أكدت مصادر يمنية مطلعة في العاصمة الأردنية عمّان وصول المفاوضات بين وفدي الحكومة الشرعية والحوثيين التي ترعاها الأمم المتحدة إلى نقطة حرجة، بسبب رفض الوفد الحوثي فتح المنافذ الرئيسية في مدينة تعز (وسط اليمن) التي يغلقها منذ بداية الحرب، وتقدمه بمقترح لفتح معابر فرعية بديلة لا تلبي احتياجات السكان للتنقل الحر ونقل البضائع والمواد التموينية والمياه.
وأشارت المصادر إلى قيام المبعوث الأممي الخاص إلى اليمن هانس غروندبرغ وفريقه ببذل جهود اللحظات الأخيرة لمنع فشل المفاوضات التي تتمحور حول فتح الطرق في تعز ومحافظات أخرى.
وكان رئيس الفريق المفاوض عن الحكومة الشرعية عبدالكريم شيبان قد أصدر بيانا، الجمعة، أكد فيه تقديم الوفد الحكومي رؤيته للطرقات والخطوط المراد فتحها، مشيرا إلى رفض الوفد الحوثي “بعد يومين من النقاشات الشاقة في الصباح والمساء ومحاولة إقناعهم بكافة الوسائل المنطقية والموضوعية”، مشيرا إلى تقديم الحوثيين مقترحا يتمثل في “ممر جبلي حميري قديم كان معدّاً لمرور الحمير والجمال” يبعد عن المدينة 30 كيلومترا وغير صالح لمرور السيارات.
واتهم رئيس الوفد الحكومي الحوثيين بالتعنت والمماطلة وعدم الاستجابة “لرفع المعاناة عن 5 ملايين إنسان من أبناء محافظة تعز، رغم أنهم قد حصلوا على كل ما يريدون من فتح مطار صنعاء وفتح ميناء الحديدة لدخول المشتقات النفطية وفرض عشرات المليارات كرسوم ضريبية على هذه المشتقات واعتماد جوازات السفر غير الشرعية، والذي كان يفترض تنفيذ مثل هذه الطلبات متزامناً مع فك الحصار وفتح الطرقات عن تعز وهو مستمر منذ 8 سنوات” بحسب ما جاء في البيان.
ولوح شيبان بوقف الحوار المباشر مع الحوثيين في حال “لم يستجيبوا لفتح الطرقات والخطوط الرسمية المعروفة التي تربط تعز ببقية المحافظات”.
ويبدي الحوثيون مخاوف من انعكاس أيّ تغيير في حالة التخندق الحالية في مدينة تعز إلى إضعاف موقفهم العسكري بالنظر إلى عدم وجود حاضنة شعبية لهم في المدينة واعتمادهم على سياسة خنق الجزء المأهول بالسكان من تعز للحافظ على الجزء الذي يسيطرون عليه في المدينة ويضم معظم المنشآت الصناعية والتجارية.
ويعتبر مراقبون للشأن اليمني أن ملف الحصار على تعز بات حجر الزاوية في نجاح تقدم المسار السياسي للأزمة اليمنية واستمرار الهدنة الأممية التي دخلت حيز التنفيذ في مطلع أبريل الماضي ويجري التباحث على تمديدها لفترة إضافية.
ويرى الصحافي اليمني ورئيس تحرير صحيفة “الشارع” نائف حسان في تصريح لـ”العرب” أن فرص نجاح الهدنة القائمة ضعيفة جدا، مشيرا إلى أن رفض ميليشيا الحوثي فتح الحصار عن مدينة تعز يعزز هذا الاحتمال، وأن ميليشيا الحوثي كانت تستخدم أيّ هدنة لوقف إطلاق النار من أجل إعادة ترتيب صفوفها، والسلام ليس ضمن خياراتها”.
وحول سيناريوهات تعثر الهدنة نتيجة الخلافات المتصاعدة حول ملف حصار تعز، يشير إياد قاسم رئيس مركز “سوث24″ للأخبار والدراسات في تصريح لـ”العرب” إلى استغلال الحوثيين للتنازلات المتكررة التي تقدمها الحكومة اليمنية بحسن نية، لرفع المعاناة عن الملايين من الناس في محافظة تعز.
ولفت إلى أن “الحوثيين استطاعوا تحويل مبادئ أساسية تضمنتها الهدنة إلى ملفات منفصلة لتحقيق مكاسب سياسية. وهذا يشي بأحد أمرين: إمّا أن الحوثيين سينقلبون على الهدنة الأممية ويتجهون لتصعيد عسكري، وإمّا أنّ الحوثيين يخشون من أن يشكّل فتح الطرقات ثغرة قد تعزز حضور القوات الموالية للحكومة وبالتالي يقود إلى تحجيم وجود ميليشياتهم عسكريا في مناطق المحافظة”.
ويضيف “في ضوء المحادثات الأخيرة في عمّان بدت المخاوف الظاهرة أكثر تجليا في إمكانية فشل الهدنة والعودة إلى الصراع العسكري. لكنّ المثير للانتباه أنّ المقترحات التي قدمها الحوثيون تجد أيضا غطاء دوليا، وفقا لتصريحات مصادر في الوفد الحكومي. وهذا يفسّر أنّ المجتمع الدولي بات عاجزا عن تشكيل ضغط حقيقي على ميليشيات الحوثيين، ويتماهى مع مواقفها مستغلا حاجة الحكومة إلى فتح الطرقات بأيّ ثمن، انطلاقا من مسؤولياتها تجاه الناس”.
ويؤكد إياد قاسم أن “استمرار هذا التماهي قد يقود في المحصلة إلى فشل الجهود الدبلوماسية، ويعزز من غياب الثقة ويقود إلى تفجير الصراع مجددا إذا ما أخذنا الاستعدادات الحوثية في هذا الجانب بالحسبان”.
ويضيف “على الرغم من أنّ القوات الموالية للحكومة في تعز لم تدخل في مواجهة جدية مع الحوثيين منذ اغتيال العميد عدنان الحمادي، إلا أنّ إعادة هيكلة تلك القوات وتنقيتها من العناصر التي موّلت انخراطها دول إقليمية داعمة لتنظيم الإخوان المسلمين، ضرورية لتحصين هذه الجبهة من أيّ نوايا حوثية قد تفجّر صراعا من جديد في حال فشل جهود تمديد الهدنة الحالية”.
ويؤكد عزت مصطفى رئيس مركز “فنا” لبحوث السياسات أن الوصول إلى اتفاق بشأن فتح المعابر والطرقات في تعز يعد اختبارا حقيقيا لتنفيذ بنود الهدنة التي أوشكت على الانتهاء.
ويشير مصطفى في تصريح لـ”العرب” إلى محاولة الحوثيين التسويف حول هذا الملف من أجل تمديد الهدنة لأغراض عسكرية وهو أمر محتمل إن مارست الأمم المتحدة ضغطا على السلطة الشرعية لكنه سيكون ربما التمديد الأخير كمهلة زمنية لينفذ الحوثيون ما عليهم.
ويتابع “لكنه سيكون في كل الأحوال تمديدا هشا وغير متماسك كما كان في الشهرين السابقين رغم الخروقات الحوثية خلالها، كما أن تنفيذ التزامات الهدنة من طرف السلطة الشرعية فقط وامتناع الحوثيين عن تنفيذ أيّ من التزاماتهم لن يفضي في النهاية إلى الذهاب لمفاوضات تسوية سياسية شاملة كما يأمل المبعوث الأممي. والأرجح أن ينتهي التمديد (إن تم) إلى عودة المواجهات العسكرية خاصة وأن التهديد الحوثي صوب مأرب ما يزال قائما”.
وأطلق ناشطون وصحافيون يمنيون على مواقع التواصل الاجتماعي وسما تحت عنوان “حصار تعز جريمة” طالبوا فيه الأمم المتحدة والمجتمع الدولي بممارسة ضغوط حقيقية على الميليشيات المدعومة من إيران لفتح الطرقات والمنافذ حول المدينة.