يوميات آلاء ... يستذكرها الجرح سهوا

قصة إنسانية يكتبها / نجم المريري 

بفارغ العمر وبوجهها الصقيل والشبيه لمعته بعباد شمس، ترقب آلاء حليفها القادم، ليلها الذي يحيل كل ما حولها مظلما ليضيء عتمة الذاكرة، فتضيء من الداخل.. تضيء .. تضيء.

آلاء في 6:00اPM

عندما يحل الليل ويكسي كل ما حولها حتى أعضاءها الجسدية بالظلال وزرقة العتمة تغمض عينيها وتبدأ في غزل ساق يليق بعمرها "ماذا لو أبدل الله ساقي بجناح؟!  سيفعل هذا أنا متأكدة،، أبي يقول أن الله يحب الأطفال يقول أبي أيضا أننا حين نكون صغارا فإن الوهيتنا تكون طازجة لم يستهلك تحولنا إلى بشر الكثير منها.. عدا أني فقدت ساقي!! ما معنى هذا؟!" تنظر آلاء.. كما لو أنها تفكر.

بغرابة تفكر آلاء، هي لم تعد صغيرة فلقد فقدت قدما ولو كانت صغيرة لما استهدفها العدو بقذيفة، ضميره سيحول دون ذلك فضلا عن قوانين ومواثيق وبنود الأمم المتحدة التي تجرم استهداف الأطفال.

"ليت الأقدام لبنية وتسقط كالأسنان فنرميها تجاه الشمس ونصيح" يا شمس يا شمس ابدليها بساق غزال" تحض آلاء أماني قلبها الذهول.

بعد شهر من إصابتها كانت آلاء تقف بقدمها الوحيدة وسط عمود شمس يتدلى من نافذة صغيرة خلفتها قذيفة حربية على حوش منزلهم ، تأمل آلاء أن تتجمد ذرات الضوء لتصبح قدما أخرى بديلة عدا أنها بعد محاولات رؤومة آمنت أن الليل وحده من يملأ فراغاتنا، من يكملنا حين يحجب رؤية الآخرين لنا، أتعجب من مكرهة البشر لليل رغم أن ساقي بترت في وضح النهار ، النهار الذي أصبح مرتعا للقتلة  والمجرمين".. تحار آلاء.

لا شيء يدعو للغرابة، هكذا تفكر آلاء وهو ما يفصح عنه اصفرار عينيها، اتسعت مخيلة آلاء حين ضاق العالم بحدود قدمها، فقدانها قدمها منحها  قدرة خارقة على المشيء.. المشيء في المخيلة تحت جلد هالة شاردة ونجم متجمد وسماء لم تُنجب سوى النيازك!!

آلاء في 6:00 AM

"اعتادت آلاء الركض عند استيقاظها مباشرة كل صباح، حيث تبدأ يومها في اللعب" يقول والد آلاء.

" لم تستطع آلاء نسيان عادتها هذه حتى بعد فقدانها لقدمها.. تستيقظ وتحاول الركض وتسقط أرضا".

آلاء طفلة لم تبلغ الرابعة من العمر حتى وضعت شظية قذيفة حربية خاتمة لطفولتها.

"كانت تلعب في حوش المنزل قبل أن تباغتها شظية قذيفة وقعت على حينا السكني لتخترق إحدى شظاياها باب حوش منزلنا واستقرت بساق آلاء الأيسر".

يتابع والدها:" أسعفت آلاء إلى أحد المستشفيات إلا أن غياب الرعاية والاهتمام بالجرحى وهشاشة خبرة الجراحين هناك حتم عليّ نقلها إلى مشفى آخر، أجريت لقدمها ثلاث عمليات جراحية إلا أن الطبيب في المنتهى أخبرني أن لا جدوى من مقاومة قرار البتر فشرايينها ممزقة بالكامل".

آلاء بين 6:00AM , 6:00PM

بفارغ الحبر تنتظر آلاء التي تتعلم املاء الحروف امتلاء مداد القلب لتتمكن من الكتابة ..أو لنقل المشيء!!

بهيئة لفافة تطوي كل ورقة تكتبها، كقدم ورقية، تولج ما تبقى من ساقها فيه وتمشي، ربما تكون هذه القصة هي أول مطوية ستصنع منها آلاء قدما ورقية وتمشي.. آلاء تضيء.. تضيء.

إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص