اليمن تغرق ومأرب تزدهر: كانت لدى مأرب قوانينها الخاصة.الآن هي المدينة الوحيدة في اليمن التي لديها شيء من قبيل الحياة الطبيعية. تغرق اليمن في أتون الحرب والجوع والمرض ولا نهاية تلوح في الأفق لكن وفي خضم هذا البؤس هناك واحة من التطور هنا حيث يجتمع المشردين كريستوفر أير هارت-فرانكفورتر -المانيا ترجمة خاصة بموقع محافظة مأرب إن الظروف اليمنية في مأرب قد انعكست حيث كانت المحافظة إلى ما قبل بضع سنوات فقط تمثل الفقر والتخلف والعنف - على الرغم من احتياطيات النفط والغاز المخزونة هناك. وكانت سمعة قبائل مأرب سيئة ومشهورة بالعداوات والاختطافات وتخريب خطوط الأنابيب وخطوط الكهرباء إلى العاصمة صنعاء. وبالكاد كانت تصل سلطة الحكومة المركزية والغير مرغوبة إلى هذه المنطقة.
وقد فرض زعماء القبائل قوانينهم الخاصة ولم يكن هناك أي كهرباء وكانت المدارس والمستشفيات نادرة وفي حالة يرثى لها. بالإضافة إلى استغلال عصابات القاعدة والجهاديون لغياب الدولة والاستقرار في المناطق النائية. كان يبدو الوضع بائساً ثم جاءت الحرب. في صيف عام 2014، بدأ المتمردون الحوثيون الشيعة القادمون من الشمال عملية اجتياح كبيرة بدعم من قبل ايران وتحالف مع الرئيس الذي قاتلهم سابقا علي عبدالله صالح الذي خُلع من منصبة اثناء ثورات الربيع العربي.
وسيطر الحوثيون وحلفاؤهم على العاصمة وتوجهوا بعدها إلى مدينة عدن الجنوبية في ربيع عام 2015، واجبار الرئيس عبد ربه منصور هادي بالمغادرة الى المنفى في المملكة العربية السعودية(العدو للنظام الشيعي في طهران) لتتدخل الأخيرة في الصراع . يريد محمد بن سلمان، الذي أصبح بعد ذلك الحين ولي العهد السعودي، أن يتصدى بأي ثمن للحوثي الذي يعتبره وكيلا لإيران ، حيث ويقاتل التحالف العسكري الذي تقوده المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة بلا هوادة من أجل إعادة الرئيس هادي.
في مأرب فتحت محلات الآيس كريم والمطاعم. وقد واجهت جميع القبائل تقريبا حملة المتمردين الحوثيين ودفعتهم للتراجع عشرات الأميال . بعد انتهاء المعارك قبل نحو عامين ونصف،لاتزال جبهة القتال من جهة الغرب والتي تبعد ساعات نشطة. ويغادر الناس من صنعاء، العاصمة التي يسيطرعليها الحوثيون بقبضة من حديد وتهزها بانتظام الغارات الجوية السعودية.
ويأتي النازحون إلى مأرب لأنها آمنة على نحو معقول وحيث تتوفر فرص العمل. وفي الماضي، كان يعيش حوالي أربعين ألف شخص يعيشون في مدينة مأرب، وقد نزح إليها إلى الآن نحو مليوني شخص.
ان النازحين من خارج المدينة يجلبون المال حيث ارتفعت اسعار الإيجارات بنسبة ثلاثة أضعاف. حيث ينتقل بعض سكان المدينة إلى مسقط رأسهم في القرى من أجل تأجير منازلهم في المدينة للنازحين وبذلك يكسبون مبالغ مالية جيدة .
ولا تزال الحرب تشكل تهديداً، لا سيما من خلال الألغام التي زرعها الحوثيون وصواريخهم التي تضرب المدينة. ولاتزال علامات فقر الأيام الماضية ظاهرة في بعض الشوارع حيث تتراكم خردة صدئة على جانب الطريق، ويلعب الأطفال الذين يرتدون ملابس ممزقة بإطارات السيارات القديمة. في المقابل يتكدس العمال في مواقع البناء في كل مكان ،وقد تم تسوية طرق واسعة مغطاة بالأزفلت، وزرعت أشجار النخيل على الرصيف المتوسط حتى ملعب لكرة القدم الجديد يتم أنشاءه - وعشبه من ألمانيا. كما توجد كهرباء لأنارة الشوارع، علاوة على انخفاض معدل الجريمة بشكل كبير.
وقد فتحت البنوك و يتم دارسة انشاء مطار دولي. "نحن الآن مدينة حقيقية"، يفرح محمد زبين، وهو رجل أعمال شاب هرب الخارج بسبب انعدام الأمن ودرس في كامبريدج وبعدها التحق بالجامعة الأمريكية في دبي. لم يستثمر أي ريال واحد في مسقط رأسه من قبل.
والآن، تقوم الشركة التابعة لعائلته ،زتكو، ببناء مشروعها الكبير "مدينة سبأ" -وهو مشروع ضخم يبلغ رأس ماله ربع مليار دولار وسيوفر لمأرب الآلاف من المنازل ومراكز التسوق الجديدة. "لقد تغيرت مأرب كثيرا بسبب السكان الجدد الوافدين من المدن الكبيرة،" كما يقول زبين. يقوم الناس البسطاء من خارج المدينة من الخارج بالأعمال الشاقة في مواقع البناء، ومصانع الطوب أو مقالع الحجارة ، وهو أمر غير مقبول عند المأربيين.
يضيف ان المتعلمون الذين تم طردهم من المدن "يأتون بعقلية جديدة". وفي الماضي، كان أمام المطاعم فرص ضئيلة للاستمرار لأن الناس لم يكونوا يخرجون لتناول طعام الغداء، كما يوضح رجل الأعمال البالغ من العمر 26 عاما. الآن يتم فتح الواحد تلو الآخر.
و كان دخول مراكز التسوق أيضا شيئا غريبا على ابناء مأرب. "فقط كان يمكن الوقوف لفترة قصيرة في المحلات التجارية في الشارع وشحن السيارة هو السائد هنا". والآن لا تواجه شركته أي صعوبة في بيع المباني التجارية. يثق زبين أن الحركة والحياة ستستمر في مأرب حتى بعد انتهاء الحرب "إذا كان الناس يعيشون على ما يرام هنا سيبقون"، حسب قوله ،كما يثق إيضا في الرجل الذي يعتبره ضامن التطور: سلطان العرادة، محافظ مأرب.
كان المحافظ في مزاج جيد عندما ألتقى الضيوف من الأجانب في مقرة الذي يقع تحت حراسة مشددة. ان العرادة رجل ذو مكانة قوية، يرتدي ملابس تقليدية، لديه لحية كثيفة محلوقة بشكل جذاب.عيناه اليقظتان تنظران من خلف نظارات مع إطار أنيق وحديث. ولايزال في منصبه منذ عام 2012 ، وتجتمع بين يديه العديد من القضايا والمواضيع الخاصة بمأرب، وقد حافظ على النفوذ بين القبائل ولديه روابط قديمة مع العائلة المالكة السعودية مثله مثل العديد من زعماء القبائل من مأرب .
كانت تسلم عائدات النفط والغاز الطبيعي المسال إلى العاصمة دون أن يكون لدى الحكومة المحلية أي عائد منها. لكن العرادة الآن يحصل على أكثر من عشرين في المئة من عائدات النفط. وهذا يعني أيضاً أنه لا يجد صعوبة في كسب موقف الرئيس لتمرير خططه. ان المحافظ العرادة رجل واقعي حيث دائما مايردد عبارة مثل "الحاجة هي أم الاختراع". كذلك يحتفي الناس مثل زبين به كسياسي لا يشبه الآخرين، مؤهل وغير فاسد. ويظهر العرادة كتابع مخلص لهادي.
وكان له دور أساسي في نجاح "مركز صنعاء للدراسات الاستراتيجية" لجلب الصحفيين الأجانب إلى اليمن، الذي عزلته القيادة السعودية بإحكام. فالمحافظ لا يريد فقط أن يظهر لبلده مدى نجاح محافظتة لكنه يريد العالم كله أن يعرف عنها.
يقول المحافظ: "ندفع الخطر بيد، ونبني باليد الأخرى ". ويتحدث مراراً وتكراراً عن الحكم الرشيد والمؤسسات القوية. "إذا كانت الدولة تعمل، فإن القبائل سوف تخضع أيضا إلى قوانينها" كما يقول، مؤكدا أن الناس بحاجة إلى الاستقرار والأمن القضائي والخدمات الحكومية خاصة التعليم. ولأن عدد الطلاب في مأرب قد ازداد أيضا بشكل كبير فأن قاعات المحاضرات بالجامعة لم تعد قادرة على تحمل هذا العدد لذلك كان لا بد من انشاء قاعات محاضرات مؤقتة مصنوعة من الحديد المموج. وتقسم الكراسات داخل قاعات المحاضرة بشكل صارم الى قسمين حيث يكون الطلاب الذكور في جهة والطالبات المرتديات البراقع السوداء على الجهة الاخرى .
في محاضرة الثقافة الإسلامية، يستجيب أكثر من نصف الطلبة لسؤال ما إذا كانوا يأملون في مستقبل أفضل في مأرب؟ "نعم، نعم، نعم"، تقول طالبة جاءت من صنعاء، تقلد بنت عمها، الذي تعلمت الفرنسية وتقوم بأعاله عائلتها بدخل جيد وهي نفسها تريد أن تعمل في مجال تكنولوجيا المعلومات.
وقالت: "المجتمع ينفتح"، مضيفة: "طبعا وفقا لتعاليم الإسلام". تعتبر مأرب ذات أهمية استراتيجية بسبب موقعها: فهي تعتبر بوابة صنعاء.
محمد حمود، استاذ في الأدب الإنجليزي، يروي كيف يجرؤ طلابه بشكل متردد على التخلي عن طرق التفكير القديمة. "الشابات لا يجرأن على التحدث مع الرجال في البداية. أنهم يأتون دون هدف. ولكن بعد فترة من الوقت، يطورون أفكارهم الخاصة حول ما يريدون القيام به في حياتهم "، كما يقول.
وقد قرأ هو وطلابه رواية "مزرعة الحيوانات" التي كتبها جورج أورويل، وهي رواية حول ثورة الحيوانات ضد طاغيتهم البشري والتي تنتهي فيها الخنازير لتصبح حكام جدد أسوأ من المستغل الذي كانت الحيوانات قد ثارت ضده سابقا. لم یستغرق الأمر وقتا طویلا بالنسبة للشباب لاستخلاص العناصر الفاعلة من تاريخ الانتفاضات العربية في عام 2011، ?ما یقول المحاضر.
يقول حمود: "أريد أن أعلمهم الطموح والقوة والمسؤولية". إن المعجزة الاقتصادية لمأرب لا يمكن تفسيرها ببساطة بأنها من انجاز محافظ حكيم. هذا الازدهار هو قصة نجاح الاقتصاد في زمن الحرب في دولة منهارة. ولم يقتصر الأمر على تسبب المدنيين في جلب المال إلى المحافظة، بل أيضا الجنود.
حيث تعتبر مأرب استراتيجية بسبب موقعها، كما وتعتبر بوابة صنعاء أيضا وقد نُقلت وحدات عسكرية كبيرة الى المحافظة.
بالإضافة إلى قطع الحرب طرق النقل الرئيسية، مما جعل مأرب مركزاً للتجار والتجار الذين يجلبون البضائع من المملكة العربية السعودية إلى البلاد، على سبيل المثال كما وتزدهر تجارة الأسلحة ايضا. يمكنك أن تدفع رصاصات كلاشنيكوف كأجرة عند ركوب الحافلات الصغيرة، التي تجوب شوارع مأرب كسيارات اجرة مشتركة ، كما روى احد السكان في المدينة.
إن الإرهابيين الأكثر خطورة بالنسبة للعرادة على أي حال هم المتمردين الحوثيين الشيعة." لقد شكلوا خطورة ليس على مؤسسات اليمن، بل على هويتها أيضاً" حسب كلام المحافظ: "إنهم سيقاتلون حتى الموت"، وتساءل: "هل ينبغي علينا أن نستسلم لهم؟" أحد شيوخ عشائر مأرب صرح بشعار واضح: النصر أو الموت.
*بتصرف عن فرانكفورتر –ألمانيا نشر بتاريخ 11/11/2017م