في حوار له مع المستقبل أونلاين ...

الروائي وليد دماج : الكتابة الروائية في صورة من صورها محاولة لإنصاف العالم وتحليله وإعادة توازنه

وليد دماج كاتب وروائي متمكن من أدواته الفنية والسرد عنده حياه اخرى يعيشها بكل جوارحه؛ صدرت له العديد من الروايات اولها ظلال الجفر ثم ابو مصعب العزي؛ ثم وقش هجرة الشمس؛ وقد ناقش برواياته العديد من القضايا مثل التطرف والغلو والارهاب؛ والصراعات الدينية داخل الجماعات الدينية نحن بدورنا اجرينا معه هذا الحوار :

 

  • من هو وليد دماج؟
  • وليد دماج هو الانسان المندهش على الدوام، الذي يعيش كل لحظة وكأنها لحظته الأولى، ويرى الأشياء حتى المتكررة وكأنه لم يرها قبل ذلك. كثيرا ما تأخذني التفاصيل البسيطة حدا أتوه فيه عن الأحداث الرئيسة، التي لا يمكن للآخرين نسيانها. أستغرق في أفكاري ومحاورتي، منفصلا بذلك عن كل ما هو حولي.  لا يستهويني الهدوء والمناظر الخلابة، أحب الحياة وأرتاح للصخب والأماكن المزدحمة، حيث يمكنني تأمل الوجوه ومحاولة استشفاف الأفكار واستقراء ردود الفعل. أعشق القراءة والسباحة وسماع الموسيقا والأكل والعيش في اليمن.
  • هل لانتمائك لبيت نضالي وتقافي كبير كبيت دماج والتي خرج منها زيد مطيع دماج واحمد قاسم دماج وهمدان دماج وغيرهم الكثير ساهم في صنع الروائي وليد دماج؟
  •  لا شك أن لأسرتي وأعلامها الثقافية والنضالية دور كبير في توجهي للكتابة الأدبية، بشكل عام، مثلي في ذلك مثل الكثير من أبناء أسرتنا، وإن كان الأمر لا يقتصر على ذلك، فالكتابة الأدبية خصوصا الكتابة الروائية تتطلب تأهيلا شخصيا عاليا وشخصية صبورة وشديدة المثابرة، إذ أن كتابة رواية جيدة تعني القدرة على خلق حياة متكاملة عبر الموائمة بين عناصرها المختلفة من تماسك حبكة وصياغة جمل وعبارات وترابط أفكار وتشكل رؤى وتسلسل أحداث وبناء شخصيات  وغيرها... الأمر الذي يتطلب من وجهة نظري أن يكون لدى الكاتب تراكما معرفيا كبيرا وخبرة حياتية معقولة وقدرة تخيلية فائقة وموهبة  أدبية عالية وإرادة حديدية  قادرة على الإبداع المتكامل.
  •  لماذا اخترت الرواية؟ رغم صعوبتها؛ مقارنة بألوان الادب الاخرى؟
  • بدأت أكتب الشعر ولكني لم أجد نفسي إلا في الرواية، إذ أني حسب ما أعتقد صاحب نفس طويل في الكتابة، وهو ما تكلبه الكتابة الروائية التي مكنتي من خلق حيوات كاملة، والشطح بخيالي وصياغة رؤاي وأفكاري. الرواية في رأيي إحدى أهم الطرق لبلوغ الكمال عبر الإمساك بخيوط الشخصيات وتسلسل الأحداث وخلق حياة متكاملة عبر الكلمات.
  • رغم انك خريج محاسبة؛ كيف استطعت الجمع بين الرقم والحرف وخاصتا في روايتك الأولى ظلال الجفر وفي ما تلاها من روايات؟
  • المحاسبة تعلمنا التعامل مع الأرقام، والأرقام لغة متكاملة أيضا. كما أننا كثيرا ما ندرس ونختار تخصصاتنا الجامعية لأسباب أخرى لا علاقة لها  بميولاتنا الإبداعية. درست المحاسبة تأثرا بوالدي البنكي المثقف الذي كان يرى أن هذا التخصص أسهل الطرق للحصول على عمل جيد. كنت أقول أستطيع تعليم نفسي الأدب، بالقراءة المكثفة والاطلاع، ولكني يجب أيضا أن أتعلم مهنة أقتات منها في بلد فقير وواعد كاليمن.
  • في رواية أبو صهيب العزي تكلمت عن الحركات الدينية الإسلامية من تنظيم القاعدة الى الحوثيين الى البهائيين ونقاشاتهم داخل الزنزانة الواحدة؛ كيف ينظر الروائي وليد دماج لمستقبل هذه الحركات؛ وما هو سبب تناميها؟
  • لا شك أن المتأمل في الواقع اليمني والإقليمي، وحتى الدولي يكتشف نزوعا نحو الحركات اليمنية المتطرفة دينية وغير دينية ، ولأن الدين في بيئتنا هو المحرك الرئيس، وفقد ظهرت ونمت وتأصلت وتفرعت الحركات والأحزاب الدينية التي استغلت ضعف الحركات والأحزاب القومية واليسارية والوطنية قبل وبعد انهيار الاتحاد السوفيتي وانتهاء الحرب الباردة التي أنشأت وترعرعت خلالها الكثير من الحركات الدينية الاسلامية السنية والشيعية بدعم أمريكي غربي لمواجهة المد الشيوعي السوفيتي والصيني، ساعدوا الملالي والآيات  في الاستيلاء والان ها هي تلك الحركات تتأصل وتتصارع فكريا  وعسكريا وها نحن نعيش تغول جماعة الحوثي الكهنوتية إحدى الجماعات الدينية المنشأة حديثا على مقدرات اليمن وانقلابها على الشرعية ومخرجات الحوار الوطني وادخال اليمن في هذه الحرب الضارية.

حاولت في الرواية أن أخلق حوارا فكريا بين هذه الجماعات خصوصا بين السلفية الجهادية وغير الجهادية والإخوان والحوثية والبهائية والأحمدية لإثبات أن المجتمع اليمني قادر على الحوار والحياة المشتركة مهما بلغت الاختلافات والتناقضات ، نحننعيش كارثة ليس في الحرب فقط وإنما في استشراء وتطور هذه الحركات الدينية وتحوليها إلى حركات مسلحة لتحويل الحرب الوطنية السياسية إلى حرب طائفية ضمن مقتضيات تحقيق الرؤية الأمريكية الجديدة المتمثلة في نظرية الفوضى الخلاقة لخلق شرق أوسط جديد.

  •  قرأت روايتك وقش الطبعة الاولى لكنها صدرت بحله جديده هل اعتدت الاشتعال عليها ام ان الاختلاف لم يتجاوز الغلاف ودار النشر؟
  • أنا أعتبر الطبعة الصادرة عن دار خطوط هي الطبعة الأولى لأن الطبعة السابقة لم تر النور. والاختلافات ضئيلة جدا وأغلبها مجرد تصحيحات لغوية وبعض الاختصارات والاختزالات.
  •  لمن تقرأ من الروائيين اليمنيين وأيهم أقرب إلى قلبك؟
  • الحقيقة أنني أحاول قراءة أي عمل يمني يصدر بغض النظر عن الكاتب، ولا شك أن الرواية اليمنية إلى الٱن لا زالت في البدايات رغم الانجازات الجيدة التي حققتها خصوصا في العقدين الأخيرين. وهناك العديد من الكتاب الذين برزوا خصوصا هذه الفترة، منهم على سبيل المثال ولن أذكر إلا أصحاب الأعمال الروائية المتعددة: حبيب عبد الرب, نبيلة الزبير، الغربي عمران، وجدي الأهدل، علي المقري، سمير عبد الفتاح، صالح باعامر، نادية الكوكباني  بسام شمس الدين، عمار باطويل، ريان الشيباني، حسين السقاف، وسامي الشاطبي، نجيب نصر، شروق عطيفة، وعبدالله شروح وغيرهم... وبالنسبة لي أعتقد أنني عايشت الكثير من هذا الأسماء وإن تأثرت أكثر بجيل الرواد خصوصا زيد مطيع دماج ومحمد عبد الولي، وتأثرت أكثر بالعديد من الروائيين العرب والعالميين، القديم منهم والحديث...
  •  ماذا ينقص الروائي اليمني للوصول للعربية والعالمية؟
  • سبق وأن أسلفت أن الرواية اليمنية ما زالت في بداياتها وتتطلب الكثير من التراكم الكمي والنوعي حتى يصبح لها اسم وخصوصية، بالإضافة إلى حاجة الكثير من الروائيين اليمنيين إلى الدعم المادي والمعنوي والإعلامي ليتفرغوا  للكتابة وتسليط الضوء على أعمالهم، مع ضرورة تخلق حركة نقدية موازية للإبداع الروائي بحيث تتحسن أدوات الكتابة الروائية وخلق أعمال روائية  تنافس على المستوى العربي والعالمي وهو ما بدأ يتحقق من خلال اطلاعي على العديد من الأعمال الروائية اليمنية خصوصا في الآونة الأخيرة والتي تمكن بعضها من المنافسة والفوز بالعديد من الجوائز على المستوى العربي والإقليمي ،وأدعو هنا المترجمين اليمنيين والعرب والأجانب إلى ضرورة الانتباه للأعمال الروائية اليمنية النوعية وترجمتها للغات الأخرى لإظهار وإبراز الأعمال الروائية التي تمر بثورة حقيقية على الرغم من ظروف الحرب وعدم الاستقرار التي تعصف بالبلد من منذ ما يزيد عن عشر سنوات.
