول إلى هذه المرحلة من الأمان. وراجعت شريط الأحداث منذ الاجتياح البربري من مليشيا الحوثي لهذه المدينة وما تبعها من ظهور مرعب للجماعات المتطرفة بعد تحريرها من مليشيات الحوثي .
يتذكر أبناء عدن الأوقات الصعبة التي عاشتها المدينة بعد يوليو 2015م عندما سيطرت جماعة القاعدة على معظم الأحياء في هذه المدينة وفرضت أحكامها العرفية ورفعت الرايات السوداء في الجولات .
كان السيناريو مرعباً والقصة يمكن أن تتحول إلى مسلسل من المعارك والدماء والدمار ، لولا أن الأقدر دفعت باللواء شلال علي شايع إلى إدارة أمن المحافظة، ضابطاً محنكاً يروض الموت لتستقر الحياة ، لتدون ذاكرة المدينة معاركاً عالية التخطيط قادها شلال ضد جماعات الموت والعنف بدءً بمعركة تحرير كريتر ثم المنصورة ثم تطهير كل الخلايا النائمة التي ظلت تمثل مصدر قلق للسكان وتهديداً للأمن .
أكتب اليوم عن شلال وهو خارج السلطة وليس لي مصلحة معه ، كما أنه لا يملك مالاً بحيث يكتب عنه أو يلمع ، ولكنها شهادة للتاريخ عايشت أجزاءً منها وسمعت أبناء هذه المدينة يتحدثون عن بقية أجزائها ، وكان لابد أن نكتبها إنصافاً للرجل الذي كان قائداً مخلصاً لقضيته وقناعاته سواءً اتفقنا معها أو نختلف .
في المرة الوحيدة التي التقيت فيها اللواء شلال سألته عن عمليات ترحيل الشماليين التي أتهمته فيها وسائل إعلام في فترة ما بعد تحرير عدن وروجت عنه ذلك ، فكان جوابه سؤال لي : ( لماذا برأيك سأقوم بترحيل الشماليين وبيتنا كان مفتوحاً للجميع جنوبيين وشماليين منذ ما بعد أكتوبر 1967م وأنا عشت فترة طويلة في تعز وصنعاء ، ونحن لدينا قضية وعدو واحد واضح وتغاضينا عن شغل الاعلام الذي يريد إشغالنا عن عدونا الحقيقي لندخل في صراعات جانبية ، أنا رجل دولة وإذا وجد من لديه شكوى ضدي فليقدمها إلى القضاء وأنا ممتثل للقضاء ).
أعرف جيداً سطوة مطابخ الإعلام وتأثيرها على الوعي ، وعرفت كيف تدير بعض الجماعات حملاتها الإعلامية ضد منافسيها أو من يمتلكون قراراً مستقلاً عن توجهاتها .
غادر شلال منصب مدير أمن عدن عندما كانت مطابخ إعلامية تروج لسيناريو تمرد شلال في محاولة منها لسحق إنجازات الرجل وتشويه قضيته ومبادئه التي جمعت حوله كل تلك الجماهير المحبة له ، وإدخاله في صراعات جانبية كما حاولت مع كثير من القادة والضباط المهنيين . ورغماً عن مغادرته المنصب لكن افراده ومحبيه لازالوا ينظرون إليه أن قائدهم ويعملون معه كما لو أنه لم يغادر ، ولازالت احياء عدن ترسل له أي معلومات يمكن أن تساعد كشف أي عمل يمكن أن يخدش استقرارها ويهدد أمنها ، وأصبح كثير من شباب عدن أصدقاءً للشرطة والأمن الذي تمثله شلال في عمله .
أصبح شلال اليوم قائداً جماهيرياً يلتف حوله جمهور كبير ستراه في كل مرة ينزل شلال إلى الشارع أو يظهر في مناسبة عامة ، رجلاً بسيط المظهر ، عميق الوعي بمهنته وقضيته ، دقيقاً في توصيف عدوه ، وصبوراً كذلك ، وليس مناطقياً كما روج الإعلام ضده .