بين يدي جشعهم(2)
2018/09/01 - الساعة 06:47 مساءاً
لا تحاول أي أم التخيل مجرد خيال بأن لا تحتضن صغيرها بعد عناء تسعة أشهر، حتى ولو راودتها بعض تلك المخاوف والهواجس فهي سرعان ما تطردها، وتستعيذ منها وترجوا الله السلامة لجنينها ولها لاحقاً، وكذلك كنت أنا .
انتظرت مثل كل أم لحظة مجيئ صغيري بفارغ صبرٍ وشوق وبعناء كبير، واحترت كثيراً وأنا أتخيل ملامح وجهه الصغير، ورايتني في أحلامٍ كثر أحتضنهُ و يبتسم لي ، رأيته تارة بوجه ملاكٍ كأخته تماماً ، ورأيتهُ تارة بتفاصيل وجه أبيه الحنون ، لذا حين هموا بي للخروج من غرفة العمليات، وتجاوزوا بي الغرفه رجوتهم أن أرى طفلي ، عادوا بي قليلاً للوراء وهناك رأيته ، كان كما تخيلت وأكثر حمدتُ الله عليه كثيراً ، ولم يخطر ببالي أن تكون نظرتي تلك هي الأولى والأخيرة .
بعدها فوجئنا بأن الطاقم المناوب لايجيد استخدام الحضانات الموجودة في مشفا الوسام / حدة هناك حيث اجريت العملية و للأسف، لذا أشاروا علينا بحضانة المتوكل " الحضانة القاتلة " لم أكن مرتاحة لذلك لكنهم أصروا عليها كونها الأقرب للموت لا للنجاة كما اكتشفنا لاحقاً كان شيءٌ ما بداخلي يخبرني بأنه لن يعود حاولت جاهدةً التحرك لكن دون جدوى وكنت مازلت تحت تأثير المخدر .
كم هو مؤلم أن تكون مشلولاً وصغيرك يصارع للتنفس ، أردت النهوض لأشم ريح ولدي قبل أن يذهبوا به للموت ، لكن ذلك كان مستحيلاً، بدأوا بإعطائه الاكسجين بدأت بالبكاء طمئنوني بأن كل شيء على ما يرام ، وبأن ما يجري هو حرصاً منهم فقط للإطمئنان أكثر ، لف بي المكان، وأدركت بأني سأخسر صغيري
كنت اتصل بهم و مازلت في المشفا أسالهم عن حالة صغيري ، فيجيبون بكل استهتارٍ وكذب "هو في تحسن مستمر " وحين أسألهم كيف ولماذا ، يردون لا تقلقي ويغلقون، كنت أحاول تصديقهم لكن دون جدوى .
مات الصغير ولو كان نجأ من بعد تأخر التشحيص والإنعاش لعاش مريضاً طوال عمره نتيجة استهتار ، وانعدام إنسانية مشافي الإستثمار الطبي التي تهتم بالربح وأخر ما يشغلها التميز الخدمي ، مثلها مثل كل مشروع في هذا البلد، ينظر لنا كمجرد جيوب لا أكثر ، جيوب ينبغي أن تدفع وتصمت عن مشاريع تتفنن في ترهات "اقطع سند" و"حاسب الصندوق" وتغفل في خططها الربحية سلامتك ، وصحتك وحصولك على ما تستحقه ، والربح أولاً وأخيرا ليست مشكلتنا معهم لكن تقاعسهم عن الخدمة الجيدة مقابل ذلك الربح تلك هي المشكلة معهم، مشكلتنا تقدرّهم حمل أمانات أرواحنا وهم ليسوا بكفئ لذلك .
مشكلتنا معهم الإستثمار على حساب أرواحنا وأرواح أغلى ما لدينا ، أرواحنا تلك التي تصبح فجأةً أرخص الأمانات بأيديهم، وتترك بين مغامرة تشخيصهم ومأساة خطأ طبي يبقى طي ضمائرهم المنعدمة أصلاً، خطأ ينبغي أن تُسلم بأنه قدرك ومكتوب ولابد أن تصمت عنه كما يفعل الكثير نعم هو قدر، لكنه يبقى جريمة في حقك تستوجب المحاسبة لاالصمت ، فمحاسبتك الجناة و طلب العدالة لاتعني الكفر بالأقدار ، لأنه حتى الأقدار لا يرضيها أن نكون مجرد فئران تجارب تنفق نهاية كل خطأ غير محسوب ، تنفق بصمت وبلا حساب .
لماذا نصمت عن جرائمهم بحقنا ؟ ولماذا نختبئ كما لو أننا نحن العار الذي يجب أن يُدارى بالصمت والحمد فقط ، لماذا نتركهم يرتكبون ذات الخطأ بحق أبرياء آخرين ، لنشاركهم جريمة الخطأ الطبي بالتستر ، والصمت؟ لماذا نقبل أن نكون خطأ طبي بلا حساب و عقاب ؟
دعونا نواجه جرائم الخطأ الطبي في حقنا حتى ولو لم نصل للعدالة المطلوبة ، يكفينا وحسب هز كبر واستهتار بعض دخلاء المهنة وفضحهم لنكون سبباً في نجاة أحدهم من مصير سبقناه له ، مصير اسمه زيفاً خطأ طبيً وهو في الحقيقة جريمة بكل المقاييس .
*كاتبة وصحيفة يمنية
إضافة تعليق