نشوان و خساسة الحنشان

نشوان هنا هو شعب اليمن ، هكذا نقرأه في الأدب اليمني من شعر ونثر ، نشوان هو الإنتماء الى الارض الوطن ، تعبير عن ذلك الإنسان البسيط والعاقل والحكيم والصبور ، نشوان قصة كفاح ضد الظلم و الإستبداد ، قصة كفاح ضد الجهل والتخلف ، كثيرة هي القصائد الشعبية في اليمن التي صاغت قصة نشوان ، لعل أبرزها قصيدة نشوان للشاعر اليمني الكبير / سلطان الصريمي ، التي حكت جزء من مأساة اليمن التي تحكمت فيه الحنشان ( الثعابين ) ، كانت تتحكم فيه وفي قراره وفي لقمة عيشه وهاهي اليوم تتقاتل فيما بينها ، وكل ثعبان يحاول ضخ سمه القاتل للثعبان الآخر بعد أن كانت تنفث سمومها ضد الشعب ، كانت تنهب خيراته وتقتل كل وطني غيور يريد الرفعة والتقدم لوطنه وشعبه ، كانت تفسد عملية تربية وتعليم الاجيال ، وتمنع تعليمهم في مناطق أخرى كي يحيا الإنسان لأجل قتل أخيه الإنسان ، كان هذا يحدث في اليمن في مناطق القبائل التي يزودها الحنشان بكل أدوات الموت لتتقاتل فيما بينها ، وتستمر الثعابين في حكم اليمن ، شعب اليمن شعب صبور ويوصف بالحكمة ولم ترهبه خساسة الحنشان ، نشوان قصيدة تنبئية عن هذا الذي يجري بأرض اليمن ، ربط بين الماضي والحاضر والمستقبل ، نشوان لا تفجعك خساسة الحنشان ومكرها وخداعها ، ولا تبهر إذا ماتت غصون البان ، فهناك غصون ستنبت وتزهر لتغدوا الحياة أقلَ بُؤساً وشقاء ، الموت يابن التعاسة يخلق الشجعان ، يعطينا الموت دافعاً قوياً كي نناظل لنعيش بكرامة ، فكر بباكر ولا تبكي على ما كان ، لا ينبغي البكاء على الاطلال بل ينبغي ان نفكر في المستقبل ، نشوان انا فريسة المصالح .. من يوم خلق سيف الحسن وصالح ، نعم انا المواطن البسيط الفلاح الذي يُحارب في بلاده ضحية وفريسة الفاسدين ومصاصي دماء الشعب من قادة عسكر ومن مشائخ قبائل منتفعين ، منذ عهد الإمامة التي كانت ترتكب المذابح وتعدم الابطال حداً بالسيف ، وكذلك في عهد الغدر عهد علي صالح الذي كان يستمد بقاؤه من نفس أسلوب نظام الإمامة في إسكات كل شجاع وقف ضد طغيانهم ، وانا وحيد في قريتي أُشارح .. أبني المكاسر وأزرع البراصح ، والفائدة لمن مسبه فاتح ، لاولئك اللصوص والخونة الذين بلا ضمير ، يأكلون حقوق الشعب وثرواته ، ويهددوننا بالويل لمن في سوقنا يصارح ، أو من يتكلم بصدق عن فضائحهم وجرائمهم ، قطر العروق شايسقي الورد يا نشوان ، حسك تصدق عجايب طاهش الحوبان ، نعم هو العرق والدم من سوف يحمي شبابنا من الموت جهلاً وقهر ، ولا ينبغي علينا ان نصدق حكايات يريدون بها تخويفنا عن طاهش الحوبان او قصة عمنا رشوان او حكاية بنت شيخ الجان ، أصحابها ضيعونا وكسروا الميزان ..باعوا الاصابع وخلوا الجسم للديدان ، وقطعوها على ما يشتهي الوزان ، نهبوا الشعب وكسروا ميزان العدل وباعوا الوطن لمن يشتري وجعلوا الوطن لديدان الفساد تنخر فيه نهباً وسلب ، وقطعوا بلادنا ووطننا على ما يشتهي من لا يريد خيراً للشعب وللوطن ، هناك محاكاة لما يحدث الآن في أرض اليمن ومؤامرات على وحدة شعبها وأرضه ، وهنا يوجه الشاعر نصائحه للشعب ويخبره أن في جعبته الكثير من النصائح وأن كثرة الفضائح قد أتعبته ولا يستطيع أن يسامح فالظلم الذي حدث كبير وخطير ، يوصي الشعب بعدم الهروب وعدم المزاح في هذا الامر ، وأن لا يخاف من كثرة المرازح ، وكثرة العقبات التي تعيق طريقه نحو الحرية ورفع الظلم ، بل عليه أن يشق الطريق ويظهر الملامح ، حتى تعارك صبحنا تصافح ، أي حتى تنتصر على ظلامهم وتشرق شمس الحرية والحقيقة وينتهي الارهاب والمذابح ، فدم الضحايا هو صانع الحان الغد الجميل ، فذاك الذي حدث في ثورة سبتمبر أعطى لصنعاء جزء من حلم لم يكتمل بعد ، وكذلك لجنوبنا الذي كان يقع تحت وطأة المستعمر البريطاني ، وهنا يوضح الشاعر ان التضحيات صنعت شيئاً لكن زرع الحنش وحارس البستان يشتي يركب برأس الجنبية جعنان ، التآمر على الثورة جعلها رهينة بيد أعدائها في حين غفلة من الزمن ، التآمر الخارجي الذي إستطاع شراء ضمير الحارس وجعل من ذلك الجاهل المتخلف رئيساً على شعب اليمن ، وشبهه بالجعنان والجعنان في اليمن هو حبة القرع بعد يباسها ، تصبح فارغة وجوفة من الداخل ، وتستطيع ان تضع بداخلها ما شئت ، وهنا الجنبية او الخنجر اليماني يرمز الى الشعب ، وهم وضعوا هذا الجعنان على رأسه كي يستطيعوا أن يحركوه كيفما ارادوا ، وهنا في المقطع الاخير من ابيات هذه القصيدة يستمر الشاعر في إسداء النصائح للشعب .. فيقول : نشوان سامح من جنن وهستر .. ومن ردع الجدار وكور .. ولا تسامح من رقد وفسر .. او الذي من عومته تكسر .. اما الذي عند المصيبة يفتر .. وبالنفس يهدر هدير عنتر ..يحتاج ملى هذا الصميل واكثر .. يحتاج تلقينه دروس ومعشر .. فهو من الحنشان بل وأخطر .. في المعنى ان من مسه الجنون وفقد عقله أو الذي حاول بتهور ففقد اتزانه فهو معذور والمسامحة مطلوبة ، اما من جلس عن واجبه وفسر يعني يخلق الاعذار لظالميه وناهبي حقوقه او ذلك الذي يخاف من ظله فلا يستحق المسامحة ، وهناك صنف آخر ذلك الذي عند المواجهة يتخلى عن واجبه وعندما كان قبل ذلك يتكلم كأنه فارس زمانه عنترة فهو يحتاج الى ضرب بالصميل ويحتاج الى ان يلقن الدروس مع تشديد العقاب .. لأن هذا وأمثاله من الثعابين السامة التي جعلت حياة الشعب بائِسة الى هذا الحد الذي وصلنا اليه ، وقد يكون أكثر خطراً علينا من هذه الثعابين ، قصيدة نشوان .. قصيدة يعيشها اليمنيون اليوم بقوة وعليهم ان ينتصروا لأنفسهم ولوطنهم .. سلطان الصريمي .. أحد أهم شعراء اليمن المعاصرين .. وهو يرقد حالياً على سرير المرض في أحد مشافي القاهرة .

* الحنشان في المصطلح اليمني يطلق على الثعابين .. في هذه القصيدة الشعبية مصطلحات شعبية يمنية .. كثيرة .

* نشر جزء من هذا المقال في العربي الجديد تحت عنوان ( اليمن في مواجهة الثعابين ) .

إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص