منذ قدوم الدكتور أمين محمود محافظاً لمحافظة تعز والأعمال العدائية ضده لا تتوقف، بعد أيام فقط من مزاولته عمله كمحافظ، تم اقتحام مقر المحافظة المؤقت مرتين، وبعدها بأسابيع، أطلقت قذائف هاون على مقر سكن المحافظ، لكنها سقطت في محيطه ولم تصبه بصورة مباشرة، كما انفجرت عبوة ناسفة في حوش السكن، وتم تفكيك عبوة أخرى، ناهيك عن اعتداء نفذته عصابة مسلحة تخللته اشتباكات مع حراسة المحافظ وأدت لسقوط جرحى بينهم عدد من المهاجمين الذين تمكن بعضهم من الفرار.
خطوات المحافظ الجريئة في عملية التصحيح والبناء وتطبيع الحياة العامة في محافظة تعز، كانت مستهدفة من قوى سياسية ومجموعات مسلحة، اختارت المواجهة المباشرة، فقد شهدت تعز خلال الشهور القليل الماضية، عملية تحشيد غير مسبوقة ضد محافظ المحافظة، وممثل الحكومة الشرعية فيها، حيث خرجت العديد من التظاهرات بشعارات جامعة وهتافات تمزيقية استهدفت شخص المحافظ بالدرجة الأولى.
أما الاعتصامات المسلحة، والعسكرية، والاعتصامات المدنية المطلبية، فحدث ولا حرج، وكل قصور أو تنصل من توجيهات المحافظ لمعالجة هذه المشكلات، كان يوجه السهام ضد شخص المحافظ ورمزية موقعه، ولا يوجه ضد المتمردين على التراتبية القيادية والإدارية والسلطوية، ممن يعبثون فساداً، وقد عزز من زخم هذه الاعتصامات، انضمام من شملتهم إجراءات التصحيح الإداري، والتي أطاحت بعدد ممن تخالف قرارات تعيينهم القوانين واللوائح الإدارية الناظمة، ما جعل التوظيف للقضايا المطلبية، والاعتصامات المشروعة، يأخذ منحى مسرحياً مضحكاً، أفرغ القضايا الحقيقية من تأثيرها الإنساني، وحولها إلى مهرجانات عته نفسي وعقلي وخطابي صاخب وفوضوي ونزق. ورغم إيجابيات نفوذ الأحزاب بتعز، في كبح الصراعات المناطقية والقبلية، إلا أن سلبياتها في الوصاية على الرأي العام وعلى عمل الأجهزة الحكومية والأهلية، يصبح أكثر مأساوية، ليس في حال التصارع على المحاصصة فحسب، بل في ظل وجود رجل أول يشغل موقع المحافظ، ولا ينتمي لحزب سياسي يدافع عنه وسط هذه البيئة الحزبية الشرسة، وهي مصاعب أخرى أضيفت لعمل المحافظ محمود.
لكن الرجل قرر الصمود، ولم يتهرب ولم يتراجع أو ينكص، برغم استهدافه سياسياً وجماهيرياً ونفسياً وجسدياً، فكل ما ذكر وأكثر من التصرفات العدائية، كانت على الدوام تترافق مع حملات إعلامية، تقوم على التشهير والإشاعات والشتم والقدح والإساءات الفادحة، وهي حملات متسلسلة، بل لا تكاد تتوقف، وهدفها، اغتيال الرجل معنوياً، والعمل على إضعاف معنوياته، تمهيداً لانسحابه من هذه المواجهة الصعبة مع روح الاحتكار وعقلية الاستئثار والقسر. لكن الرجل، صمد، وكابر، وصعد على كل تلك الآلام والجراح، وقرر الاستمرار، وقد أخذني النقاش مع أحد الزملاء قبيل أيام، إلى أن حيلة خصوم الرجل قد نفدت، وما عساهم يفعلوا بعد أن أثبت لهم الرجل أنه شديد العناد، ويرفض الاستسلام لهذا الابتزاز، قال صاحبي: لم يعد أمامهم إلا تفجير الوضع عسكرياً، أو اغتياله، وكلا الأمرين حدث فعلاً خلال أقل من أسبوع واحد!
لقد أنجز أمين محمود خلال نصف عام من العمل الكثير من الأمور، استعاد عدد من المرافق الحكومية، وأقنع الحكومة بذكاء رجل اقتصادي، بصرف رواتب الموظفين، متعهداً بتحصيل الإيرادات اللازمة لتغطية العجز الحكومي الناتج عن عدم قدرة المحافظة على تحصيل كافة الإيرادات في هذه الأوضاع، رمم المؤسسات، واستعاد المقرات العسكرية ودعم الأمن، وعزز حضور أجهزته، وشرع في الإصلاحات الإدارية، وفي تغليب حكم القانون، وعمل على فتح المحاكم والنيابات ودعمها، واجتهد لترتيب أوضاع الجيش وتهيئة الظروف المناسبة لعملية التحرير، وقد نجح في الكثير من هذه الأمور، وأخفق في بعضها بسبب الإعاقات القصدية الكبيرة التي افتعلها البعض لإفشال كل هذه الخطط.
في النهاية، لم تعُد هناك فرصة لإسقاط الرجل ومشروعه للبناء والحياة والتحرير والأمن والسلام، سوى قتله جسدياً، هذه هي الحيلة الأخيرة، وقد نفذت، وفشلت أيضاً، وسوف يعود أكثر عناداً وتصميماً على تنفيذ مشروع لبناء وعودة المؤسسات والحياة، ولتحرير تعز، ولا يتصور أحد أو طرف، أن من يمتلك مشروعاً كبيراً يعمل عليه، قد يجد الوقت للمناكفات والصراعات الجانبية وتصفية الحسابات.
حمداً لله على نجاة الأمل .