ذأرسل لي احد أنصار الانتقالي صورة لعدد من الأطقم تتهادئ على طول طريق ساحلية بالقرب من منطقة "بلحاف" في طريقها إلى المكلا..
قال بلهجة ساخرة: "لماذا لاتكتب عن دولة الإنتقالي؟
قلت له:" أين هي؟
قال: "هذه الأطقم والصوالين وسلاح الدوشكا.
أغمضت عيني وتذكرت صورة مماثلة قبل سنوات بعثها لي صديق من شبوة للعشرات من أطقم تنظيم القاعدة وهي في طريقها إلى زنجبار وبنفس الطريق.
صاح بي "البدوي" هذا: "دولة القاعدة قادمة يافتحي..
كنت في عدن يومها الملم أشيائي صدقت ماقاله الرجل، رفعت سماعة الهاتف وخاطبت قائد عسكري بعدن مفزوعا.. القاعدة ستدخل "عدن"..
ضحك الرجل وقال:" لايملكون عناصر "البقاء"..!
وبعدها بأشهر كانت أطقم الجيش تسير على نفس الطريق..
لم تكن القاعدة دولة ولن تكون، ذهبت مع الريح ولم يتبقى من مئات الأطقم التي كانت تسير بها على طوال ذات الطريق الا "ذكرى" لعابري السبيل يتذكرون بها مامضى ولم تكن دولة لأنها لم تكن تحمل بذور الدولة..
ولذلك ستمضي كل هذه الميليشيات السائدة اليوم إلى أين؟ إلى الجحيم وربما ابعد من ذلك.
قلًبت الصورة التي بعث بها صاحب "الانتقالي"، فوددت ان اخبره ان كل هذه الصوالين والأطقم والمدرعات وحتى ترامس الثلج التي كانت بادية في الصورة دفع قيمتها آخرين، بل ان حتى حبات الأرز التي تناولها جميع من في الموكب دفع الآخرين قيمته، بل ان حتى ان أجرة الحمام الذي سيزحم الجميع لدفع حطام الأرز إلى قاعه السحيق دفع الآخرون قيمة أجرته..! فعن أي دولة يتحدث..!؟ كنت أريد ان أقول ذلك لكنني خجلت..
سرت على طول ساحل أبين ليلتها وقررت ان الا اكتب شيئا لكن ثمة أشياء كثيرة تدفعك للكتابة ربما أولها دولة "الشعارات".
في زيارة قيادة المجلس الانتقالي الأخيرة بدأت الهالة اكبر من الحدث، تشبه هذه الأشياء البالونات الضخمة فاقعة اللون تعلو إلى السماء لكن بداخلها الخواء ولا شيء تنفجر وتصبح من اللاشيء.
ومنذ تشكيله لم يتمكن "الانتقالي" من تحقيق شيء يذكر، المزيد من السجون لا أكثر،المزيد من الشعارات.
على طول شارع خور المكلا سار "عيدروس الزبيدي" برفقة معاونيه مساءا،كانت الشوارع نظيفة والكهرباء مضأة والناس تتسلم مرتباتها والحياة تسير على مايرام.
لم يفعل الرجل شيء من كل هذه الأشياء حينما كان حاكما لعدن، خلع على نفسه الكثير من الألقاب الوطنية العظمى فنسي مهامه البسيطة أو انه تناسى ولكنه اليوم يزعم انه "الرئيس"..!.
المهلكة ان يحيط بك ثلة من الذين يوهمونك بأشياء لاوجود لها..!
أتخيله اللحظة يسأل نفسه عما يمكن له ان يقوله للناس في حضرموت؟.
ذات يوم توسد "الزبيدي" عدن ومحافظات مجاورة ودانت له الدنيا، فكان الزعيم والقائد والمناضل والبطل ولكنه تعثر، ركب الكثير من الأحصنة العرجاء والعمياء ونام كثيرا كثيرا وفشل..
وحينما أفاق حمل سيفا من خشب وانطلق يعدو بلا خيل ولا مراكب ولاجمهور وصفق له بعض المخدوعين وانصرف اغلبهم.
ما الذي سيقوله قادة الانتقالي للحضارم..؟
يبدو السؤال صعبا وعسيرا، على أطراف مدينة المكلا توقفت قافلة الإنتقالي في طريقها إلى وسط المدينة وجاء السؤال الحضرمي للجنود القادمين من الغرب.. من انتم؟
من انتم؟
من انتم؟
وبدت الإجابة صعبة فالجنود لم يعرفوا منذ 3 سنوات الا أنهم يتبعون "أبو عمر" من يثرب الصحراء، فلا هم جنود دولة وليس لهم صلة بشكلها فماذا عساهم ان يقولوا.؟
القادمون في أطقم بلا لوحات وجنود بلا بطاقات هوية والمتوزعين على ميليشيات شتى سيطلبون من الحضارم الانضمام إلى "الدولة"..!!
وغدا صباحا ستتحدث قيادة الانتقالي إلى الحضارم عن الدولة وحضورها وهم القادمين من عدن التي لم تعرف الدولة منذ سنوات، وسيحدثونهم عن الأمن وهم القادمين من أكثر مدن العالم إخافة وقتلا وترويعا.
وسيطرق الزبيدي الطاولة، مستعرضا ملامح الدولة التي يقودها وسترتسم في مخلية الحضارم شكل مدينة "عدن" في عهد الزبيدي وكل شيء ينحدر صوب الأسفل ويرتطم في قاع سحيق..
لاغرابة الا في جنوب اليمن، وحدها حيث يٌكتب التاريخ الفاشل مرتين وبنفس الأدوات والوجوه.
عما سيتحدث القادمون من عدن؟ ياسادة؟ المتحكمون بأمورها العابثون بوضعها وأرضها وكل شيء فيها منذ 4 سنوات مضت..!!
في زيارة "الانتقالي" إلى حضرموت كان يجب ان يحدث العكس، كان الأولى ان يأتي الحضارم ليعلموا "ثورجية الجنوب" ماذا يعني ان تكون عاقلا ومنصفا وحكيما وهادئا وان تترك الشعارات جانبا وان تٌطعم الجوعى الكثير من الخبز لا الكثير من الشعارات.
شرفاء كثر في الانتقالي أدركوا حجم مايدار من عبث فأداروا ظهرهم، كان الشيخ النبيل الجليل "صالح بن فريد العولقي".
تعلم العولقي ذات يوم ان الفشل لاينتج النجاح وان الفوضى لاتولد السلم فنفض يديه.
عقب الحرب الأخيرة، تسامر الحضارم في خور المكلا فقرروا العمل بما أمكن رسموا خطوط عريضة لحياتهم، معيشتهم، مؤسساتهم ووحداتهم الأمنية والعسكرية، استثمروا هنا وهناك ولم يأخذوا حق احد.. ليس الحال في حضرموت مزدهر لكنه أكثر جمالا من عدن.
ما الذي سيقوله القادمون من عدن؟
هل سيحدثونهم عن المدينة التي عبثوا بها لـ4 سنوات مضت، عن الميليشيات المتناثرة بالأزقة، عن السجون السحيقة،عن نهب الأراضي و عن وعن وعن...؟
في زيارة الانتقالي لحضرموت لايحتاج الحضارم الا الاتعاظ من التاريخ.. والتاريخ له شواهده..
ذات يوم كذب "الثورجيين الجنوبيين" على الحضارم، كان ذلك في 1967، أفاق الحضارم على واقع أخر هٌجر التجار وهدت بيوت العلم والدين وسقطت حضرموت إلى الحضيض وظلت حضرموت تعاني..
واليوم عاد الثورجيين من جديد لكن هذه المرة بلباس عصري وحديث ولكنها نفس العقلية فهل سيٌخدع الحضارم مرة أخرى؟..
أتخيل اللحظة الحضارم وهم يستمعون إلى الخطب الرنانة، يقابلها الواقع المخيف والمرعب في عدن.
ومنذ يوم احتفل "الانتقالي" بعشرات الصور على الفيس بوك ولاغرابة في ذلك فدولته بين رمال الوهم تتوهم.
جرب وأنت تطالع هاتفك وترى صورة جرب ان كانت سيارة اصعدها وان كانت طعاما تذوقها لن تستطيع ودولة الانتقالي كذلك، شعارات ولايكات وتغريدات وعلى الأرض وهم طويل طويل طويل.
مابين "عدن" والمكلا يحتاج المتحكمون بعدن ان يتعلموا من الدرس الحضرمي الرائد على الدوام.. كيف نهضت المكلا بقيادة ابنها "البحسني" وسارت وسط كل هذه الدروب فباتت المكلا المدينة النموذج.. فما الذي سيقدمه القادمون من عدن..؟وما الذي سيقولونه للحضارم.
لايحتاج "الحضارم" إلى السماع من احد، يحتاجون فقط الالتفاف حول أنفسهم فالتاريخ يؤكد ان صانعي الفشل لايصدرون نجاحا لأحد.
سيقول الحضارم للقادمين من عدن، عودوا إليها وأنصفوا مظلومها وأقيموا العدل فيها ودشنوا حضور الدولة واثبتوا إنكم رجال دولة ومتى استطعتم تعالوا ألينا وعلمونا ودون ذلك لن نتعلم من احد بل نحن من نٌعلم لانتعلم..!
يحتاج الحضارم فقط إلى المضي قدما في نموذجهم هذا الالتفاف حول أنفسهم أما بيع تجربتهم الوليدة في مزاد النخاسة هذا فالفشل حليفه ولا شيء غيره..
ذات يوم سلم "هادي" عدن إلى ثورجية الجنوب فسقطت في الحضيض وسلمت حضرموت لأهلها فحلقوا بها بعيدا بعيدا..
لذلك ننصحهم من قلوب صادقة، حافظوا على ما انجزتموه ولاتنجروا للفوضى..
غدا صباحا سيحتشد العشرات من الأشخاص أمام "الزبيدي" سيتحدث الرجل ببضع كلمات غير مفهومة وسيغادر الرجل لاحقا على عجل صوب ابوظبي وستترك قاعة كبيرة متسخة بالشعارات ومخلفات الأوراق وعلى "البحسني" ان يرسل فرقة نظافة لتنظيفها ودفع أجرة هذه الفرقة من مؤسسات الدولة التي شيدها قبل سنوات من اليوم..
ولذلك ثمة طريقين اثنين أمام الحضارم..
أما شعارات الزبيدي وأما فرقة نظافة البحسني..
أما دولة الممكن وأما دولة الشعارات والفشل..
وعليهم ان يختاروا..
*من صفحة الكاتب.