  • لو لم تكن كاتب وروائي ماذا كنت تتمنى ان تكون؟
  • لا شك أن الكتابة خصوصا الكتابة الروائية هي أصعب وأعظم الأعمال البشرية، ومن يخوض في الكتابة الروائية لا يتمنى أن يكون شيئا أخر، وإن تنتابني أحيانا كثيرة رغبة في أن أساهم أيضا بإنعاش الواقع الثقافي بحكم خبرتي الطويلة في أي مفصل من مفاصل العمل الثقافي، وكثيرا ما أفكر في أن أصبح جنديا في خنادق الدفاع عن الحرية والكرامة والنظام الجمهوري.

إن الكتابة الروائية في صورة من صورها محاولة لإنصاف العالم وتحليله وإعادة توازنه. وفكرة كتابة رواية عن المطرفية كانت قديمة، منذ أن قرأت عنها شذرات من هنا وهناك وجذبني موضوعها. ولما أن وجدتها من ضمن المسكوت عنه، بل المخفي والمطموس من التاريخ بدأت بالتنقيب والبحث، وهالني ما وقع عليهم من افناء لم يسبق وأن حدث لفرقة ما. تكفير وتحقير وفتك وتدمير وإبادة لمشايخ وعلماء عصرهم لا أبالغ إن قلت ليس في اليمن فحسب، بل في العالم الاسلامي وربما العالم. درسوا الأديان والفلسفات والعلوم فألفوا وتأملوا وأنتجوا الأفكار واكتشفوا ونظروا. هجروا الظلم والجهل، وتفرغوا للعلم في هجرهم وكهفوهم فأبان لهم العلم خطوط كفه وأغدق عليهم من مناهله، فزاد البون بينهم وبين بني عصرهم حتى من المشايخ المتعلمين. طلبوا العدالة والمساواة إلا بالتقى، نبذوا الألقاب والأحساب والأنساب إلا بالعمل فلا منصب مخصوص فالناس كلهم سواء والتنافس في محاريب العمل والعلم، فلم يكن إلا أن جمع عليهم جهلة المشايخ وأرباب الملك والسلطان كل جهلتهم وسفهائهم للفتك بهم. أليس هذا ما يحدث لنا الان؟

  • كلمة أخيرة تريد قولها ؟
  • أريد أن أقول بأن اغلب بلدان العالم لا تفاخر إلا بمبدعيها من فنانين وكتاب، والمبدعين اليمنيين خصوصا من يتطلب ابداعهم التفرغ يمرون بظروف قاسية ومأساوية تتطلب من الدولة الشرعية الالتفات لهم، وعلى رأسهم كتاب الرواية، وايلاء الاهتمام اللازم لهم وتوفير الامكانات ولو بالحد الأدنى لاعانتهم على الاستمرار ورفد اليمن بالمزيد من الأعمال الإبداعية حتى يصبح لليمن مكانتها التي تستحقها في هذا المجال على المستويين العربي والعالمي.

 

إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص