وجع مدينة حين يختصره جسد أمل وذاكرة الشقب

"شعرت بأن جسمي تكهرب وتخدر وأصبح باردا كيد ميت ودون حراك أو شعور  ".

هكذا بدأت  أمل حديثها ، هي التي فرت من مرض مؤقت إلى شلل أبدي .

بعد أن خفت أوار الحرب في قريتها نُقلت إلى المستوصف الطبي إثر مرض اقتحم فوضاها الداخلية التي صنعتها الحرب فيها وفي سكان قريتها وفي طريق الرجوع تلقى عنقها الهش  رصاصة قناص حوثي وهي على متن سيارة .

تواصل أمل نزف دموعها قائلة :" اتمنى الآن أقدر أوقف وامشي زي ماكنت أو حتى أحرك أصابع يدي".

أمل (23) عاما أم لطفلين ونصف موت ، أصبحت الآن بين رصاصة وصمت مقعدة الفراش بسبب شلل كامل جراء إصابتها بطلقة قناص اخترقت عنقها ويحول بينها وغدها حائل زجاجي يشكل عدسة قناصة .

لم يزهر علاجها في مستشفى الروضة ـ تعز ـ عن بصيص حركة فتم نقلها للعلاج إلى تركيا مع بعض جرحى المدينة وعن مكوثها هناك تقول أمل  :

"   اخبرونا بعد شهر من وصولنا بأنه سيتم ترحيلنا فبكيت وعزمت البقاء وقلت لهم اشتي أقوم ، أشتي علاج يعيد لي حركة أنامل يدي اقبض بهن ولو مرة كل عيد على عجينة الحناء .

كان جوابهم لي  أنه مفيش علاج لي ومستحيل تعود لي حركتي".

 

عادت أمل تنازع الحرب مكان إقامتها في الشقب جسداً غضاً لا يقوَ على الحراك مع محاولات  زوجها تحريك أطرافها بتمرينها رياضياً ، كما نصحه أحد الدكاترة ، فهل ستعود لها حركتها رويدا في ظل حياة أعلنت توقفها مع خروج أول ميليشاوي يعتمر بندقية وموت؟!.

ومع ما تشهده قرى الشقب من اهمال ونسيان بعد أن داستها أقدام الحرب اليابسة وسلبتها أدنى مقومات الحياة فضلا عن المساحات الشاسعة التي تم تلغيمها من قبل  جماعات الحوثي قبل انسحابهم منها .. وسط كل هذا هل ستجد أمل ما يشبه اسمها ويمحي شعورها بالخسران ؟!

التقينا والد أمل أثناء خروجنا من زيارتها يشد قوس رتابة الوقت الظاهرة في نظرته الفارغة المضببة ،  أحمد عبدالرزاق (55) عاماً ونيف وجع طاعن ، ما أن استتب ظله اللاهث من ثقل حزنه حتى أجهش في الحديث :

" بلادنا ريفية لا فيها بترول ولا ذهب ... ناس مسالمين ريفيين يُسلموا لأي حكومة تطلع , وفجأة مادرينا إلا ونحن في خط النار ويمطرونا بكل أنواع الأسلحة ولم نستطع النزوح للمدينة فالموت هنا أهون من الموت جوعاً هناك.

بنتي أمل معاقة إعاقة كاملة بسبب طلقة قناص حوثي في عنقها وأختها فاقدة للسمع بتأثير صاروخ سقط قربها وأنا اصبت بطلقة نارية لمسلح حوثي أثناء خروجي من الجامع .

الناس هنا تموت بفعل الحرب والجوع لا غذاء ولا ماء ، حتى المنظمات لا تأتي إلينا وكأن لا وجود لنا ".

قرية الشقب ، مديرية صبر الموادم الواقعة جنوب شرق مدينة تعز ، هي نموذج مصغر لما تقاسيه مدينة كتعز ، والأنثى أمل الآنفة الجرح هي نموذج مصغر أيضا لبلد  خارت قواه وأعضاؤه مع أول طلقة حوثية ويحاول آملا حقن شريان الحياة بدم ينز وردا من ضوء عينين وضحكة فم هما كل ما تبقى على قيد الحركة من جسد/بلد شُلّت حركته!!

،،،

 

إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص